اخبار العرب والعالم

الكرملين يفضل مناقشة أوكرانيا مع واشنطن “خلف أبواب مغلقة” ويعارض تدخل أوروبا

 

دعا الكرملين، الأربعاء، إلى دفع المناقشات بين موسكو وواشنطن حول ملف التسوية في أوكرانيا في إطار «غير علني» وبعيداً عن عيون وسائل الإعلام والتصريحات العلنية المتبادلة بين الجانبين.

وتجنب الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف تحديد موقف بلاده حيال فكرة الضمانات الغربية التي تدور بشأنها نقاشات في واشنطن وعواصم أوروبية، مشيراً إلى أن هذا الملف ينبغي أن يناقش «خلف أبواب مغلقة»، لكنه شدد في الوقت نفسه على معارضة بلاده الأفكار الأوروبية في شأن احتمال إرسال قوات حفظ سلام أو وضع ترتيبات أمنية لأوكرانيا.

الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف (أ.ف.ب)

 

وجاءت تصريحات الناطق الروسي متزامنة مع عودة السجالات بين موسكو وواشنطن إلى الواجهة، بعد فترة محدودة من الهدوء أعقبت قمة ألاسكا.

وأثارت تعليقات موسكو على النقاشات الدائرة في الغرب، ردود فعل لدى الأوروبيين، وكذلك لدى الإدارة الأميركية. ورد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بحدة قبل يومين على تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تناولت ما وصف بأنه «فقدان (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي الشرعية». ومن دون أن يذكر لافروف مباشرة قال ترمب إن هذا الحديث «مجرد هراء».

وكان لافروف قد قال إن زيلينسكي لن يكون بمقدوره التوقيع على أي اتفاق سلام لأنه فاقد للشرعية وفقاً للدستور الأوكراني، مجدِّداً الدعوة لإجراء انتخابات جديدة في البلد الجار.

 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة مولدافيا مايا ساندو (إ.ب.أ)

 

من جانب آخر، قال أندريه يرماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني الأربعاء، إنه يُجري حالياً زيارة للرياض برفقة رئيس مجلس الأمن القومي رستم أوميروف، لمناقشة سبل السلام في أوكرانيا، ومشاركة السعودية في هذه العملية. وصرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، بأن تركيا أو دول الخليج أو الدول الأوروبية قد تستضيف محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كما ازدادت السجالات حول ما وُصف بأنه «تشدد روسي حيال ملفات التسوية»، مما أثار انتقادات في أوروبا ودفع ترمب إلى العودة إلى التلويح بفرض عقوبات رادعة جديدة ضد روسيا.

لكن الكرملين تجنب الرد مباشرةً على الرئيس الأميركي، وأكد بيسكوف أن بلاده «ملتزمة بنهج التسوية السياسية» للصراع في أوكرانيا. وكرر الإشادة بالدور الأميركي والجهود التي يبذلها البيت الأبيض لدفع مسار السلام.

في الوقت ذاته، قال الناطق إنه «ينبغي إجراء العمل بين روسيا والولايات المتحدة بشأن القضية الأوكرانية بشكل غير علني لتحقيق نتائج»، مستبعداً بشكل ضمني فتح حوار مع الأوروبيين حول الموضوع.

وقال للصحافيين خلال إفادة، الأربعاء: «نعتقد أن العمل يجب أن يستمر مع الجانب الأميركي بشكل غير علني. هذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق النتائج».

وتطرق بشكل غامض إلى موضوع الضمانات الأمنية لأوكرانيا التي يناقشها الغرب حالياً بنشاط، مشيراً إلى أن هذا الموضوع «من أهم المواضيع في إطار السعي للتوصل إلى تسوية في أوكرانيا، وهي مطروحة على جدول الأعمال».

 

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين في أنكوريج بألاسكا 15 أغسطس 2025 (رويترز)

 

لكنه رفض التعليق على سؤال حول جوهر الضمانات الأمنية التي يمكن أن توافق عليها روسيا من جانب الدول الأوروبية، وما إذا كانت قد قدمت أفكاراً محددة في هذا الشأن كجزء من عملية التفاوض، مكتفياً بإشارة عامة إلى أن هذا «بالطبع، من أهم المواضيع في سياق الجهود المبذولة لإيجاد تسوية. وبطبيعة الحال، فإن هذا الموضوع مطروح على جدول أعمال الاتصالات الجارية». وكرر موقف موسكو الداعي إلى إغلاق النقاش العلني حول ملفات التسوية المحتملة، عادّاً أن هذه النقاشات يجب أن تجري في إطار مغلق.

ويصل قادة فرنسا وألمانيا وبولندا إلى مولدافيا، الأربعاء، في زيارة دعم رمزية عشية انطلاق الحملات للانتخابات التشريعية المقررة الشهر المقبل، وسط اتهامات بتدخل روسي في الدولة المحاذية لأوكرانيا والساعية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

 

دونالد ترمب مع القادة الأوروبيين في واشنطن (إ.ب.أ)

 

وفي الذكرى الرابعة والثلاثين لاستقلال كيشيناو، يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، برئيسة مولدافيا مايا ساندو التي تدفع نحو انضمام بلادها إلى التكتل القاري. ورأت الرئاسة المولدافية، في بيان، إن الزيارة تشكّل رسالة «دعم لمولدافيا من قبل القادة الأوروبيين، بينما تزيد روسيا من تدخلاتها قبل الانتخابات البالغة الأهمية»، الشهر المقبل.

ومع تجديد الإشادة بأي جهد تقوم به الولايات المتحدة، أعرب بيسكوف عن «موقف سلبي للغاية»، تجاه النقاشات الدائرة في أوروبا. وقال إن بلاده «تقدر عالياً، وتأمل أيضاً، أن تستمر جهود حفظ السلام والوساطة التي يبذلها رئيس الولايات المتحدة (…)، وروسيا لديها موقف سلبي تجاه المناقشات في أوروبا حول احتمال وجود قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية».

وقال للصحافيين، رداً على سؤال حول فكرة إرسال قوات حفظ سلام أوروبية: «لدينا موقف سلبي. وقد ناقشنا هذا الأمر على مختلف المستويات. في الواقع، لا توجد جيوش أوروبية، بل جيوش دول محددة، ومعظم هذه الدول أعضاء في حلف الناتو». وأشار بيسكوف إلى أن تطوير البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو وتسللها إلى أوكرانيا، هو أحد الأسباب الجذرية للصراع في أوكرانيا.

ومع إشارته إلى استعداد موسكو لمواصلة النقاشات مع واشنطن بشكل غير علني، أكد أيضاً استعداد موسكو لاستئناف جلسات الحوار مع الجانب الأوكراني، وقال إن كييف هي التي جمدت المفاوضات. وأشار الناطق الرئاسي إلى أنه «لا توجد مواعيد محددة لاجتماع جديد لمجموعتي التفاوض الروسية والأوكرانية حتى الآن»، لكنه أكد أن رئيسي مجموعتي التفاوض الروسية والأوكرانية «على اتصال».

 

المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيسة مولدافيا مايا ساندو (إ.ب.أ)

 

وجدد بيسكوف موقف موسكو حيال فكرة عقد لقاء على المستوى الرئاسي يجمع بوتين وزيلينسكي، عادّاً أنه «يجب التحضير جيداً لأي اتصالات محتملة بين روسيا وأوكرانيا على أعلى مستوى لتكون مثمرة». وأعرب عن قناعة بضرورة استمرار عمل لجان التفاوض في البداية.

وفي إشارة ذات دلالة، قال بيسكوف رداً على سؤال حول مخاوف من استهداف الرئيس الأوكراني بالضربات الروسية، إن «الرئيس بوتين يتخذ دائماً مواقف حاسمة ومدروسة ومسؤولة للغاية بشأن مسار العملية العسكرية الخاصة».

 

وزيرا الخارجية الأميركي ماركو روبيو والروسي سيرغي لافروف قبيل مؤتمر ترمب وبوتين الصحافي 15 أغسطس (أ.ف.ب)

 

جاء هذا التعليق بعدما أثير نقاش في اليومين الماضيين حول «اعتراض بوتين على توجيه ضربة عسكرية لمقر زيلينسكي الرئاسي».

وكان الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو قال للصحافيين قبل أيام، إن بوتين منع هجوماً باستخدام النظام الصاروخي «أوريشنيك» على شارع بانكوفا في كييف، حيث يقع مكتب زيلينسكي. ورأت أوساط أوكرانية في التصريح تهديداً مبطناً إلى الرئيس الأوكراني. لكن بيسكوف شدد على أن «الجيش الروسي يستهدف البنية التحتية العسكرية وشبه العسكرية في أوكرانيا حصراً، وليس الأهداف المدنية».

زيارة الصين

في سياق آخر، وصف بيسكوف زيارة الرئيس الروسي المرتقبة إلى الصين بأنها «غير مسبوقة». وقال: «ستكون زيارة بوتين إلى الصين غير مسبوقة على الإطلاق، والتحضيرات جارية حالياً لإنجاح كل الفعاليات التي يتم تنظيمها بالتعاون مع الشركاء الصينيين».

وقال الناطق إن بوتين يستعد حالياً بنشاط لمنتدى الشرق الاقتصادي، الذي سيعقد في فلاديفوستوك (أقصى الشرق الروسي)، يومي 4 و5 سبتمبر (أيلول)، وقبل ذلك، سيقوم بزيارة مهمة للغاية إلى الصين.

وشدد بيسكوف على أن «الاتصالات الروسية – الصينية تتطور على أعلى مستوى، وكذلك الاتصالات الدولية على هامش هذه الزيارة، تحظى دائماً بأهمية بالغة، وهي دائماً موضوع ذو أولوية بالنسبة لنا».

وحسب بيسكوف، فإن الكرملين بصدد إعداد جدول للاجتماعات الثنائية للرئيس الروسي على هامش قمة منظمة «شنغهاي للتعاون» في الصين، التي ستعقد في مدينة تيانجين (شمال الصين) في الفترة من 31 أغسطس إلى 1 سبتمبر، ويحضرها قادة أكثر من 20 دولة من الأعضاء والشركاء والمراقبين في المنظمة، ورؤساء 10 منظمات دولية.

 

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال الذكرى الثمانين للانتصار على ألمانيا النازية في مايو الماضي بموسكو (رويترز)

 

ورفض بيسكوف التعليق على إمكانية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للصين ولقائه هناك بالرئيس بوتين، وفقاً لتوقعات سابقة، مفضلاً توجيه هذا السؤال إلى البيت الأبيض.

ويشارك بوتين خلال زيارته التي تستمر أربعة أيام، ووصفت بأنها تأتي في إطار تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية ومواجهة «التحديات الجديدة» في العرض العسكري الذي يقام في 3 سبتمبر في ساحة تيانانمن ببكين، «احتفالاً بالذكرى الثمانين لانتصار حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني ونهاية الحرب العالمية الثانية».

مقالات ذات صلة