اخبار العراق

عبد الوهاب الساعدي: حرب المدن ما بين الموصل وغزة

 

مع تطور الحروب في القرن الماضي والقرن الحالي، ومن خلال تراكم التجارب العلمية والعملية، باتت إدارة الحرب تعتمد على استراتيجيات تتكون من ثلاث عناصر رئيسة:

أ)   العمليات الخاصة: وهي قطعات صغيرة الحجم يتم اعدادها وحجمها حسب امكانية الدولة من مستوى فوج الى مستوى فرقة، وهذه القطعات تحظى بالتدريب والتسليح والتجهيز والتنظيم المتميز بما يختلف عن باقي القوات النظامية، وبدأت كل جيوش العالم تسعى لإنشاء هذه القوات ،نظراً لما توكل إليه من مهام استثنائية وحساسة.. على سبيل المثال لا الحصر عمليات تحرير المدن من قبل «جهاز مكافحة الإرهاب العراقي» ضد عناصر ‘داعش’ الإرهابي، وكذلك عمليات (فاغنر) في الحرب الروسية-الأوكرانية، وواجبات العمليات الخاصة الأمريكية التي أسفرت مقتل كل من أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي، والقبض على كثير من العناصر المهمة والمؤثرة في الساحة العالمية. فضلاً عن العمليات الخاصة الفرنسية في افريقيا، وأيضاً العمليات الخاصة البريطانية.

ب) الامن السيبراني: وهو من العوامل المهمة والحديثة التي استجدت في ميادين النزاعات واستخدامها أعطى نتائج يعجز عن القيام به جيش كامل بأقل ما يمكن من الخسائر والمعدات ، وهو موضوع معقد ولكن ذو تأثير كبير وهو لا يزال يقتصر على دول بعينها.

جـ) العمليات الجو-فضائية: في السابق كان المبدأ الاساسي في الحروب (من يمتلك القوة الجوية الفعالة يحقق النصر في المعركة)، لكن هذا المفهوم تطور كثيراً ليشمل الطائرات المسيرة الى الطائرات الصغيرة الحجم الى الطائرات بدون طيار، إلى الطائرات المقاتلة بكافة اشكالها واحجامها، وصولا إلى الاقمار الصناعية، واصبح المفهوم الآن من يسيطر على الفضاء يحقق النصر، بأقل وقت وجهد و خسائر.

ورغم تطور تقنيات واستراتيجيات الحروب، إلا أن حروب المدن تبقى تصنف من اصعب انواع القتال حتى يومنا هذا، ولا زالت كل جيوش العالم تعاني من هذا النوع في القتال لعدة أسباب أهمها:

أ- تحتاج قطعات خاصة
ب- السكان المحليون
جـ – البنى التحتية
د- الرأي العام
هـ- الطبيعة الجغرافية

ومن خلال التجربة ودور «جهاز مكافحة الارهاب» في تحرير المدن العراقية توصلنا الى اسبقيات القتال في حرب المدن ، وهي كما يلي:
أ – الحفاظ على السكان المدنيين ،وهي عملية معقدة جداً، كون هؤلاء السكان ينقسمون الى :

اولاً :مؤيد للعمليات

ثانياً: معارض للعمليات
ثالثاً: متفرج
رابعاً : محايد
خامساً: مستغل للعمليات

ب- الحفاظ على القطعات المتقدمة وتجنّب الخسائر الكبيرة التي تؤدي الى فشل العمليات ،إذا كانت الخسائر كبيرة.

ج-  المحافظة على البنى التحتية وهذا يتحقق من خلال نظرة المجتمع الى ذلك، على سبيل المثال المساجد هي مصممة للعبادة وقد تلعب و دوراً سلبياً أو إيجابياً ضد العمليات، وكذلك المؤسسات الصحية والتعليمية.

د- تدمير قطعات العدو من خلال قتل عناصره أو القبض عليهم،، وهي عملية معقدة أشبّه ما تكون بالجراحة، من جهة قدرة التمييز بين العناصر المسلحة المتواجدة بين صفوف المدنيين العزّل عند دخول المدينة.

هـ- عامل الوقت: وهو اكثر الاسبقيات حراجه، نعم قد يكون أسبقيته متأخرة لكن حساس جداً، وفيه تناقضات عدة، على سبيل المثال زيادة الوقت هو زيادة المعاناة ولكن قد يؤدي إلى المحافظة علي الاسبقيات أعلاه. وتقليل عامل الوقت قد يؤدي الى خسائر أكبر في المدينة والقطعات والبنى التحتية، لذلك على القائد أن يراعي هذا العامل بشكل دقيق وحساس جداً.
لذلك، تصنف أهم معركتين في القرن الواحد العشرين لحد الان في حرب المدن هي: معارك ‘تحرير الموصل’ من قبل “جهاز مكافحة الارهاب” والقطعات العراقية الاخرى. والمعارك الدائرة الآن في غزة ليس من جهة المقارنة بين المعركتين ولكن من ناحية الدروس المستنبطة من هذه المعارك.
مدينة الموصل من اهم المدن العراقية من جميع النواحي، من موقع جغرافي فهي منطقة توجد فيها العديد من الاثار والشواهد التاريخية والمعالم الدينية، تربط الشرق بالغرب، ولها حدود مع تركيا وسوريا وتتنوع فيها التضاريس بكافة اشكالها. وتبلغ مساحة محافظة نينوى 33,313 كم2 ، وتبلغ مساحة الموصل مركز المحافظة 180 كم2 ، وتضم حوالي اكثر من 3 ملايين نسمه وتحتوي بحدود (79) حيآ سكنيآ من مختلف الديانات والمذاهب والقوميات، يمّر من وسطها نهر دجله يقسمها إلى قسمين تسمى الساحل الأيسر والساحل الأيمن وهذه التسمية حسب مجرى النهر، وداخل المدينة 6 جسور حيوية تربط الجانبين.
ولعل هذه الأحداث المتواترة في بعض المناطق العراقية قد تولدت نتيجة الموقف من التغيير والعملية السياسية والجانب الاقتصادي ،والتنوع العرقي والديني جعلها ارض خصبة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة وبأسماء مختلفة ومتعددة لكنها ذات بُعد ديني واحد، وبدأت هذه التنظيمات تفرض سيطرتها على المدينة بصورة مباشرة او غير مباشرة وهي كانت بمنزلة (نار تحت الرماد) منذ عام 2003 لغاية 2016.
كما تصنف طبيعة سكان مدينة الموصل، ضمن المدن الحضرية إذ تضم العديد من العلماء والفنانين ورجال الدين وقادة الجيش العراقي السابقين، وتضم كثير من المراقد الدينية والمدارس والجامعات بمختلف مسمياتها .لذلك سيطر التنظيم الإرهابي بشكل كامل عام 2014، واعلن ان مدينة الموصل هي عاصمة ما يسمى ‘الدولة الإسلامية’ والخطبة الشهيرة لأمير التنظيم في جامع النوري.

اسنفرت الدولة كل طاقاتها من اجل تحرير اراضيها وشعوبها من براثن الاحتلال مجاميع ارهابية لثلاث محافظات، ومدينة الموصل تم السيطرة عليها من قبل التنظيم الإرهابي وفرض سيطرته بشكل كامل على كافة مقدرات المدينة، واصبح ناسها أسرى لدى التنظيم يسيرونه حسب اهوائهم، وتم وضع قوانين فيها الكثير من الظلم وتقييد الحريات والتعسف في التعامل مع المواطنين وخصوصا مع الاطفال والنساء، وجرت ممارسات مثل السبي والجلد والقتل امام مرأى الناس ممّا خلق حالة من التذمر من قبل المواطنين ضد التنظيم، وحاول الكثير منهم الهروب خارج المدينة والبعض الاخر حمل السلاح، لكن بشاعة التنظيم وقسوته اجبر المواطنين على الرضوخ. لذلك اصبح لزاماً على الحكومة العراقية شن عملية واسعة لإعادة المدينة وتحرير الإنسان.

مدينة الموصل ليست بذات الطبيعة الجغرافية المعقدة جداً، ولو تم دراستها بشكل مفصل ومقارنتها مع ‘غزة’ لوجدنا اختلافاً كبيراً بينهما، من خلال ما يلي:

أ- المساحة: تبلغ مساحة مدينة الموصل 180 كم2، أما مساحة غزة تبلغ 360 كم2 أي ان مساحة غزة هي ضعف مساحة مركز محافظة نينوى (مدينة الموصل).

ب- الموقع: تقع مدينه الموصل إلى الشمال من العراق ولها حدود قريبة من تركيا وسوريا. اما غزة هي مدينة ساحلية تقع الى الجنوب الغربي من فلسطين ولها حدود جنوبية مع مصر عبر معبر رفح.

ج- البنى التحتية: جميع أبنية الموصل أفقية ومساحات مختلفة تتراوح بين (100-600)، عدا الموصل القديمة فهي ذات مساحات صغيرة وشوارع ضيفه ومكتظة بالسكان وفيها (6) جسور تفضل الساحل الايسر عن الساحل الايمن وفيها الكثير من المؤسسات والمواقع الاثرية ويوجد نهر صغير يسمى «نهر الخوصر» وهو مانع طبيعي يعيق التقدم.
اما مدينة ‘غزة’ فجميع المباني عمودية وبعض الاراضي الزراعية، ويوجد وادي غزة الذي يفصل الجزء الشمالي عن الجنوبي، بالإضافة إلى المؤسسات والمواقع المهمة وكذلك وجود المنظمات الدولية داخل المدينة، وهي خالية من الجسور وفيها طرق تمتد من الشمال الى الجنوب مثل طريق صلاح الدين.

د-الادارة: في عام 2014 كانت مدينة الموصل تدار من قبل التنظيم الإرهابي حتى وصل الأمر بإصدار عملة خاصة بالتنظيم، وهناك ما يسمى بالدواوين لإدارة المدينة والدواوين هي اشبه بالوزارات تشمل مختلف الجوانب، اما غزة فهي تدار من قبل حركة ‘حماس’ ادارة كاملة.

بدأت معركة تحرير الموصل من قبل القطعات العراقية يوم 17 اكتوبر 2016. وبدأت الخطة بالتقدم في الجانب الايسر، كون طبيعة الجغرافية اسهل من الجانب الايمن كونه يمتاز بسعة الابنية والطرق وطبيعة الاهالي، تقدمت القطعات من محورين غربي وشرقي، وكان يتواجد داخل المدينة اكثر من عشرة 10 آلاف ارهابي، وهم مسلحين بأسلحة خفيفة ومتوسطة ومئات العجلات المفخخة والانتحاريين وكان أسلوب الارهابيين يعتمد على استخدام العبوات الناسفة والإنتحاريين، ويبتعد عن المواجهة المباشرة بأعداد كبيرة لمواجهة القطعات، وهو الاسلوب المعتمد في حرب المدن لتدمير القطعات الهاجمة ولا يعير التنظيم للخسائر التي تحدث بين المدنيين حسب عقيدته ونظرية ‘التترس’ وفقه الواقع.
لذلك كنا نسعى للتقدم بمجموعات صغيرة وبأسلحة ساندة تحت اسناد جوي لقوات التحالف، وكانت الخطة تسير وفق منهج السيطرة على حي بعد آخر من خلال تقسيم المدينة الى مربعات، لغرض التقدم بعد تحرير الحي يتم تطهيره بشكل كامل ومن ثم يجري التقدم إلى حي اخر ، وهكذا الى ان وصلت القطعات الى “نهر الخوصر”، وهي معركة فاصلة لتحرير الساحل الايسر، كون الارهابيين دمروا الجسور على هذا النهر وهو عبارة عن نهر خالٍ من الحياة الا في الشتاء ويصعب عبوره الاّ من خلال جهد هندسي ، لذلك وضعنا خطة عبور النهر وهي كانت عملية مباغتة جرت ليلاً، وعند عبور النهر تم تحرير الساحل الايسر بشكل كامل وتم رفع العلم العراقي على منصة عالية جداً، وكانت الغاية إرسال رسالة إلى الساحل الايمن بوصل القطعات وهي جزء من الحرب النفسية التي تلعب دوراً كبيراً في حروب المدن.
بعد إعادة تنظيم محدودة تم التهيؤ الى معركة الساحل الأيمن، بعد تدمير العدو كافة الجسور التي تفصل الساحلين، مما يتطلب حركة القطعات من الجانب الأيسر الى الجانب الايمن من خلال منطقة جنوب الموصل، ونصب جسر في منطقه القيارة لعبور القطعات، وفعلا تم التقدم من خلال ثلاثة محاور وكان التقدم يجري في الاحياء بصورة متفاوتة بين المحاور كون الطبيعة الجغرافية للجانب الأيمن ‘المدينة القديمة’ اكثر صعوبة من الساحل الايسر، وبدأت الصعوبة في الأيمن حسب طبيعته الجغرافية وانحسار المجاميع الإرهابية داخل مساحه لا تتجاوز (3) كم2، وكذلك وجود أهم معلَمَين هما، (منارة الحدباء) و(جامع النوري). وقد وضعنا خطة من أجل المحافظة على هذين المعلمين كونهما يمثلان تحديات للقطعات العراقية وللتنظيم معاً كلّ وتقديراته، فسارع التنظيم لاستغلال الموقف فقام بتدمير هذين المعلمين في صباح يوم 21-6-2017.
واثناء سير المعارك وبينما بدأ بوادر الانهيار على التنظيم ،وأصبحت المعركة محسومة بشكل كبير لصالح القطعات الأمنية العراقية، اضطرت عدد من المجاميع الارهابية بتسليم نفسها مع أسلحتهم، وطلب المتبقين منهم الخروج من المدينة وفتح ممر آمن لخروجهم مع عوائلهم، وقوبل ذلك بالرفض، وطلبنا منهم تسليم انفسهم لإحالتهم الى المحاكم، ولم يستجب أغلبهم لدعوة القطعات بالاستسلام ممّا عرّض العديد للقتل العديد، وأثناء محاولة هرب أعداد منهم مندسين مع العوائل خلسة وتمويها أثناء خروجهم من منطقة المعركة، وتم القبض على قسم منهم، بينما ولى آخرين هاربين، وفي يوم 9-7-2017 تم إعلان النصر وتحرير المدينة بالكامل.

أما فيما يتعلق بمدينة غزة فهي مدينة ساحليه فلسطينية، أذ يبلغ طول قطاع غزة 41 كم2 وعرضها يتراوح من (6- 12) كم2 بمساحة إجمالية 365 كم2، يسكنها حوالي 2 مليون فلسطيني، وتعد أكثر المدن اكتظاظاً بالسكان على مستوى العالم، وهي تتألف من شمال غزة، وغزة ورفح وخان يونس.
وفي 7 اكتوبر عام 2023 قام عناصر من ‘حماس’ بعملية كبيرة استطاعت من خلالها عبور غلاف غزة، والدخول إلى المستوطنات الإسرائيلية والاستيلاء على معدات واسلحة ومجموعة من الأسرى من العسكريين والمدنيين، وهي عملية مباغتة ومخطط لها بعناية كبيرة وحققت أهدافاً أكثر مما كانت تطمح إليها ‘حماس’، والسؤال الاهم: هل كانت معركة تحرير أم تحريك؟
كما تبرز سؤال آخر أكثر أهمية، وهو هل كانت ‘حماس’ تتوقع ردّة الفعل الاسرائيلية ضد غزة، واعداد الخطط والسيناريوهات لمواجهتها، وما هو موقف الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والعالمية تجاه العمل العسكري المقابل الذي سيحصل؟!
ونحن هنا بحاجة إلى دراسة العملية من الناحية العسكرية والنتائج المتوقعة لهذه العملية. إذ أن العملية العسكرية الإسرائيلية على غزه كانت تستهدف عدة غايات، من اهمها:

أ- السيطرة على الجزء الشمالي من غزة كون لها اهداف آنية وأخرى مستقبلية اما الآنية، فهي لغرض تأمين الحماية للمستوطنات المجاورة والعمل على إبعاد استخدام الصواريخ ضد المستوطنات، أما الهدف المستقبلي هو كما تشير العديد من الدراسات العمل انشاء قناة (بن غوريون) التي تمتد من البحر المتوسط الى العقبة، ومن ثم عبر بحر العرب والخليج العربي.
ب- القضاء على مقاتلي حركة حماس ومنعها من السيطرة على غزة مجدداً
جـ- تدمير كافة الأنفاق الموجودة في غزة، وتدمير كافة المعدات والأسلحة الموجودة هناك.
د- تدمير البنية التحتية للمدينة
هـ – استعادة الأسرى

وهكذا شهدنا كيف بدأ الجيش الإسرائيلي بعد فترة قصيرة من عملية 7 أكتوبر وضع الخطة لاقتحام غزة، وكانت خطته الأولية اقتحام المدينة من عدة محاور من الساحل ومن الشمال باتجاه ‘بيت لاهيا’ ومن الجنوب باتجاه ‘دير البلح’، وكان ينتهج اسلوب العزل، ولكنه لم يكن يملك الخبرة الكافية في قتال المدن، ويبدو إنه لم يكن قد وضع في حساباته ان ‘حماس’ تمتلك حرية العمل وحرية الحركة واسلوب القتال التعبوي وتعبئة الاسلحة حسب طبيعة المنطقة، وكذلك لم يحسب الجيش الإسرائيلي قدرة مقاتلي على الحركة المواجهة، مما أضطره بعد إخفاقه في تحقيق أيّ تقدم لإحتلال المناطق، سعى إلى استخدام القصف الجوي بكثافة عالية جداً واستخدام قنابل ذات قدرة تدميرية هائلة، وقام بتدمير جميع المباني الموجودة في المنطقة، معتقداً انه خلال التدمير سيتم القضاء به مقاتلي ‘حماس’، ولكن لم يحسب ان هذا التدمير شكّل عبئاً إضافياً كون البنايات المدمرة استغلها مقاتلي ‘حماس’ للإختباء فيها على شكل مجموعات صغيرة والإنطلاق منها بالإشتباك مع القوات المهاجمة.
وتكبدها خسائر بالأرواح والمعدات، إضافة إلى ذلك ان القوات المدافعة ‘حماس’ تتواجد بمجموعات صغيرة وفي اماكن متفرقة من المدينة قادرة على مواجهة الجيش الإسرائيلي وتكون المسافات قريبة جداً تمنع الجيش الإسرائيلي من استخدام أسلحته الساندة والاسناد الجوي أيضاً، مما يضطر للانسحاب الى الخلف، ويبدأ بقصف المنطقة مرة اخرى.
وهذا هو السبب الرئيسي لإطالة مدة المعركة وزيادة خسائر الجيش الإسرائيلي في المعدات والاشخاص ،منا يعزز فرضية استمرار هذه العملية لأشهر أخرى لا يستطيع فيها الجيش الإسرائيلي من إحراز أيّ تقدم يُذكر، الاّ من خلال تدمير كافة المناطق وتجريفها بالكامل، وهذا لن يتحقق.

وكلما طالت مدة القتال سيفقد الجيش الاسرائيلي المعنويات والاشخاص والمعدات إضافة إلى الكلفة الاقتصادية العالية، وتأليب الرأي العام المحلي والدولي ضد العمليات التدميرية التي يقوم بها، علماً إن مقاتلي ‘حماس’ لهم القدرة والامكانية على المطاولة، بعكس الجيش الإسرائيلي، فهي أي ‘حماس’ لا تحتاج اكثر من سلاح قناص وعمل العبوات الناسفة واسلحه مقاتلة الدروع لتدمير عدد كبير من القوات المهاجمة.
مع مراعاة نقطة مهمة ان الجيش الإسرائيلي لا يتحمل الخسائر الكبيرة في الاشخاص والتكلفة المادية العالية وليس لديه القدرة على الاستمرار بالعمليات مدة طويلة إضافة في الخلافات بين اركان الحكومة وساسة الكيان ووجهات النظر المختلفة بينهم، وكذلك الضغط الدولي لإيقاف الحرب.
وبالتالي ليس لدى الجيش الاسرائيلي خيارات، فأحدهما أمرّ من الآخر، وليس لها في الأخير سوى الجلوس على طاولة المفاوضات، حتى وإن كانت عبر وسطاء والرضوخ لشروط حماس أو الاستمرار بالقتال بدون تحقيق النتائج التي يسعى إليها سواء التدمير والتهجير وقتل المدنيين.

*الخلاصة

أ- موقع غزة الاستراتيجي كونها مدينة ساحلية ولها حدود برية مع مصر ويسكنها أكثر من (2) مليون مواطن فلسطيني، وهي خارج سيطرة السلطة الفلسطينية وتدار من قبل ‘حماس’ بشكل کامل وتمثل التهديد الأكبر للكيان الإسرائيلي كونها جهة المقاومة الأكثر تنظيماً وتسليحاً، ولها تعاون ودعم من قبل بعض الدول يجبر الكيان الإسرائيلي لإيجاد وخلق الأسباب لمهاجمة غزة والسيطرة على جزئها الشمالي لتنفيذ أطماعه وتأمين الحماية للمستوطنات المجاورة والمحاذية للمدينة.

ب- عمليه 7 اكتوبر كانت عملية مخطط لها و قامت العناصر المنفذّة بعدة ممارسات وإختبارات مسبقة منذ مايُقارب الستة أشهر ، وحققت أهدافآ أكثر ما توقعته حماس وكانت عملية اظهرت ضعفآ واضحآ في المؤسسات الأمنية الاسرائيلية ،وشكّلت صدمة مؤثرة للجيش الاسرائيلي، لدرجة عدم وجود أيّ ردّة فعل من الساعة 630 لغاية الساعة 1500 من نفس اليوم.

جـ- ردّة فعل الجيش الإسرائيلي كان عنيفآ جدا ولم يراعِ فيها أبسط قواعد الاشتباك، وتم التركيز عن القصف الجوي والمدفعي لتدمير المدينة بالكامل، وقتل أكبر عدد ممكن من مقاتلي ‘حماس’ والمدنيين وتهجير القسم الأكبر من المواطنين ومحاربتهم في إيصال المساعدات الإنسانية، فضلآ عن تدمير المؤسسات الطبية، وهذا ما يُعتبر جرائم حرب.

د- إدارة ‘حماس’ للمعركة منع الاسرائيليين من تحقيق جزء من اهدافهم وهذا ما أتضح بصعوبة تمكنهم من تحرير الرهائن، بإستثناء حالة واحدة تم إستغلال القوافل التي تنقل المساعدات والإندساس من خلالها ومباغتة عناصر ‘حماس’
هـ- رغم استغلال الإسرائيليين وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لكسب المعركة وقد يكونوا قد نجحوا في بداية الاحداث ،لكن نتيجة استمرار المعارك وتطور نهج العمليات الى التدمير الممهنج تغيرت القراءات لصالح غزة.

و- استمرار العمليات العسكرية بهذا السياق لن يُحقق نتائج كما خُطّط لها بداية تنفيذ العملية، ويبدو إنها لن تسفر سوى التدمير والتهجير وزيادة المعاناة لسكان غزة، وبالتالي ستتجه الأمور الى انتهاج الخيار السلمي لحسم النزاع.

ز- بما إن حماس تستمر بالمواجهة بأية درجة كانت وهي التي لا تمتلك الخبرة الكبيرة في معركة طويلة داخل المدينة فضلاً عن امتلاكها الأسلحة الساندة، بالمقابل يقاتل الجيش الإسرائيلي بصيغة تنفيذ الأوامر، فهذا يعني ان خسائر المهاجم هي ضعف خسائر المدافع.

حـ – الحرب في غزة لو أخذناها في المنظور الزمني سوف لن تتوسع لتشمل لبنان وسوريا في الوقت الحاضر ألاّ إذا حصلت الأمور التالية:

أولاً: أرتكب أحد الاطراف عملاً كبيراً يتعارض مع سقف النزاع
ثانياً: عدم قدرة مقاتلي حماس على الصمود طويلاً
ثالثاً: في حالة تم القضاء على كافة الأسرى الإسرائيليين.
رابعاً: فشل جميع المساعي لإيقاف الحرب.
خامساً: إذا ما دخلت الفصائل العراقية الحرب بشكل مباشر.

الكيان الإسرائيلي باتَ يتقبّل الخسائر المادية والبشرية خلال هذه المعركة ولا يكترث بالخسائر بصفوف قواته ومعداته، لأنه يعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة والغرب في تمويلها وتعويضها عن الخسائر التي تلحق به، وكذلك عامل الوقت اصبحت لديهم المطاولة في حرب المدن، بعد أستنباط الدروس من معارك تموز 2006.

مقالات ذات صلة