نقض النقيض مع عادل عبد المهدي .. عدنان الجنابي يرد
نشر الاستاذ الجنابي رداً في “شبكة الاقتصاديين العراقيين” (26/7/2023) بعنوان “نقض النقيض مع عادل عبد المهدي”، على بحث “الدولة العراقية: لصوصية/مافيوية؟ حقيقة ام وهم؟”. اوضحت فيه خطأ التوصيف. فهذه الظواهر موجودة، والخطأ في تعميمها. والا لوسمنا بقية الدول بها لوجودها في اغلبها.
1- يعترض الاستاذ الجنابي تحميلي الاستعمار وبناءاته اللاحقة المسؤولية الاولى في تخلف بلداننا، وبأنه القلة المتحكمة بالعالم واللصوصية الكبرى. ويقول ان الاستعمار كان امراً وقفنا ضده في الخمسينات والستينات. وان “عالم اليوم -وعالم الغد- هو عالم الاقتصاد الاجتماعي الذي تقوده الصين والهند واندونيسيا وماليزيا. هو عالم يتعايش مع، ولا يحاول السيطرة على، حضارات مصر والرافدين وفارس. هو عالم تجاوز مرحلة الاستعمار والرأسمالية المتوحشة، ويحمل معه معظم اسيا وافريقيا الى عالم تعددي خالٍ من الهيمنة الاحادية”.
سارد عليه بلسان، البروفسورة الاقتصادية الهندية المعروفة “اوتسا باتنيك” Utsa Patnaik والتي نشرت (2018) ان بريطانيا سلبت الهند (44.6) ترليون دولار امريكي، للفترة (1765-1938)، عبر انظمة الضرائب والتحويلات المالية وشركة الهند الشرقية (المعروف دورها في العراق) فقط. مؤكدة ان هذه المبالغ كانت ستحدث فارقاً كبيراً في بنى الهند الاقتصادية والاجتماعية. وان الهند كانت ثاني اكبر مصدر للفوائض الى العالم الخارجي لثلاثة عقود قبل 1929!! وهذا مثال لما حدث للهند، وهو حدث معنا جميعاً، واسوء.
وحول هيكلية نظام الهيمنة وتقسيم العالم لـ(شمال/غرب) متقدم، و(جنوب/شرق) متخلف، يطالب القاضي في العدل الدولية “باتريك روبنسون” (ربيع 2023)، بريطانيا بـ(24) ترليون دولار لـ(30) دولة افريقية كتعويض لضحايا واستعباد (+17) مليون افريقي، منذ (1550) وحتى (1807). مما ساهم بنهضة الغرب الاقتصادية. ويقول لا اقبل نقاش رئيس الوزراء البريطاني، ان هذا حدث منذ فترة بعيدة. فهناك عواقب حالية لممارسة العبودية تظهر يومياً.
كلام الاستاذ الجنابي صحيح فيما يتعلق بعالم الغد. خصوصاً بعد انضمام (6) اعضاء جدد لـ”بريكس”. لهذا ندعو لانضمام العراق وتوفير الشروط المطلوبة، بتنويع قطاعاته الحقيقية اساساً.
اما عالم اليوم والعقدان المنصرمان والقرون الماضية، فحقائقها صارخة. فلقد دمروا الطبيعة، ولوثوا البيئة، واسترقوا واستغلوا الشعوب، وجَنَّدوها في مشاريعهم وحروبهم. وقسموا البلدان وعبثوا وسرقوا معارفها وعلومها ومخطوطاتها ومعادنها وذهبها وثرواتها ومياهها وهوائها وفضاءاتها وابارها ومناجمها وغاباتها ومحاصيلها وحيواناتها واثارها، الخ. فتراكمت قدراتهم. ليتحكم عالم الاغنياء/الاقوياء بعالم الفقراء/الضعفاء، عبر سياقات محكمة غير متكافئة، تضمن “الياتها” و”قوانينها” الربح والسيطرة المتزايدة للاغنياء، والخسارة والتبعية المستمرة للفقراء. لا يفلت منها -الا جزئياً- من استطاع تحرير نفسه من ضوابطها، او بعضها. فـ(1%) من سكان الارض، يسيطرون على (50%) من ثروات العالم. و”اللصوصية” (Kleptocracy) العظمى هي نظام الهيمنة والرأسمالية المتوحشة. فالفرعيات مهمة فقط، عند تأكيد الحقيقة الكبرى، لا عند اخفائها، والا سنستمر في الدوران في مكاننا.
2- في نقضه الثاني سيرد على نفسه، بقوله: “المنظومة التي تأسست منذ الاحتلال (2003) وحتى يومنا هذا هي اسوأ منظومة مرت بالعراق المعاصر، فالاحتلال جلب معه اقلية (Oligarchy) مكنت مجموعة من الحرامية (Kleptocracy) من نهب اكثر من ترليون دولار من واردات النفط”. فهو يتفق ان الاحتلال هو المسؤول الاول. فلماذا ينفيها في اولاً، ويؤكدها في ثانياً.
ومن هي الاقلية التي جلبها الاحتلال؟ أهي من اسقط مشاريعه لكتابة دستور بدون جمعية منتخبة؟ ام من قاومه سياسياً وعسكرياً، واخرج قواته؟ ويعمل على انهاء تواجده؟ ألم يكن الاستاذ الجنابي وزيراً في الحكومة المؤقتة (للدكتور علاوي 2004). ونائباً لرئيس اللجنة الدستورية، واحتل مواقع قيادية، تنفيذية وتشريعية. فاذا كان سيعفي نفسه، وهذا حق. فمن الحق اكثر ان لا يغمز ويلمز من قناة من هم، بوضعه او يتقدمونه.
وحول لصوصية الترليون، نعلق:
• بلغ مجموع الموارد النفطية (1.034) ترليون دولار للفترة 2005-2022. وهو اكثر حساب يُراقب خارجياً وداخلياً. لكنه، اكثر حساب اسيء استخدامه اقتصادياً. وهذا يختلف عن تمكين “مجموعة من الحرامية من نهب اكثر من ترليون دولار”، وفق “الجنابي”.
• شكل القرار الاممي (1483) المجلس الدولي للرقابة والاشراف (IAMB)، وضم ممثلين امميين ومن الجامعة العربية. هدفه مراقبة وتدقيق التصرفات المالية العراقية، وتحديداً عائدات النفط (OPRA). وضمان صرفها لمصلحة الشعب عبر الموازنات، واستقطاع (5%) كتعويضات للكويت، والبالغة (52.4) مليار.
ظل حساب المقبوضات النفطية (OPRA) وصافي حساب (DFI) يدقق سنويا من شركة تدقيق عالمية، وتقاريرها موجودة. وبموازاة ذلك، شُكلت لجنة خبراء عراقيين ( COFE عبد الباسط تركي وعادل الحسون واخرين) للاشراف على حساب صندوق التعويضات في جنيف، وحساب المقبوضات النفطية، اللذين يدققان سنوياً من شركة التدقيق الدولية لنهاية 2022. وانهت (COFE) اعمالها وسلمت وثائقها “للرقابة المالية” بانتهاء تعويضات الكويت قبل اشهر.
فموارد النفط لا تستلمها الحكومة العراقية من المتعاقدين مباشرة، كالسابق، فيسهل وضع اليد عليها ونهبها. والاموال تصرف حسب الموازنات السنوية، وبرقابات دولية وداخلية من قوى مختلفة رسمية ومجتمعية. هذه الاجراءات لن تمنع التلاعب والفساد والسرقة. لكنه تلاعب وفساد لحقوق واضحة قيمها وارقامها. فليس هناك اموال او نسب تذهب -كالسابق- الى حزب، او شخصيات وجهات، او صفقات مستقلة تُعقد مع المشترين والمتعاقدين. فهل اسميتم الانظمة السابقة بـ”اللصوصية”، وقد تجاوزت اية رقابة، وصرفت الاموال باوامر وقرارات عليا، دون نقاش.
• لا نشيد بالموازنات، فهي تعكس طبيعة الدولة الريعية ومساراتها الخاطئة وتستبطن الكثير من الفساد والسرقات والهدر. لكنها تبقى السبيل الافضل لمتابعة مسار الاموال. صحيح ان الموازنات هي تقديرات تسبق الصرف. وما يجب اعتماده هو الحسابات الختامية. التي -حسب علمي- قد انجزت لمعظم السنين، وكان من المفترض تقديمها مع موازنة 2020. وان تقديمها من شأنه تشخيص العديد من مواطن الخلل في النفقات ومآلاتها.
• انطلاقاً من نسب الانفاق الفعلية للفترة (2005-2022)، حسب البيانات المنشورة في الموقع الرسمي لوزارة المالية يمكننا تشخيص الجهات والنسب الفعلية لانفاق (1.034) ترليون دولار كموارد نفطية للسنوات 2005-2022، مضافاً اليها بقية الواردات غير النفطية والقروض، والتي ستجعل الموارد القابلة للانفاق بحدود (1.3) ترليون دولار.
وعليه، بلغ مجموع النفقات الفعلية (اؤكد الفعلية وليس التقديرية) للاعوام 2005-2022 (1.562،249،281،206،200) دينار، اي (1 كوادريليون و 562 ترليون و249 مليار و281 مليون و206 الف و200 دينار) اي حوالي (1.3 ترليون دولار حسب سعر الصرف قبل 2020). وادناه النفقات حسب الابواب ونسبها المئوية للمجموع، لتلك الفترة:
1- (42.73%) تعويضات الموظفين (671.544،861،098،640دينار)، كردستان غير مشمولة: (29.65%)الرواتب، (8.58%) الرواتب التقاعدية، (1.73%) شبكة الحماية الاجتماعية، (1.67%) دعم الشركات العامة و(1.10%) رواتب المنح.
2- (10.73%) سياسات الدعم (168.615،441،889،152دينار): (3.39%) البطاقة التموينية ، (1.27) غاز ايران، (1.20%) الحنطة والشلب، (0.80%) استيراد الطاقة، (1.08%) استيراد الادوية، (0.94%)كلفة انتاج النفط الخام، (1.20%) منح تشغيلية اخرى، (0.57%) دعم المزارعين، (0.22%) دعم النازحين والهجرة والمهجرين و(0.05%) استيراد الوقود.
3- (4.98%) الديون وفوائدها (78.337،285،208،370دينار): (2.64%) تعويضات الكويت و(0.88%) الديون من النظام السابق (نادي باريس) والجديدة، و(1.46%) الفوائد.
4- (11.08%) بقية النفقات التشغيلية للوزارات والمحافظات (174.121،900،050،737دينار)
5- (24.74%) المشاريع (388.802،122،478،854دينار): المشاريع الاستثمارية (18.10%)، و(6.64%) مستحقات عقود التراخيص.
6- (5.73%) تشغيلية واستثمارية لاقليم كوردستان (90.060،563،681،697دينار). هذه محتسبة من اجمالي النفقات، ويجب عدم الخلط بينها والنسب التي تذكر بالموازنات، والتي تحتسب بعد طرح النفقات السيادية والحاكمة.
7- بالطبع يجب اضافة احتياطات البنك المركزي وحساب الحكومة العراقية والحسابات المالية للوزارات والمؤسسات الحكومية، الخ. وهذه تمثل فيضاً وليس نفقة يجب اضافتها، اذا اردنا معرفة مجمل موارد الدولة، وليس نفقاتها.
فالكلام عن “دولة لصوصية” او “نظام لصوصي” Kleptocracy، تحكمه اقلية Oligarchy تشويه للحقيقة وتضليل للوعي والرأي العام بعدم تسمية الاشياء باسمائها. فاللصوص موجودون في كل الدول والانظمة. بل كان النظام السابق -كدولة ونظام- اكثر لصوصية وتجاوز على المال والممتلكات الخاصة والعامة، بسبب الدكتاتورية والتفرد، والتعاقدات المباشرة وانعدام الرأي الاخر، وغياب المؤسسات التشريعية والرقابة الداخلية والخارجية المستقلة فيه. رغم ذلك لم نسمه بالدولة والنظام اللصوصي. فالدولة والمجتمع العراقيان