اخبار العرب والعالم

ضربات واشنطن تستنزف الحوثيين رغم التكتم على الخسائر

تعيش الجماعة الحوثية حالة ارتباك متزايدة مع استمرار الضربات الأميركية على مواقعها العسكرية والأمنية ومخابئ أسلحتها في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وإدراكها صعوبة المواجهة مع إدارة الرئيس دونالد ترمب التي يبدو نهجها مختلفاً وحاسماً، وإن لم تتضح بعد أهدافها الكاملة من العمليات ضد الجماعة.

ويزيد من ارتباك الجماعة الموقف الإيراني الذي رشحت نيات صادرة عنه للتخلي عن دعمها، دبلوماسياً وإعلامياً على الأقل، في هذه المرحلة الحرجة التي تتعرض فيه لاستنزاف قياداتها الوسطية، في عمليات تشبه ما جرى لـ«حزب الله» اللبناني عند بداية استهداف إسرائيل له، وتوجهها لتفكيك قدراته وشرذمته، لتسهل مهمة التصعيد ضده لاحقاً.

ونقلت جريدة «تلغراف» البريطانية، الخميس، عن مصدر إيراني مسؤول أن بلاده أمرت بسحب عناصرها العسكرية من اليمن، في خطوة تهدف إلى تجنُّب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، بعد القلق المتزايد في طهران من المواجهة المباشرة مع ترمب.

ولا يستبعد الباحث السياسي اليمني صلاح علي صلاح إمكانية تقديم إيران تنازلات، بما فيها تخفيف الدعم للجماعة الحوثية بسبب مشكلاتها الداخلية، واضطرارها للتعامل مع ملفات كثيرة ومعقدة داخلياً وخارجياً، والتجاذبات القائمة بين الإصلاحيين، الراغبين في التفاهم مع الغرب، والمحافظين الذين يبدو أن طريقة ترمب المتعالية والقاسية في التعامل مع خصومه، وحتى مع حلفائه؛ تدعم سرديتهم المتشددة.

ويتوقع صلاح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تدفع التطورات الجديدة المتصاعدة إلى حدوث حالة تفاهم بين النظام الإيراني والجماعة الحوثية لإعلان موقف بالتخلي عنها من أجل التخفيف من حدة التصعيد الأميركي، خصوصاً أن الجماعة نفسها تواجه ضغوطاً داخلية كبيرة، بالإضافة إلى عجزها عن إحداث تأثير حقيقي في عملياتها العسكرية ضد البوارج الأميركية أو حتى الهجمات على إسرائيل.

ويرى خبراء ومراقبون أن العمليات الأميركية الأخيرة توحي بأن الجماعة ربما تكون في طريقها للانهيار بالطريقة نفسها التي تعرض لها «حزب الله»، أو الوصول إلى وضع مشابه لوضعه الحالي، وأن إيران تسعى من خلال موقفها إلى تجنيبها هذا المصير، خصوصاً أنها تدرك صعوبة المواجهة، وتعي أن خسارة نفوذها في اليمن يصعب تعويضه أكثر من تعويض نفوذها في لبنان.

مناورة إيرانية

وصلت الجماعة، وفق الخبراء والمراقبين، إلى مأزق حقيقي لم تواجه مثله منذ فترة طويلة، حيث وجدت نفسها تتعرض لاستهداف واسع يضرب قدراتها العسكرية وقادتها الميدانيين، في ظل أزمة قيادة تعاني منها، وظهر ذلك من خلال عجزها، طوال السنوات الماضية، عن تعويض عدد ممن فقدتهم المواجهات مع الجيش اليمني.

وبينما يرى فياض النعمان وكيل وزارة الإعلام اليمنية أن التسريبات بشأن قرار النظام الإيراني بالتخلي عن دعم الجماعة الحوثية يمكن تفسيره كخطوة براغماتية للتهرب من التهديدات والضغوط الأميركية، وتجنب المواجهة المباشرة معها؛ فإنه يسعى إلى الحصول على فرصة لإعادة ترتيب أولوياته في ظل واقع إقليمي معقد، دون أن يوقف نشاط إمداد وعم حلفائه.

ويضيف النعمان لـ«الشرق الأوسط» أن موقف إيران ليس جديداً إلا في مناسبته وخطورتها، وهي التي دأبت على إنكار دعمها العسكري والمالي للحوثيين في الوقت نفسه الذي أيدت فيه خطابهم وتوجهاتهم، ولن تنخدع إدارة ترمب بهذه التصريحات؛ لأنها تملك من المعلومات الاستخباراتية ما يكفيها للتحقق من صدق نيات طهران.

وفي ظل شح المعلومات، فإن أي خسائر تتلقاها الجماعة من قيادتها وعتادها العسكري، لن تكون كافية لهزيمتها، بحسب باحث سياسي يقيم في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء.

ويذهب الباحث السياسي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم الكشف عن بياناته حفاظاً على سلامته، إلى أن الجماعة تمتلك بناءً تنظيمياً معقداً يصعب اختراقه، ولن يكون سهلاً تنفيذ اغتيالات لصف قيادته الأعلى بوسائل تعتمد على المعلومات الاستخباراتية، كما تصعب هزيمته بالضربات الجوية من دون حرب على الأرض.

وبحسب الباحث، فإن الجماعة اتخذت منذ وقت مبكر، وبمساعدة إيرانية، وسائل حماية بالغة التعقيد للصفين الأول والثاني من قيادتها، خصوصاً بعد الاغتيالات التي طالت قيادات «حزب الله» اللبناني، بينما كانت قد استفادت من البنية التحتية للجيش اليمني في حماية أسلحتها، وراكمت عليها، إلى درجة أن الأسلحة الذكية الأميركية لا تستطيع الوصول إلى مخابئ محفورة في الجبال على أعماق تصل إلى أكثر من 60 متراً.

مقتل قيادات بالجملة

خلال الأيام الماضية تطورت الهجمات الأميركية، وبدأت باغتيال قيادات حوثية في الكثير من المناطق، بما في ذلك استهدافهم داخل سياراتهم خلال عمليات تنقلهم، وهو ما يشير إلى دقة المعلومات الاستخباراتية التي يملكها البيت الأبيض، إلا أنه لم يتضح بعد مستويات القيادات التي يجري اغتيالها، في ظل السرية المشددة التي تتبعها الجماعة.

 

ونشر الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقطع فيديو التقطته طائرة خلال تنفيذ غارة استهدفت معسكراً تدريبياً، تظهر فيه مجموعة حوثية يقارب عدد أفرادها 70 فرداً يقفون في شكل شبه دائري، متهماً إياهم بالاجتماع للتخطيط للهجوم على السفن.

وأظهرت مقارنة أجرتها مصادر صحافية يمنية أن الهجمة التي نقلها الفيديو وقعت في مديرية التحيتا جنوب محافظة الحديدة بالقرب من الساحل، حيث أنشأت الجماعة معسكرات تدريبية، وجعلتها أحد أهم تجمعاتها، وتعرضت خلال الأسابيع الماضية لسلسلة من الغارات.

ولم يعلن ترمب أو الجيش الأميركي عن تاريخ الفيديو، إلا أن مصادر مطلعة رجحت لـ«الشرق الأوسط” أن يكون الهجوم حدث خلال زيارة قادة حوثيين للمعسكر خلال أيام عيد الفطر، إذ دأبت الجماعة على دعم معنويات مقاتليها خلال الأعياد الدينية بإلزام قيادييها بتنفيذ زيارات لهم وتوزيع الهدايا والأموال عليهم.

ولم تنكر الجماعة الحوثية الواقعة، إلا أن عدداً من ناشطيها وقيادييها ادعوا أن من ظهروا في الفيديو كانوا مدنيين في وقفة قبلية، ولم يكونوا مقاتلين.

إلا أن اللافت أن الجماعة لم تتحدث في أي وقت عن استهداف عشرات المدنيين في تجمع قبلي واحد، وهي التي تعلن باستمرار عن سقوط المدنيين في غالبية الهجمات، ما يشير إلى أنها حاولت التستر على مقتل مجموعة كبيرة من قيادييها، ولم تتوقع أن يتم نشر تصويراً لعملية استهدافهم.

وتوقعت المصادر أن يكون غالبية الذين ظهروا في الفيديو من القادة الحوثيين المنتمين إلى المحافظات الشمالية بسبب الملابس التي يرتدونها.

مقالات ذات صلة