اخبار منوعة

الذكاء الاصطناعي لن يغزو وظيفتك.. بل شركتك

 

يتجاهل الجدل الدائر حول قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة العمل الفكري للأطباء والمحامين وحاملي الدكتوراه قلقاً أعمق يلوح في الأفق: قد تُصبح شركات بأكملها -وليس مجرد وظائف فردية– مؤسسات عتيقة الطراز بسبب الوتيرة المتسارعة لتبني الذكاء الاصطناعي، كما كتب جورج كايلاس(*).

ذكاء اصطناعي بدرجة الدكتوراه

أثارت التقارير التي تشير إلى أن شركة «أوبن إيه آي» ستتقاضى 20 ألف دولار شهرياً للوكلاء (الأذكياء) المدربين المؤهلين على مستوى الدكتوراه، الجدل الدائر حول أي وظيفة ستكون في مأمن من الذكاء الاصطناعي، وأي وظيفة لن تكون في مأمن منه.

تشكيك خبراء التقنية

قال لي جيمس فيلاروبيا، رئيس قسم الابتكار الرقمي والذكاء الاصطناعي في مركز «ناسا» للعلوم الفضائية: «إنني حتى الآن لم أرَ الأمر (تطورات الذكاء الاصطناعي) مثيراً للإعجاب إلى هذا الحد بعد، ولكن ذلك (الإعجاب) ليس بعيداً، على الأرجح». من جهته أشار شون ماكغريغور، مؤسس شركة «Responsible AI Collaborative» والحاصل على درجة الدكتوراه في علوم الحاسوب، إلى أن العديد من الوظائف لا تقتصر على مجرد مجموعة من المهارات، وأضاف أن: «تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الحالية ليست قوية بما يكفي للسماح بالتحكم غير الخاضع للإشراف على معدات الكيمياء الخطرة، أو التجارب البشرية، أو غيرها من المجالات التي تتطلب حالياً شهادات دكتوراه بشرية».

لقد كان السبب الرئيس وراء إجرائي لاستطلاعات الرأي حول هذا الموضوع هو رغبتي في توسيع نطاق رؤيتي حول الوظائف التي سيتم إلغاؤها. وقد غيّر هذا الاستطلاع وجهة نظري.

الشركات ذات الكفاءة ستصمد أمام الذكاء الاصطناعي

أعطتني سوزان رابيكوف، مؤسسة مركز الأبحاث «ذا باي غروير»، بعض واجبات القراءة لبعض من أعمالها، بدلاً من منحي اقتباساً لتصريحاتها. وقد أظهر لي عملها أن هذه الأوقات غير مسبوقة.

وقد لمع شيء ما في ذهني عندما ذكرت في كتابتها أنها أعجبت بجانب صعود الشركات الأكثر كفاءة، مقابل الشركات التي تستبدل الوظائف بسبب معاناتها من ديون كبيرة في التكنولوجيا ورأس المال البشري. وتقول: «هذا بالضبط رهاني».

التفوق على النظام

أما شركات «فورتشن 500»، وخاصة تلك المثقلة بالعمليات القديمة، والعمالة الزائدة، فإنها معرضة دائماً للتراجع مع صعود أي جهة منافسة جديدة، وأكثر مرونة. ولن يحدث هذا بسبب استبدال أي وظيفة، ولكن لأن الاقتصاد الأساسي لنماذج أعمالها لم يعد قائماً.

لا يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى التفوق على جميع الموظفين لجعل المؤسسة قديمة. كل ما يحتاجه هو التفوق على النظام.

دراسة حالة: تراجع صناعة السيارات في أميركا

لنأخذ، على سبيل المثال، تراجع شركات تصنيع السيارات الأميركية في أواخر القرن العشرين.

في خمسينات القرن الماضي، كانت شركات تصنيع السيارات الأميركية مهيمنة على صناعة السيارات، تماماً مثل عمالقة التكنولوجيا المسيطرة اليوم. في عام 1950، أنتجت الولايات المتحدة نحو 75 في المائة من سيارات العالم.

لكن في سبعينات القرن الماضي، كانت شركات صناعة السيارات اليابانية رائدة في استخدام الروبوتات في تصنيع السيارات، إذ أنتجت هذه الشركات مركبات عالية الجودة بقيمة رائعة بفضل عملياتها الأكثر كفاءة ودقة.

وقد كافحت شركات مثل «جنرال موتورز» لمواكبة هذا التطور، مثقلة بالمصانع القديمة، وتكاليف رأس المال البشري الباهظة، بما في ذلك المعاشات التقاعدية المتضخمة.

وهكذا يرسم التحول الجذري في تلك العقود التالية صورة لما قد يخبئه المستقبل للشركات الكبيرة الآن.

في عام 1960، أنتجت الولايات المتحدة نحو 48 في المائة من سيارات العالم، بينما لم تستحوذ اليابان إلا على 5 في المائة. وبحلول عام 1980، استحوذت اليابان على نحو 29 في المائة من السوق، بينما انخفضت حصة الولايات المتحدة إلى 23 في المائة.

ثورة الذكاء الاصطناعي

قد تبدو ثورة الذكاء الاصطناعي اليوم مشابهة. بعد عقود من الآن، قد ننظر إلى شركة «أبل» بنفس نظرتنا إلى شركة «فورد» الآن. فالشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي ذات الهياكل الأكثر مرونة على استعداد للاستحواذ على حصة سوقية. علاوة على ذلك، يمكن للشركات الناشئة التركيز على حل المشكلات المتخصصة، مما يعزز قدرتها التنافسية.

هل ستتقلص شركتك وتموت؟

بدأت التداعيات بالفعل. أجرت شركة «غارتنر» استطلاعاً للمؤسسات في أواخر عام 2023، ووجدت أن نحو نصفها كان يطور أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة به. وبحلول نهاية عام 2024، انخفضت هذه النسبة إلى 20 في المائة. ومع تراجع الضجة حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، تشير «غارتنر» إلى أن العديد من مديري المعلومات يستعينون بموردين خارجيين، إما من كبار مزودي نماذج اللغة، أو بائعي البرامج التقليديين الذين يقدمون عروضاً مُحسّنة بالذكاء الاصطناعي.

في عام 2024، حصلت شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة على ما يقرب من نصف التمويل العالمي للمشاريع الاستثمارية البالغ 209 مليارات دولار. واليوم إذا كانت 20 في المائة فقط من المؤسسات العريقة تشعر حالياً بالثقة في منافسة هذه الشركات الناشئة، فكم منها سيشعر بهذه الثقة مع نضوج هذه الشركات الناشئة؟

وبينما تستمر العناوين الرئيسة في التركيز على ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على مضاهاة الخبرة بمستوى الدكتوراه، يبقى الخطر الأعمق غير معلن إلى حد كبير، وهو: ستذبل الشركات العملاقة، وقد يندثر بعضها. وعندما يحدث ذلك، فستكون وظيفتك في خطر، سواء كنت تستقبل العملاء في مكتب الاستقبال، أو تحمل شهادة دكتوراه في تخصص هندسي.

نصائح للعاملين

ولكن هناك طرق للبقاء واقفاً على قدميك. من أكثر النصائح تأثيراً التي تلقيتها على الإطلاق نصيحة من جوناثان روزنبرغ، نائب الرئيس الأول السابق للمنتجات في «غوغل» والمستشار الحالي لشركة «ألفابت»، عندما زرتُ حرم الشركة في الجامعة.

قال روزنبرغ: «لا يمكنك أن تكون بارعاً فيما تفعله فحسب، بل عليك أن تلحق بركب التطور. يعتقد الناس الأوائل أن الأمر يتعلق بالشركة، ثم الوظيفة، ثم القطاع. في الواقع، الأمر يتعلق بالقطاع، ثم الشركة، ثم الوظيفة».

كيف تلحق بركب الذكاء الاصطناعي؟

ينصح أنكور باتيل، الرئيس التنفيذي لشركة «ملتيمودال»، الموظفين بتعلم كيفية أداء وظائفهم الحالية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي تُعزز الإنتاجية. كما يُشير إلى أن المهارات الشخصية -مثل تعبئة الأفراد، وبناء العلاقات، وقيادة الفرق- ستزداد قيمتها مع تولي الذكاء الاصطناعي مهام تقنية، أو روتينية أكثر.

وقال باتيل: «لا يُمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي قائداً للمجموعة أو الفريق، أليس كذلك؟ لا أرى ذلك يحدث، حتى في الجيل القادم. لذا أعتقد أن هذه فرصة عظيمة… للنمو، والتعلم منها».

الخلاصة هي: حتى لو لم تُغيّرك موجة الذكاء الاصطناعي، فقد تُغيّر مكان عملك. والسؤال هو: هل ستتأثر بموجة الذكاء الاصطناعي أم ستلتحق بها؟

مقالات ذات صلة