تكنولوجيا

مايكروسوفت تكشف عن الجيل الجديد من المؤسسات الذكية في تقريرها لعام 2025

أطلقت شركة «مايكروسوفت» عبر تقريرها السنوي الخامس لمؤشر توجهات العمل لعام 2025 مصطلحاً جديداً يعكس طبيعة المؤسسات المتقدمة التي تتبنى الذكاء الاصطناعي بوصفه جزءاً محورياً من استراتيجياتها التشغيلية والتنظيمية وهو «شركات الريادة» (Frontier Firms). هذا المفهوم لا يعبّر فقط عن مستوى تقني جديد، بل عن تحول جذري في فلسفة العمل نفسها، حيث يتجاوز الذكاء الاصطناعي حدود كونه أداة مساعدة إلى كونه شريكاً في اتخاذ القرار والتنفيذ، والتطوير المستمر.

ما ملامح «شركة الريادة»؟

تشير نتائج التقرير الذي أُعدّ بالتعاون مع منصة «لينكد إن» إلى أن «شركات الريادة» تعتمد على ذكاء فوري عند الطلب وفرق هجينة تتكون من البشر و«وكلاء الذكاء الاصطناعي» وهي أدوات وتطبيقات ذكية قادرة على تنفيذ المهام بشكل مستقل أو تعاوني. استند التقرير إلى تحليل شامل شمل آراء أكثر من 31 ألف موظف وقائد أعمال من 31 دولة وبيانات شبكة «لينكد إن» وتحليل تريليونات الإشارات من رسائل البريد والاجتماعات والدردشات داخل منصة «Microsoft 365». هذه المعطيات تُبرز صورة واضحة تدل على أن الذكاء الاصطناعي غيّر مفهوم القدرة البشرية، حيث لم يعد الإنجاز مرتبطاً بعدد الموظفين أو خبراتهم فقط، بل أصبح الذكاء قابلاً للتوسيع وأسرع تنفيذاً وأقل تكلفة من أي وقت مضى.

ذكاء اصطناعي… عند الطلب

وفقاً للتقرير، فإن 82 في المائة من قادة الأعمال يعتزمون تبنِّي حلول الذكاء الاصطناعي خلال عام إلى عام ونصف العام. لكن في المقابل، 53 في المائة من القادة يرون ضرورة رفع الإنتاجية، بينما 80 في المائة من الموظفين والمديرين يشعرون بأنهم يفتقرون إلى الوقت والطاقة لتلبية متطلبات العمل المتزايدة. وهنا يظهر الدور المحوري للذكاء الاصطناعي بوصفه حلاً للفجوة بين الطموحات والموارد، فالأنظمة الذكية قادرة على تولي المهام المتكررة وتحليل البيانات وتحسين الكفاءة التشغيلية ما يتيح للموظفين التركيز على الإبداع والاستراتيجية.

 

مفهوم «رئيس الذكاء الاصطناعي» يعكس انتقال الموظف من منفّذ للمهام إلى مدير ومطوّر لوكلاء ذكيين وهو دور سيزداد أهمية في السنوات المقبلة (شاترستوك)

 

من الهياكل الهرمية إلى فرق النتائج

تكشف الدراسة أيضاً أن 46 في المائة من القادة يؤكدون بدء مؤسساتهم في أتمتة العمليات باستخدام وكلاء الذكاء الاصطناعي، لا سيما في أقسام خدمة العملاء والتسويق وتطوير المنتجات. هذا الانتقال يوازي تحولاً في الهيكل الإداري، من البنية الهرمية التقليدية إلى هياكل مرنة تركز على تحقيق النتائج عبر التعاون بين البشر والآلات.

لكن التحول يتطلب تحقيق توازن دقيق من حيث وقت تسليم المهمة إلى الذكاء الاصطناعي ومتى تكون اللمسة البشرية ضرورية لضمان الجودة أو بناء الثقة مع العملاء. وكذا حدود المسؤولية والمساءلة في يد الإنسان. هذه الأسئلة لا تُعد تقنية فقط، بل استراتيجية وأخلاقية أيضاً.

بزوغ «رئيس الذكاء الاصطناعي»

من أبرز المفاهيم التي أطلقها التقرير، هو «رئيس الوكلاء» أو «Agent Boss» وهو موظف لم يعد مسؤولاً فقط عن أداء مهامه، بل أيضاً عن تصميم وإدارة وتدريب وكلاء الذكاء الاصطناعي. ويتوقع التقرير أن يصبح هذا النموذج شائعاً في غضون خمس سنوات، حيث ستتحول الفرق البشرية إلى قادة لوكلاء رقمية تعمل تحت إشرافهم. رغم ذلك، لا تزال هناك فجوة معرفية حيث إن 67 في المائة من القادة على دراية بوكلاء الذكاء الاصطناعي، مقابل 40 في المائة فقط من الموظفين. كما أن 79 في المائة من القادة يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيعزز مسيرتهم المهنية، بينما يشاركهم هذا التفاؤل 67 في المائة فقط من الموظفين. هذا يؤكد الحاجة لتوسيع برامج التوعية، وإطلاق مبادرات تدريبية تستهدف كل المستويات داخل المؤسسة.

من «نيوم» إلى القطاع الخاص

يتزامن هذا التحول العالمي مع «رؤية 2030» السعودية التي وضعت التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي ضمن أولوياتها الوطنية. مشروعات مثل «نيوم» و«ذا لاين» و«المربع الجديد» (New Murabba) ليست فقط معالم عمرانية، بل أيضاً نماذج لمجتمعات ذكية تدمج الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والتوأمة الرقمية في صميم بنيتها التشغيلية. وتُعد هذه المشروعات مصدر إلهام مباشراً للقطاع الخاص في المملكة، الذي بات مُطالَباً باتباع المسار نفسه أي الاستثمار في الشبكات الذكية والبنى التحتية الحديثة، ودمج الوكلاء الذكيين ضمن العمليات اليومية، وتأهيل كوادر وطنية لإدارة هذا التحول التكنولوجي.

 

الذكاء الاصطناعي أصبح عنصراً أساسياً في رفع الإنتاجية خصوصاً في ظل تزايد الأعباء على الموظفين ونقص الوقت والطاقة (أدوبي)

 

تحديات وفرص

رغم الفوائد الهائلة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، فإن الطريق نحو تبنّيه الكامل لا يخلو من التحديات. يبقى السؤال مطروحاً: هل سيؤدي هذا التقدّم إلى تقليص الوظائف البشرية؟ وكيف يمكن ضمان عدالة الوصول إلى هذه التقنيات داخل المؤسسات، بحيث لا تصبح حكراً على فئة دون أخرى؟ يضاف إلى ذلك البعد الأخلاقي، إذ تبرز الحاجة إلى وضع ضوابط واضحة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي، وتمنع أي إساءة محتملة له. هذه التحديات لا يمكن تجاهلها، بل يجب التعامل معها من خلال وضع سياسات تنظيمية دقيقة، وتعزيز التعاون بين الحكومة وقطاع الأعمال والمؤسسات التعليمية لضمان انتقال عادل وآمن إلى عصر الذكاء الاصطناعي.

نحو ريادة مستقبلية

يشدد زوبين تشاجبار، المدير الأول ورئيس مجموعة الأعمال لحلول العمل الحديثة وأجهزة «سيرفس» (Surface) في منطقة أوروبا الوسطى ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى «مايكروسوفت»، على أهمية التحول الجاري في مشهد الأعمال العالمي. ويشير إلى أن «مؤشر توجهات العمل» لهذا العام يوضح ضرورة أن تعيد الشركات النظر في كيفية استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى إمكاناتها. ويضيف أن صعود «شركات الريادة» يثبت أن القادة الذين ينجحون في دمج الذكاء الاصطناعي في أعمالهم، ويعززون التعاون بين الفرق البشرية والتقنيات الذكية، هم الأكثر قدرة على التفوق في بيئة الأعمال التنافسية الراهنة».

مقالات ذات صلة