اخبار العرب والعالماخبار منوعة

ترامب وحلفاؤه يريدون “ويكيبيديا” تضع أميركا أولاً

في جزء من حملة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحلفائها على المؤسسات والمنافذ الإعلامية والمنصات الإلكترونية المتهمة بتبني أجندات ليبرالية، وكذلك في سياق التضييق على المتضامنين مع الفلسطينيين، وجّه القائم بأعمال المدعي العام الأميركي لمقاطعة كولومبيا، إد مارتن، رسالة إلى المنظمة غير الربحية التي تدير موسوعة ويكيبيديا على الإنترنت، اتهمها فيها بـ”السماح لجهات أجنبية بالتلاعب بالمعلومات ونشر الدعاية للجمهور الأميركي”.
في الرسالة المؤرخة في 24 إبريل/نيسان الحالي ونشرها موقع ذا فري برس الإخباري، قال مارتن إنه سعى لتحديد ما إذا كان سلوك مؤسسة ويكيميديا التي تدير “ويكيبيديا” ينتهك وضعها بموجب المادة 501 (سي)(3). وطلب مارتن من المؤسسة تقديم معلومات مفصلة حول عملية التحرير الخاصة بها، وإجراءات الثقة والسلامة التي تتبعها، وكيفية حمايتها لمعلوماتها من الجهات الأجنبية. وكتب: “تسمح ويكيبيديا بالتلاعب بالمعلومات على منصتها، بما في ذلك إعادة صياغة أحداث تاريخية رئيسية ومعلومات عن سيرة قادة أميركيين حاليين وسابقين، بالإضافة إلى مسائل أخرى تمسّ الأمن القومي ومصالح الولايات المتحدة”. وأضاف: “إخفاء الدعاية التي تؤثر في الرأي العام تحت ستار تقديم مواد إعلامية يتناقض مع رسالة ويكيميديا التعليمية”.

من جهة ثانية، نشرت مؤسسة ويكيميديا، أمس الجمعة، بياناً لم يذكر رسالة مارتن، وجاء فيه: “ويكيبيديا من آخر المواقع على الإنترنت التي تُظهر إمكانات الإنترنت الواعدة، إذ تضم أكثر من 65 مليون مقالة كُتبت ليتعلم منها الأشخاص لا لإقناعهم (بآراء معينة)”. وأضافت المؤسسة أن محتوى “ويكيبيديا” يخضع لسياسات تضمن عرض المعلومات “بأقصى قدر ممكن من الدقة والإنصاف والحيادية”، في عملية شارك فيها ما يقرب من 260 ألف متطوع. وأكدت أن “رؤيتنا هي عالم يستطيع فيه كل إنسان أن يشارك بحرية في مجموع المعرفة”.

وصرحت محررة “ويكيبيديا” والناقدة التقنية، مولي وايت، لصحيفة واشنطن بوست، أمس الجمعة، بأنها تعتبر رسالة مارتن جزءاً من حملة أوسع نطاقاً تشنها إدارة ترامب وحلفاؤها “لاستخدام القوانين سلاحاً في محاولة لإسكات مصادر المعلومات المستقلة عالية الجودة” التي لا يمكنهم السيطرة عليها. وقال ستيفن هاريسون، الصحافي الذي غطى “ويكيبيديا” لسنوات وكتب رواية مستوحاة منها، للصحيفة نفسها، إنه في حين أن مهمة “ويكيبيديا” هي أن تكون مصدراً عالمياً للمعلومات، إلا أن مارتن “يبدو أنه يريد نسخة من ويكيبيديا تضع أميركا أولاً”.

“ويكيبيديا” ليست المؤسسة الأولى التي تجد نفسها في مرمى نيران مارتن، وهو ناشط سياسي جمهوري مخضرم لم يكن له أي خبرة بصفته مدعياً عاماً قبل أن يعينه ترامب مدعياً عاماً مؤقتاً للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي. ففي الأسبوع الماضي، أرسل رسالة إلى مجلة علمية تُركز على الأمراض والأدوية المتعلقة بالصدر، مستفسراً عن سياساتها التحريرية.
معركة إنقاذ إذاعة صوت أميركا مستمرة
مزاعم مارتن التي ضمنها رسالته تحاكي ما نشرته “رابطة مكافحة التشهير” (ADL) التي ادعت، في مارس/آذار الماضي، وجود “تحيز واسع النطاق معادٍ للسامية ومعادٍ لإسرائيل على ويكيبيديا”. تأسست الرابطة عام 1913، وتزعم أن هدفها مناهضة الكراهية ومعاداة السامية في الولايات المتحدة، لكنها في الحقيقة مجرد ذراع للترويج لادعاءات الاحتلال الإسرائيلي وملاحقة مناصري الفلسطينيين. وعبر التاريخ، تبنت مواقف عنصرية ضد العرب والمسلمين والسود في الولايات المتحدة، وروجت الخطاب اليميني، وهاجمت الحراكات التقدمية، بما في ذلك الحراك الذي يقوده يهود وفلسطينيون أميركيون ضد الإبادة الجماعية في غزة. وشنت هجوماً العام الماضي على “ويكيبيديا”، بعدما صوّت محررو هذه الموسوعة الإلكترونية، وهم مجموعة من المشرفين المتطوعين، لصالح تصنيفها مصدراً “غير موثوق به بشكل عام” في ما يتعلق بفلسطين وإسرائيل”. هذا يعني أنه لا ينبغي الاستشهاد بالرابطة في مقالات الموسوعة حول هذه المسألة إلا في الظروف الاستثنائية. حينها وقّعت 40 منظمة تصف نفسها بأنها يهودية، وبينها رابطة مكافحة التشهير، رسالة وجهتها إلى مؤسسة ويكيميديا، زعمت فيها أن الموسوعة “تجرد الجالية اليهودية من حق الدفاع عن نفسها من الكراهية التي تستهدفها”.
تأسست “ويكيبيديا” عام 2001، وهي المصدر المرجعي الأكثر شعبية على الإنترنت، وتاسع أكثر المواقع زيارةً على الشبكة العالمية، وفقاً لتقديرات شركة التحليلات سيميلارويب. كذلك فإن محتواها مؤثرٌ في نتائج بحث محرك “غوغل” وفي مجموعات البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة. عام 2003، أنشأ جيمي ويلز، الشريك المؤسس لـ”ويكيبيديا”، مؤسسة ويكيميديا منظمةً غير ربحية مقرها سان فرانسيسكو لتمويل الموقع وغيره من مشاريع “ويكي” التعاونية.

فيما صمدت “ويكيبيديا” في وجه الجدل المتقطع طوال تاريخها حول محتوى مقالاتها، إلا أن ظهورها بوصفها تهديداً للمحافظين الأميركيين حديث العهد نسبياً. عام 2018، وصفها مقال في مجلة أتلانتيك بأنها “المعقل الأخير للواقع المشترك” في بلد يزداد استقطاباً، أي في الولايات المتحدة. الرئيس التنفيذي شركة تسلا ومالك منصة إكس، إيلون ماسك، من أولئك الذين خاضوا مواجهة مع “ويكيبيديا”، إذ عرض، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، التبرع بمليار دولار لمؤسسة ويكيميديا شرط تغيير اسم الموقع إلى “ديكيبيديا”. وكان ويلز قد انتقد ماسك ضمنياً في وقت سابق من ذلك العام، بعد امتثال منصة إكس لمطالب الرقابة التي فرضتها الحكومة التركية، والتي نجحت “ويكيبيديا” في مواجهتها قضائياً.

مقالات ذات صلة