شبكات دولية تقود تجارة عالمية في الهواتف والسيارات المسروقة من لندن
لم يعد مشهد الأقفال المعدنية على عجلات سيارات الدفع الرباعي في شوارع لندن مجرد إجراء احترازي عابر، بل صار علامة فارقة على تصاعد نشاط إجرامي منظم، يضع بريطانيا في صدارة تجارة غير شرعية آخذة في النمو؛ تجارة «السرقة والتصدير».
ففي العاصمة البريطانية وحدها، سُجِّل خلال العام الماضي سرقة نحو 70 ألف هاتف جوال، أي ما يُعادل جهازاً واحداً لكل مائة شخص، فيما تستحوذ بريطانيا على نحو 40 في المائة من سرقات الهواتف في أوروبا.
ووفقاً لمجلة «إيكونوميست»، يعتمد اللصوص غالباً على أسلوب «الخطف السريع» باستخدام دراجات كهربائية، ثم يُخفون الأجهزة في حقائب خاصة تمنع تتبعها قبل أن تُهرَّب إلى الصين؛ حيث تجد سوقاً رائجة.
ولا يقتصر المشهد على الهواتف، إذ شهدت بريطانيا أيضاً سرقة نحو 130 ألف سيارة العام الماضي، بزيادة وصلت إلى 75 في المائة خلال عقد واحد، معظمها من فئة السيارات الفارهة والدفع الرباعي التي تُشحن إلى أفريقيا؛ حيث الحاجة ماسة للمركبات القادرة على تحمل الطرق الوعرة.
ويصف خبراء الأمن هذه الشبكات بأنها تعمل بعقلية «الشركات العالمية»، إذ تمتلك مورّدين متخصصين وشبكات لوجيستية سلسة، مستفيدة من ضعف الرقابة على الصادرات، وصعوبة تتبع السلع عند انتقالها عبر الحدود، فالمسافة، التي يُفترض أن تكون عقبة، تحوّلت إلى وسيلة لإخفاء المسروقات.

وتشير تقارير أمنية إلى أن شبكات التجارة غير المشروعة تُدار بكفاءة عالية؛ فعلى سبيل المثال، ارتفعت سرقة سيارات الدفع الرباعي في لندن بشكل ملحوظ عقب الفيضانات التي ضربت بعض البلدان، وتأخر الوكلاء المحليين في توفير البدائل.
ويحذّر مراقبون من أن السوق السوداء مرشحة للتوسع مع تنامي الطلب على السلع الفاخرة في آسيا وأفريقيا، في وقت تبدو فيه الرقابة في الدول الغنية محدودة، فيما تُحمَّل تكلفة الجريمة على المستهلكين عبر ارتفاع أقساط التأمين.
ومع أن بعض المقترحات تدعو إلى الضغط على الدول المستقبلة للبضائع المسروقة، فإن خبراء يرون أن الحل الأكثر واقعية هو تشديد الإجراءات على الحدود، إذ يمكن مطالبة شركات الشحن بالتدقيق في هوية عملائها، على غرار ما تفعله البنوك لمكافحة غسل الأموال، وربط الحاويات بشهادات تعريفية موثوقة.
أما الشركات المُصنّعة للسيارات والهواتف، فمع أنها أُجبرت سابقاً على تعزيز أنظمة الأمان، فإن تقنيات كسر الحماية المتطورة سرعان ما تلتف على هذه الإجراءات، ما يجعل الاعتماد على الحلول التقنية وحدها غير كافٍ.
ويبقى الدور الأكبر على الشرطة البريطانية، التي تواجه انتقادات لعدم ملاحقتها هذه الجرائم بالجدية المطلوبة، رغم أن اللصوص أنفسهم متورطون في أنشطة عنيفة وتجارة مخدرات.
ويرى خبراء أن من الضروري التعامل مع هذه الشبكات بوصفها جريمة منظمة عابرة للحدود، لا مجرد سرقات فردية، إضافة إلى تشديد القوانين لتجريم حيازة أدوات الكسر، ومصادرة الدراجات الكهربائية المستخدمة في الهروب.
وتُعيد الظاهرة إلى الأذهان موجات التهريب في تسعينات القرن الماضي، حين كانت السيارات الأوروبية تُهرَّب إلى شرق أوروبا ما بعد الشيوعية. لكن الجديد اليوم أن «شركة السرقة الكبرى» صارت عابرة للقارات، تديرها شبكات دولية محكمة، ولندن تبدو ساحة العرض الأوضح لعملها، في تحذير مبكر لمدن أخرى قد تجد نفسها قريباً ضمن «خريطة السوق السوداء».