اخبار العرب والعالم

مرتزقة الظل.. فوضى شركات التجسس الخاصة في بريطانيا تهدد الأمن والخصوصية

 

في قلب حي «مايفير» الراقي، حيث تتجاور الشقق الفاخرة مع النوادي الخاصة التي لا تطأها إلا نخبة لندن، تنشط بهدوء مكاتب شركات استخبارات خاصة، تبدو للوهلة الأولى كأنها خرجت من إحدى روايات جون لو كاريه، أو من مغامرات جيمس بوند… لكن الواقع يتجاوز الخيال.

وفقاً لموقع «بوليتيكو» تشهد صناعة التجسس والأمن الخاصة في بريطانيا نمواً مطرداً، مدفوعة بأرباح ضخمة ونقص شبه كامل في التنظيم القانوني. تضم هذه الشركات طيفاً واسعاً من المحترفين السابقين في الاستخبارات والشرطة والصحافة، وتقدم خدمات تتراوح بين التحقق من خلفيات الشركات، إلى تنفيذ عمليات مراقبة معقدة، وأحياناً غير قانونية.

منصة لأجندات أجنبية

القلق لا يقتصر على حجم هذه الشركات وانتشارها، بل يتجاوز ذلك إلى استخدامها من قبل دول أجنبية للتجسس على معارضين لجأوا إلى المملكة المتحدة، تحت شعار «الملاذ الآمن». وقد حذرت وكالات أمنية من استغلال هذه الشركات واجهة لأعمال استخباراتية معادية، تشمل المراقبة والمضايقة وحتى اختراق البيانات.

وبحسب منظمة «برايفسي إنترناشونال»، فإن هذه الصناعة «تعمل من دون رقابة فعلية»، ما يشكل تهديداً مباشراً للخصوصية والديمقراطية، حيث يمكن لأي طرف يملك المال الوصول إلى أدوات مراقبة متقدمة من دون حسيب ولا رقيب.

مؤسسات بواجهات براقة

وحسب الموقع، تشير مصادر مطلعة إلى أن كثيراً من هذه الشركات تضم في مجالس إداراتها شخصيات مرموقة من عالم الاستخبارات البريطاني، مثل رؤساء سابقين لجهاز « إم آي 6»، ولوردات وليديات بهدف جذب المستثمرين الدوليين. إلا أن هذه الواجهة اللامعة كثيراً ما تخفي ممارسات مقلقة، لا سيما في دعمها لنزاعات تجارية وقانونية ذات أبعاد سياسية.

أحد العاملين السابقين في هذا المجال قال لـ«بوليتيكو»: «كل ما تتخيله من روايات التجسس، من مراقبة وسرقة بيانات، موجود بالفعل، ويتوقف كل شيء على مدى استعداد الشركة للمخاطرة الأخلاقية».

اختراقات وترويع ممنهج

ضحايا هذه الشركات، من صحافيين إلى معارضين، يتحدثون عن تجارب مريرة، شملت مراقبة مستمرة، واختراقات إلكترونية، ومضايقات لعائلاتهم. أحدهم أكد أن شركة خاصة دفعت لمحترفي قرصنة لاختراق بريده الإلكتروني، بينما زوّرت أخرى هويتها للحصول على بيانات بنكية، وصورته داخل منزله.

ورغم خطورة هذه الانتهاكات، فإن معظم الضحايا لا يملكون الموارد لمقاضاة هذه الشركات، التي تتمتع بحصانة الأمر الواقع في ظل غياب تشريعات رادعة.

نفوذ دولي… وتمويل غامض

تُظهر تقارير أمنية أن شركات التجسس الخاصة باتت أيضاً أداة في نزاعات دولية، لا سيما بين مستثمرين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة. وقد أسهمت العقوبات الغربية على موسكو بعد غزو أوكرانيا في دفع بعض المؤسسات الروسية، مثل وكالة التأمين على الودائع، للاستعانة بهذه الشركات لتنفيذ عمليات على الأراضي البريطانية، في مظهر يوحي بأنه مطاردة لمجرمين، بينما يختفي خلفه البعد السياسي.

أما إيران، فوصفت مؤخراً بأنها مصدر تهديد رئيس، إذ أظهرت وثائق أميركية لجوء طهران إلى شركات بريطانية خاصة لمراقبة معارضين في لندن.

تشريعات غائبة… وإصلاح مؤجل

رغم تحذيرات أمنية متكررة، لم تتخذ الحكومات البريطانية المتعاقبة خطوات تنظيمية حاسمة. ويأمل البعض في أن يشكل قانون تسجيل التأثير الأجنبي المنتظر، الذي سيدخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول)، خطوة أولى لكشف علاقة الشركات الخاصة بالجهات الأجنبية.

وقال وزير الأمن البريطاني دان جارفيس: «هذه الصناعة تضم من يؤدون أدواراً مهمة، لكنها في الوقت ذاته هدف مُغرٍ للتدخلات الخارجية».

ومع ذلك، يشكك كثير من الخبراء في قدرة الحكومة على ضبط هذا القطاع، في ظل المصالح المعقدة المتداخلة بين القانون والاستخبارات والمال.

كما علّق أحد المطلعين بسخرية قاتمة: «بصراحة… فرص نجاح التنظيم في بريطانيا تساوي صفراً».

مقالات ذات صلة