لغز نواة المشتري ينكشف ويُعيد كتابة تاريخ النظام الشمسي
كشفت دراسة دولية أنّ نواة كوكب المشتري ربما لم تتشكل نتيجة اصطدام هائل بكوكب ناشئ، كما اعتُقد سابقاً، وإنما نتيجة تراكم تدريجي للمواد الثقيلة والخفيفة خلال مراحل نمو الكوكب وتطوّره.
وأوضح الباحثون من جامعة دورهام البريطانية، بالتعاون مع علماء من وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» وجامعة أوسلو النرويجية، أن نشأة البنية الداخلية للمشتري ظلَِّت لغزاً لعقود؛ ونُشرت النتائج، الخميس، في دورية «الإشعارات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية».
لطالما حيّرت بيانات مركبة «جونو» التابعة لـ«ناسا» العلماء؛ إذ أظهرت أنّ المشتري، وهو أكبر كواكب المجموعة الشمسية، لا يمتلك نواة صلبة ذات حدود واضحة، بل نواة «مخفّفة» تمتزج تدريجياً مع طبقاته الغازية الغنية بالهيدروجين. وقد أثار هذا الاكتشاف تساؤلات حول كيفية نشوء هذا التركيب الفريد.
واعتُقد سابقاً أن نواة المشتري قد تكونت نتيجة اصطدام ضخم بكوكب آخر في بدايات النظام الشمسي، ما أدّى إلى اختلاط المواد الصخرية والجليدية للنواة مع الطبقات المحيطة، وهو ما فُسِّر به بعض الخصائص الغريبة لبنية المشتري التي رصدتها مركبة «جونو».
لكن الدراسة الجديدة، التي استخدمت آليات حاسوبية متقدّمة لمحاكاة اصطدامات كواكب بالمشتري، أظهرت أنّ الاصطدامات الكبيرة لا تُكوّن نواة مخفّفة مستقرّة كما كان متوقَّعاً، بل تعود المواد الثقيلة للصخور والجليد بسرعة لتستقر في مركز الكوكب، تاركة حدوداً واضحة مع الطبقات الغازية المحيطة، من دون تكوين انتقال سلس كما في النواة المخففة.
ويشير الباحثون إلى أن النواة المخففة هي بنية لا تحتوي على حدود حادة، بل تمتزج تدريجياً مع طبقات الهيدروجين والهيليوم المحيطة بها، وهذا النوع من البنية موجود فعلياً في المشتري، كما اكتُشف شيء مُشابه في زحل؛ ما يدلّ على أن هذه البنى تتشكل تدريجياً في أثناء نمو الكواكب، وليس نتيجة اصطدامات نادرة وعنيفة.
ووفق الباحثين، تُظهر النتائج أنّ نواة المشتري تكوَّنت بسبب طريقة امتصاص الكوكب للمواد الثقيلة والخفيفة في أثناء نموه، وليس بسبب اصطدام ضخم. كما تساعد الدراسة على فهم تكوين الكواكب العملاقة الأخرى، مثل زحل، وأيضاً الكواكب الكبيرة المكتشفة حول نجوم بعيدة.
وأكد الفريق أنّ الاصطدامات الكبيرة جزء من تاريخ الكواكب، لكنها ليست السبب الرئيسي للبنية الداخلية، مما يستدعي تعديل النماذج العلمية الحالية الخاصة ببنية الكواكب.
وأشاروا إلى أن النتائج تُعيد كتابة تاريخ النظام الشمسي المبكر، إذ لعبت جاذبية المشتري الضخمة دوراً محورياً في تحديد مسارات الكواكب الصغيرة والكويكبات والمذنبات. وتكشف الدراسة كذلك طبيعة المواد الأولية التي شكلت النواة، من صخور وجليد وغازات، ما يُساعد في فهم توزيع المواد بين الكواكب الداخلية، مثل الأرض والمريخ والكواكب الغازية العملاقة.