الحكومة العراقية تناقش إلغاء مذكرة القبض بحق الرئيس السوري أحمد الشرع
أثارت زيارة الوفد الرسمي العراقي، اليوم الخميس، إلى العاصمة السورية دمشق للقاء الإدارة السورية الجديدة، استغراب الناشطين على مواقع التواصل الإجتماعي، لاسيما وان الحكومة قد أصدرت مذكرة قبض بحق زعيم هيئة تحرير الشام احمد الشرع المعروف بأبي محمد الجولاني الحاكم الفعلي لسوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
وانتقد ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي، التناقض الحكومي بين التصريحات والمواقف مع الإدارة السورية الجديدة، فيما رأى أخرون أن الزيارة تشير إلى أن العراق بات يشق طريقه بعيدا عن إيران وتوجهاتها مع الإدارة السورية الجديدة.
إلى ذلك، رأى المحلل السياسي أمير السعدي في تغريدة له عبر منصة “اكس”، إن “زيارة الوفد العراقي لسوريا جاءت كنوع من التوازن بين التوجهات الإقليمية والدولية والمصلحة العراقية والتي قد يكون بها نوع من التأثر الخارجي الذي رسمته تحركات كثير من الدول للتعاطي مع سوريا، وخطاب الدولة موجود وسابق على الآخرين لانه تلقى الشكر من أحمد الشرع لإبقاء سفارته مفتوحة”.
وكان وفد رسمي عراقي برئاسة حميد الشطري رئيس جهاز المخابرات العراقي وصل، ظهر اليوم الخميس، إلى قصر الشعب للقاء الإدارة السورية الجديدة في العاصمة السورية دمشق.
وجاءت الزيارة للتأكيد على موقف العراق الثابت بعدم التدخل بالشؤون الداخلية السورية، والتأكيد بأن الحكومة العراقية لن تسمح للفصائل المسلحة العراقية بأي تدخل مستقبلاً في سوريا، مقابل عدم تحرك الجماعات المسلحة نحو العراق وضبط الحدود بشكل جيد من داخل العمق السوري، بحسب مصادر مطلعة.
وأعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في 22 كانون الأول ديسمبر الحالي، أن حكومته بادرت بإجراء اتصالات وزيارات مع الدول الشقيقة، وأطلقت مبادرة لإرساء الأمن في سوريا، وقدمت ورقة عراقية في مؤتمر العقبة بالأردن بشأن سوريا، وحظيت بترحيب جميع الأشقاء.
ورغم تصريح السوداني إلا أن المسؤولين الحكوميين، سواء في وزارة الخارجية، أو على مستوى الشخصيات المقربة من رئيس الوزراء، لم يتحدثوا عن طبيعة تلك المبادرة، و اقتصروا على التصريحات العمومية، وكذلك الأمر مع ما ورد في ورقة العقبة، وهو ما يؤكد طبيعة الحذر الذي تمارسه بغداد حيال الحدث السوري.
مع سقوط النظام السوري والتوجه نحو تشكيل حكومة بديلة، يواجه العراق تحديا إستراتيجيا يتمثل في الحفاظ على مصالحه الوطنية وبناء علاقات إيجابية مع القيادة السورية الجديدة، بشكل يخدم استقرار المنطقة ورفاهية شعوبها. لتحقيق ذلك، ينبغي لصانع القرار العراقي أن يأخذ النقاط التالية بعين الاعتبار فهم القوى الجديدة وتحليل امتداداتها، وعوامل قوتها وضعفها وتحصين الحدود، بحسب مختصين.
وفي 21 كانون الأون ديسمبر الحالي، أشارت مصادر مطلعة بأن الشرع، كان قد اعتُقل أثناء وجوده في العراق، ضمن صفوف تنظيم القاعدة (منظمة إرهابية محظورة في روسيا ودول عدة) بين عامي 2007 و2008 على يد القوات الأمريكية، قبل أن يُفرج عنه لاحقا دون تدخل من الجانب العراقي”.
وأوضحت المصادر أن “القضاء العراقي لم يصدر أي حكم بحقه في تلك الفترة، إلا أن مذكرة القبض أُصدرت لاحقا بناءً على إفادات لمعتقلين تورطوا في قضايا إرهابية، لكنها لم تُتوج بحكم قضائي حتى الآن”.
ورغم الحذر الذي اظهرته الدول العربية بشكل عام، والسعودية والإمارات على وجه الخصوص، في التعامل مع السلطات السورية الجديدة التي يقودها أحمد الشرع، إلا أن تلك الدول بدأت الخطو نحو دمشق، تمهيدا لمرحلة انفتاح جديدة.
وعلى رأس المتقدّمين على ذلك الطريق، الأردن الذي أوفد وزير خارجيته من جهة، والإمارات التي بادر وزير خارجيتها بالاتصال بوزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، علما أن عمّان وأبو ظبي كانتا لعبتا دورا كبيرا لإعادة العلاقات السورية – العربية، أواخر حكم الرئيس السابق بشار الأسد، بعد نحو عقد على القطيعة.
وأكد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي وصل إلى دمشق والتقى الشرع، دعم بلاده للعملية الانتقالية الجارية حاليا في سوريا، موضحا أن مباحثاته دارت حول “ضرورة بناء وطن حر لا إرهاب فيه ويحمي حقوق كل السوريين”، بالإضافة إلى ملفّي مكافحة المخدّرات وفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين في الأردن الذي يستضيف نحو 1.3 مليون لاجئ. وكشف الصفدي أنه اتفق والشرع على تشكيل آليات للعمل معا لمعالجة الأمور التي تسهم في مساعدة سوريا في “أن تكون آمنة مطمئنة وتتهيّأ الظروف فيها لعودة اللاجئين”، على حد تعبيره.
وتوافقت زيارة وزير الخارجية الأردني، الذي لعبت بلاده دورا بارزا خلال السنوات الماضية في تشكيل لجنة اتصال عربية عقدت اجتماعا أخيرا في العقبة لمناقشة التطورات في سوريا، حضرته الولايات المتحدة ودول أخرى، مع التوجهات الأميركية المتشجّعة للانفتاح على السلطات السورية الجديدة، المدعومة من تركيا وقطر.
وكانت أنقرة أوفدت وزير خارجيتها، حاقان فيدان، إلى دمشق، حيث زار جبل قاسيون ضمن أجواء احتفالية بالنصر على النظام السوري السابق، ليعقب ذلك إرسال الدوحة وزير الدولة في وزارة الخارجية، محمد الخليفي، على رأس وفد إلى دمشق وفي مؤتمر صحافي عقب لقائه الخليفي، وجّه الشرع رسالة شكر إلى قطر التي قال إنها “وقفت مع الشعب السوري وثورته منذ البداية”، مشيرا إلى أنها أبدت استعدادها للاستثمار في مختلف المجالات داخل سوريا، بما في ذلك الطاقة والموانئ، معلنا أنه وجّه دعوة إلى أمير قطر، تميم بن حمد، لزيارة دمشق.
وأعلنت مؤخرا مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف، من العاصمة السورية دمشق، إلغاء المكافأة المالية (10 مليون دولار) المخصصة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقال الشرع، وهو ما يعكس تغيّراً في الموقف الأمريكي تجاهه بعد الأحداث الأخيرة.
ويشكل تنامي نشاطات تنظيم داعش في عمق البادية السورية المحاذية للحدود العراقية، مع سقوط نظام بشار الأسد، تهديدا على العراق، إذا تمكن مسلحو التنظيم من السيطرة على الحدود السورية العراقية، ونجحوا مجددا من اجتيازها.
ويسعى السوداني إلى إبعاد الساحة العراقية عن أن تصبح ساحة لتصفية الحسابات، بالإضافة إلى محاولاته لموازنة الوضع الجديد في سوريا، والانخراط العراقي في الجهود الدبلوماسية العربية والدولية. كما يسعى إلى إبعاد إيران، التي تمتلك أذرعاً قوية في العراق، عن الشأن السوري، بحسب مختصين.
ويعد رئيس الوزراء الأسبق وعضو الإطار التنسيقي، حيدر العبادي، من بين المؤيدين للانفتاح على الوضع السوري الجديد، وأطلق قبل أيام “مبادرة الرافدين” لإغاثة الشعب السوري، وطالب بجهد سياسي مواز للانخراط في الحدث السوري.
ويخشى العراق من عودة سيناريو أواسط العام 2014 عندما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مناطق تُقدر بثلث البلاد على خلفية امتداد الصراع في سوريا بين النظام والفصائل المعارضة في السنوات الماضية.
وقامت القوات العراقية بتعزيز قواتها في الشريط الحدودي مع سوريا بعد أن تراجع الجيش السوري بقيادة نظام الأسد أمام المجاميع المسلحة لغاية ان تمكنت من إسقاط النظام في غضون أيام معدودة.
وعقب سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول ديسمبر الحالي، عقدت إدارة العمليات العسكرية برئاسة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) اجتماعا مع رئاسة حكومة النظام السابق، وتبع ذلك تسليم الحكومة السابقة لملفات الوزارات والإدارات العامة إلى حكومة إنقاذ، لتصبح حكومة تسيير أعمال مؤقتة لمدة أقل من 3 أشهر، يرأسها محمد البشير.