تكنولوجيا

روبوتات تتعلم من البشر عبر المراقبة.. دون شفرة برمجية

 

لطالما كان تعليم الروبوتات مهارات جديدة يتطلب خبرة في البرمجة، لكن ابتكاراً جديداً من معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» (MIT) قد يُحدث تحولاً جذرياً، حيث يتيح لأي شخص تقريباً تدريب روبوت باستخدام طرق طبيعية وبديهية، دون الحاجة إلى أي خبرة تقنية.

طوَّر باحثون من قسم الطيران والفضاء ومعمل علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي (CSAIL) في «MIT» أداة جديدة تُعرف باسم «واجهة العرض متعددة الاستخدامات» (Versatile Demonstration Interface – VDI)، تتيح للمستخدمين تدريب الروبوتات التعاونية أو ما يُعرف بـ«الكوبوتس» على أداء المهام بثلاث طرق شائعة: التحكم عن بُعد أو التوجيه الجسدي (التعليم الحركي) أو العرض الطبيعي المباشر (التعليم بالمحاكاة).

هذا الجمع بين الطرق الثلاث لا يُعد فقط إنجازاً تقنياً، بل خطوة مهمة لجعل الروبوتات أكثر قابلية للاستخدام في البيئات الواقعية، من المصانع إلى المنازل وحتى أماكن الرعاية الصحية.

تدريب الروبوتات… على طريقة البشر

في طريقة التحكم عن بُعد التي تتبع تقليدياً، يستخدم الشخص عصا تحكم لتوجيه الروبوت. أما في التعليم الحركي، يقوم المستخدم بتحريك ذراع الروبوت يدوياً لتنفيذ الحركات المطلوبة. وفي التعليم بالمحاكاة، يراقب الروبوت شخصاً يؤدي المهمة بنفسه ثم يتعلم من المشاهدة.

إلا أن معظم الروبوتات اليوم لا يمكنها التعلم إلا باستخدام واحدة من هذه الطرق فقط. وهنا يأتي دور واجهة «VDI» من جامعة «MIT»، التي تجمع بين هذه الأساليب الثلاثة في أداة يدوية واحدة مزودة بأجهزة استشعار، يمكن تثبيتها على أذرع الروبوتات التعاونية. يقول مايك هاجيناو، الباحث في «MIT» والمشارك الرئيسي في الدراسة إنه يحاول تصميم زملاء عمل آليين أذكياء وماهرين يمكنهم التعاون بفاعلية مع البشر لإنجاز المهام المعقدة.

ويتابع: «هدفنا هو تزويد المستخدمين بطرق أكثر مرونة لتعليم الروبوتات، لتصبح العملية بديهية وقابلة للتكيّف مع مختلف الأشخاص والمهام». وسيتم عرض هذا البحث خلال مؤتمر «IEEE» لأنظمة الروبوتات الذكية (IROS) في أكتوبر المقبل.

تجربة عملية على أرض الواقع

اختبر فريق «MIT» الواجهة الجديدة في مركز ابتكار صناعي محلي، حيث طُلب من مجموعة من الخبراء في التصنيع تعليم روبوتين أداء مهمتين شائعتين في خطوط الإنتاج هي التركيب بالضغط (Press-fitting) والتشكيل (Molding).

استخدم المتطوعون الثلاث طرق التدريب. أولاً عن طريق التحكم عن بُعد باستخدام عصا تحكم، ثم من خلال تحريك ذراع الروبوت يدوياً، وأخيراً عبر فصل أداة «VDI» واستخدامها يدوياً لأداء المهمة فيما يسجل الروبوت الحركات والضغطات كمادة تدريبية.

أظهرت النتائج أن المتطوعين فضّلوا الطريقة الطبيعية (التعليم بالمحاكاة) على غيرها، كونها أقرب لطريقة تعليم الإنسان. ومع ذلك، نوّهوا إلى فوائد كل طريقة حسب طبيعة المهمة. فمثلاً، يفضّل استخدام التحكم عن بُعد عند التعامل مع مواد سامة، بينما يصلح التعليم الحركي لضبط مواضع الأجسام الثقيلة، في حين يُستخدم التعليم بالمحاكاة للمهام الدقيقة التي تتطلب مرونة وحساسية.

نحو دمج الروبوتات في الحياة اليومية

تركز أبحاث فريق «MIT» على تطوير روبوتات قادرة على العمل إلى جانب البشر ليس فقط في المصانع، بل أيضاً في المستشفيات والمنازل. وتُعد سهولة التدريب من أكبر العوائق أمام اعتماد الروبوتات على نطاق واسع، إذ لا يستطيع معظم الناس برمجتها. ويعد الباحثون أن هذا المشروع يدور حول ابتكار أدوات تمكّن الأشخاص العاديين، وليس فقط المهندسين، من التفاعل مع الروبوتات بشكل فعّال ومباشر.

تُزوّد واجهة «VDI» بكاميرا وأجهزة استشعار للحركة والضغط، وتُسجّل الحركات والبيانات أثناء أداء المهام، سواء كان الروبوت مثبتاً أو تم فصل الأداة عن ذراعه. بذلك، يصبح بالإمكان تدريب الروبوتات دون الحاجة إلى أي برمجة، فقط من خلال إظهار ما يجب فعله.

المستقبل بيد الجميع

يخطط الباحثون لتطوير التصميم الحالي بناءً على ملاحظات المستخدمين، وإجراء تجارب إضافية باستخدام النموذج الجديد. ويأملون أن تُستخدم هذه التقنية مستقبلاً في بيئات صناعية مرنة حيث يمكن للروبوت أداء مهام متنوعة، يتعلم كل منها من مستخدمين مختلفين. ويرى هاجيناو أن فتح باب التفاعل البشري الطبيعي مع الروبوتات يزيد من إمكاناتها، ويمنحها القدرة على التكيّف في سيناريوهات مختلفة من المصانع إلى المطابخ والمستشفيات.

بدعم من زمالة «MIT» للتميّز الهندسي ومؤسسة «والنبرغ»، يمثل هذا الابتكار خطوة حقيقية نحو مستقبل أكثر تعاوناً بين الإنسان والآلة حيث لا حاجة فيه تعليم الروبوت إلى أكثر من لمسة، أو حركة يد.

مقالات ذات صلة