اخبار العراق

جاسم العميري ومحكمة الإقطاع الدستوري

 

مصطفى كامل

في عهد رئاسة جاسم العميري، تحوّلت المحكمة الاتحادية العليا من صرح دستوري يُفترض أن يكون حارسًا للدستور، إلى إقطاعية شخصية يعبث بها كما يشاء، يصدر القرارات وفق مزاجه، ويتجاوز على الدستور والقانون، مما أدى إلى فقدان المحكمة استقلاليتها بالكامل وخضوعها التام لإرادته الشخصية.

مراجعة قرارات المحكمة الاتحادية خلال فترة العميري تكشف، بوضوح لا لبس فيه، عن تسييس المحكمة وفقدانها لأبسط معايير المهنية، إذ كانت تنطق باسم العميري لا باسم الدستور، وخضعت كليًا لتوجهاته الفردية، متجاهلةً آراء أعضاء المحكمة الآخرين الذين لم يكن يُقيم لهم وزنًا ولا اعتبارًا، وكأن المحكمة غرفة مغلقة لا يُسمع فيها إلا صوته وحده.

العميري تعامل مع المحكمة كأنها ملكية خاصة، يصوغ قراراتها خارج أي سياق دستوري أو قانوني أو منطقي، متجاوزًا بذلك حدود اختصاصها، ومنتهكًا لأحكام الدستور بوقاحة غير مسبوقة، حتى فقدت المحكمة صفتها ككيان قضائي محايد، وتحولت إلى فاعل سياسي يُجري حساباته ويبني تحالفاته، حتى غدت جزءًا من معادلة الحكم السياسي.

من أبرز المخالفات التي ارتكبها العميري خلال فترة ترؤسه للمحكمة، تقديمه شكوى شخصية ضدي إلى كلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، اتّهمني فيها زورًا بالابتزاز والتشهير، فقط لأنني وجّهت نقدًا بنّاءً لترشيح ابنه، محمد، من قبل كتلة بدر التي يرأسها هادي العامري، لمنصب محافظ ديالى، رغم عدم انطباق شروط الترشيح القانونية عليه، كونه لم يبلغ السن القانونية المطلوبة، وهي ثلاثون عامًا. وقد تضمّنت الشكوى تهديدًا صريحًا بأن المحكمة الاتحادية ستتخذ بحقي إجراءات قانونية وفق المادة 226 من قانون العقوبات، وهي مادة لا تدخل ضمن اختصاص المحكمة الاتحادية أصلًا، بل هي من اختصاص القضاء العادي، مما يشكّل خرقًا فاضحًا لاختصاص المحكمة الدستورية.

كما رُصدت على العميري مخالفات عديدة أخرى، من أبرزها إرساله كتابًا إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، يطلب فيه عقد اجتماع يضم جميع أطراف تحالف إدارة الدولة وبحضور ممثلي السلطات الثلاث، للفصل في نزاعه مع محكمة التمييز الاتحادية. وقد مثّل هذا التصرف انتهاكًا صارخًا لمبدأ الفصل بين السلطات، وأثار تساؤلات جدية حول مدى أهلية من يقف على رأس المحكمة الدستورية لفهم أبسط مبادئ الدستور الذي أقسم على صونه.

ومن المخالفات الجسيمة أيضًا، إصدار العميري قرارات تُعدّل القوانين، في تجاوز واضح لصلاحيات المحكمة التي لا تملك حق التشريع، إذ إن هذه السلطة تعود حصريًا إلى مجلس النواب. كما كان يتصرّف أثناء المرافعات بإلغاء أو تعديل أو إصدار أحكام دون استدعاء الطرف الآخر، في خرق صريح لقانون المرافعات الذي ينظم أصول التقاضي أمام المحكمة الاتحادية. وإلى جانب ذلك، بدأت المحكمة في عهده تنظر في دعاوى لا تدخل ضمن ولايتها، وكان من المفترض أن تُرد شكلاً، لكنها كانت تُقبل بقرار شخصي منه، وكأن المحكمة أداة بيده لخدمة أهداف معيّنة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تورط العميري في علاقات سياسية خاصة، وسُجّلت عليه ارتباطات مباشرة مع جهة سياسية “يعرفها الجميع” تولّت الدفاع عنه، لا دفاعًا عن المحكمة كمؤسسة دستورية، بل دفاعًا عن الموقع الذي تم التعامل معه كـ”حصة سياسية” في نظام المحاصصة. والأسوأ من ذلك، انقلابه على مجلس القضاء الأعلى، الجهة التي رشّحته للمنصب، في سلوك يُخالف مبدأ التراتبية المؤسسية، ويضرب روح التعاون والاحترام داخل البنية القضائية.

هكذا، شكّل عهد العميري في المحكمة الاتحادية العليا مرحلة سوداء اتّسمت بالتسييس والتفرّد، وغابت فيها المعايير القضائية، وحضرت الحسابات السياسية، وتحولت من محكمة دستورية إلى ساحة عبث شخصي. وهو ما يستوجب مراجعة شاملة لتلك المرحلة، ومحاسبة العميري لأنه حوّل المحكمة الدستورية من محكمة مسؤولة بمراقبة خروقات الدستور إلى أداة بيده يتصرف بها وفق مزاجه كيفما يشاء.

مقالات ذات صلة