“هورايزن”.. السعودية التي لا يعرفها الكثيرون!
حين بُث فيلم “هورايزن” عبر منصة “نتفليكس”، ذهبتُ مباشرة لمشاهدته، كونه يتحدث عن الحياة الفطرية والتنوع البيئي من جهة، وأيضا لرصده هذه العوالم في بيئة خاصة طالما كان ينظر لها بوصفها “صحراء قاحلة” لا توجد فيها إلا الركبان الرملية المتراكمة.
هذه النظرة “الكلاسيكية – السلبية” للبيئة السعودية، تم تكريسها عبر عقود من خلال تكرار إبراز صورٍ نمطية، لا تحاكي حقيقة البيئات السعودية المختلفة، والتي هي ليست بالبيئة الواحدة المتطابقة!
صحيح أن هنالك صحارى شاسعة في السعودية. وحتى هذه الصحارى الممتدة تختلف من منطقة لأخرى، وتزخر بحياة بيئية خاصة بها، قد تكون قاسية جداً في العديد من محطاتها، إلا أن بها دورتها الحيوية التي كونت نظامها البيولوجي والحيوي.
السعودية تضم: واحات، عيون ماء، مساحات زراعية شاسعة، نخيل باسقة، سواحل ممتدة على طول الخليج العربي والبحر الأحمر، وجزراً متناثرة في مياهها الإقليمية، كثير من هذه الجزر بكرٌ لم تلوثها يدُ الإنسان أو الآلة، فضلاً عن الأحياء البحرية والتضاريس في أعماق البحار، مروراً بقممِ الجبال والهضابِ والأودية!
الجغرافيا المختلفة تقود بالضرورة لمناخات متنوعة، وكائنات متباينة تعيش فيها، والتي تجاوز عددها نحو 10 آلاف من المخلوقات الحية في السعودية.
بالعودة إلى فيلم “هورايزن”، كان من المدهش لي مشاهدة عوالم بيئية فيها من الجمال والتنوع، لا يعرف عنها الكثير من الجمهور العام، حتى داخل المملكة، فمخرجُ الفيلم وفريق الإعداد والإنتاج، لم يعمدوا إلى تكرار السردية القديمة التي تقدمُ في الإعلام، بل عمدوا إلى إنتاج فيلم يكون على قدرٍ كبير من الجودة في الصورة، والثراء في المحتوى، جاءت فيه الحكايا متنقلة بين بيئات بحرية وبرية وجبلية وواحات، متناولة علاقة كل ذلك بالإنسان والكائنات الحية من حيوانات وطيور وأسماك وسواها؛ وكيف يمكن الحفاظ على هذا التنوع وجعله مستداماً!
عدد من الأفلام السابقة التي قدمت صورة عن الحياة الفطرية في السعودية، كانت أشبه بحلقات في برنامج تلفزيوني، أو تقارير مصورة مطولة، إلا أن ما ميز “هورايزن” أنه يروي القصص بطريقة حديثة، تتنقل من مشهدٍ لآخر، في انتظام وهيكل عام يربط بين هذه القصص، وهو ذات الأسلوب الذي تنتهجه الوثائقيات الاحترافية التي تبثها قناة مختصة مثل: BBC Earth، Discovery، National Geographic، وسواها من محطات وشركات الإنتاج الكبرى التي تشتغل على أعمالها عبر فريق مختص، ودون استعجال، لأن التثبت من المعلومات ودقتها يحتاج الرجوع إلى خبراء مختصين، والمقارنة بين الشهادات العلمية المختلفة والآراء التي يدلون بها
من هنا، استغرق تصوير فيلم “هورايزن” 204 أيام، كانت في 28 موقعاً مختلفاً، ومنها: تبوك، حائل، الطائف، نجران، النماص، العلا، تنومة، بلسمر، فرسان.. وسواها، وقُطع من أجل ذلك نحو 4747 كلم.
هذا الفريق، وعبر كاميرات عالية الدقة، تمكن من إظهار نماذج من الحيوانات التي تعيش في البيئات السعودية، تجعل المشاهد يشعر بالدهشة وهو يرى: الغزال الأدمي، والنمر العربي، والسلحفاة صقرية المنقار، والعقاب النساري، والدولفين قاروي الأنف، والقرش قصير الأنف أسود الذيل، والبابون، والمها العربي.. وسواها من الحيوانات التي وثقها الفيلم، جميعها تعيش في هذه البيئات السعودية الغنية بكائناتها، وهو ما يزيد من وعي المشاهدين بثراء هذا الأرض، وأهمية حماية البيئة، وكيف أن هذه الحيوانات وعبر قرون متعاقبة استطاعت أن تحافظ على نوعها، وواجهت التقلبات المناخية والصعوبات التي نتجت عن تبدل أنماط العيش بين البشر وبعض العادات السلبية مثل “الاحتطاب” أو “الصيد الجائر”، وهي الممارسات التي اتخذت الحكومة السعودية تدابير عملية وقانونية للحد منها، ومعاقبة من يقوم بتلويث أو تخريب البيئة أو التعدي على “المحميات الفطرية” أو صيد الحيوانات المهددة بالانقراض
“هورايزن” عملُ يثبت أن الأفلام حول الحياة الفطرية والبيئية ليست مجرد توثيق، بل هي متعة، وأحد روافد إثراء المشاهدين، وتقود بطريقة سلسة وغير وعظية مباشرة، إلى تكوين وعي عام بضرورة أن يتجاور الإنسان مع الكائنات الأخرى في البيئة ويحافظ عليها، لأن في ذلك استمرارا للدورة الطبيعية للحياة