اخبار العرب والعالم

لبنان يطلق عمل “الهيئات الناظمة” بعد سنوات من التعطيل

 

بدأت الحكومة اللبنانية تطبيق القرار الذي اتخذته، وأعلنت عنه في بيانها الوزاري القاضي بتشكيل هيئات ناظمة للقطاعات الأساسية، وتفعيل عمل أجهزة الرقابة، وهو ما يشدد عليه المانحون الدوليون لمد لبنان بالمساعدات والتمويل.

وتلك هيئات تم إقرارها بقوانين بعد «مؤتمر باريس – 1» (فبراير 2001) حين فرض المجتمع الدولي تنفيذ شروط وقوانين، أبرزها خصخصة القطاعات، وإنشاء هيئات ناظمة لها.

وتتولى هذه الهيئات القطاعات وإصدار الأنظمة، ومنح التراخيص، ومراقبة الأداء، وحماية المنافسة ومنع الاحتكار، والتحقيق في الشكاوى ورفع التقارير إلى السلطات العليا، علماً بأن المثال الأبرز للهيئات الناظمة في لبنان، الذي يعود إلى ستينات القرن الماضي هو مصرف لبنان الذي يُعتبر الهيئة الناظمة للقطاع المصرفي.

وعيّنت الحكومة، يوم الخميس الماضي، رئيس وأعضاء الهيئة الناظمة لزراعة «القنب الهندي» للاستخدام الطبي والصناعي، ورئيس وأعضاء الهيئة العامة للطيران المدني.

 

مُزارع يعمل في حقل للقنّب بمنطقة بعلبك في وادي البقاع بلبنان (أرشيفية- رويترز)
مُزارع يعمل في حقل للقنّب بمنطقة بعلبك في وادي البقاع بلبنان (أرشيفية- رويترز)

 

واعتبر وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني أن «إنجاز تعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة الهيئة الناظمة للطيران المدني يفتح صفحة جديدة في تنظيم القطاع، بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، ويضع لبنان مجدداً على خريطة النقل الجوي الإقليمي»، فيما رأى وزير الزراعة، نزار هاني، أن إطلاق مسار تشريع زراعة «القنب الهندي» لأغراض طبية وصناعية «يضعنا على أعتاب تحوّل وطني في مقاربة الدولة للزراعة والاقتصاد، حيث يُصبح الابتكار في صلب السياسات العامة».

الهيئة الناظمة للكهرباء

لم يعيّن مجلس الوزراء أعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وعلمت «الشرق الأوسط» أن وزير الطاقة جو الصدّي، أنجز، هو الآخر، تشكيلة الأسماء المرشحة التي نجحت بالآلية المعتمدة لإقرار التعيينات.

وسيعمد الوزير إلى طرح هذه الأسماء على الوزراء، مرفقة بسيرهم الذاتية قبل موعد الجلسة المقبلة للحكومة، ليتيح لهم وقتاً كافياً للاطلاع عليها. وكان وزراء «القوات» اعترضوا أكثر من مرة أمام رئيس الحكومة على توزيع الأسماء المرشحة للتعيينات قبل نصف ساعة من موعد إقرارها.

وسيشكل تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء إنجازاً كبيراً للحكومة، بعد سنوات من تعطيل الوزراء المتعاقبين تشكيلها لعلمهم بأن ذلك سيقلّص من صلاحياتهم في تنظيم القطاع ومنح التراخيص.

وستكون الهيئة بمثابة حجر أساس في تطبيق القانون رقم 462/2002 المعني بتنظيم قطاع الكهرباء؛ ما يؤدي عملياً للنهوض مجدداً بالقطاع.

 

مبنى «كهرباء لبنان» في بيروت وعجز عن حل الأزمة منذ سنوات طويلة (إ.ب.أ)
مبنى «كهرباء لبنان» في بيروت وعجز عن حل الأزمة منذ سنوات طويلة (إ.ب.أ)

 

الهيئة الناظمة للاتصالات

أما فيما يتعلق بالهيئة الناظمة للاتصالات، فقالت مصادر معنية بالملف لـ«الشرق الأوسط» إن الوزارة كانت قد أنجزت عملها، وتم عرض ما توصلت إليه على مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، وقد تقررت إعادة فتح باب الترشح لمراكز رئيس الهيئة والأعضاء الأربعة، بعدما تبين أن الأسماء التي أنتجتها الآلية لم تحقق التوازن الطائفي المطلوب، كما لم تلحظ كل الاختصاصات؛ إذ تركّزت معظم الترشيحات على تقنيات الاتّصالات فقط، في حين أن قانون إنشاء الهيئة يفرض وجود اختصاصات متنوّعة.

وقف الفساد السياسي

يشير البروفسور مارون خاطر، الكاتب والباحث في الشؤون المالية والاقتصادية، إلى أن أبرز أهداف الهيئات الناظمة الفصل بين السياسة والإدارة عبر تفعيل الحَوكمة وتمكينها وتعزيز الشفافية والمُساءلة، لافتاً إلى أنه «نظرياً، تسهم هذه الهَيئات في الحَدّ من الفساد السياسي والإداري من خلال منع المحاصصة وفرض مَعايير واضحة للتَّرخيص والتلزيم، وإطلاق مناقصات شفافة، ومنع الوِزارات من التدخل المباشر في إدارة القطاعات».

 

طائرة تقلع من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت (أرشيفية - رويترز)
طائرة تقلع من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت (أرشيفية – رويترز)

 

ويعتبر أبو خاطر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تعيين الهيئات النَّاظمة لقطاعي القِنَّب الهِندي والطيران المدني «خطوة تعكس توجه الحكومة نحو تعزيز الحوكمة الرشيدة وتحفيز الاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهي تندرج في إطار الاستجابة لتوصيات الجهات المانحة، لا سيما (صندوق النقد الدولي)»، موضحاً أن «تاريخ إنشاء الهَيئة النَّاظمة للطيران المَدَني يعود لعام 2002، وهي بَقيت دون تفعيل بسبب الخلافات السياسية حول التعيينات، وبسبب تمسك وزارة الشغال بالصلاحيات».

أمَّا الهيئة الناظمة لقطاع القنب الهندي، فأُنشئت في عام 2020، وبقيت هي أيضاً دون تفعيل، بسب غياب الإرادة السياسية؛ بتفعيل دور المؤسسات والتحكُّم الطائفي بِمَفاصِل القَرار.

ويشير أبو خاطر إلى أنه «بالإضافة إلى أدوارها السابقة، يُناط بهذه الهيئة العمل على التنمية الريفية ومنع تحويل موضوع زراعة القنب إلى باب إضافي للفساد وضرب سمعة لبنان، بدلاً من أن يكون فرصة حقيقية للتنمية العادلة».

مقالات ذات صلة