مُباح التكنولوجيا ومحظورها.. أجهزة التعقب!
انتشرت أجهزة الاقتران والتعقب التي تعمل بتقنية «بلوتوث» على نطاق واسع، وباتت تراقب العالم المحيط بأساليب لم يسبق لها مثيل من قبل. وبالنسبة للذي اعتاد دوماً إضاعة مفاتيحه أو محفظته، توفر هذه التقنيات من شركات عملاقة مثل «أبل» و«سامسونغ»، وبعض مشغلات الأدوات المتخصصة مثل جهاز «تايل» من شركة «Life360»، طريقة جديدة للتعامل مع المقتنيات الشخصية. أما بالنسبة لأصحاب الحيوانات الأليفة، فإن أجهزة بلوتوث هذه أفضل حل لضياعها المحتمل.
قال جاستن كابوس، أستاذ هندسة العلوم والكمبيوتر في كلية تاندون وعضو مركز الأمن السيبراني بجامعة نيويورك: «إذا كنت ممن ينسى مفاتيحه، أو محفظته، أو حتى أطفاله، وتريد تعقبهم، فهذه التقنية مفيدة للقيام بذلك». في إشارة إلى إمكانية وضع علامات لتتبع الأشخاص على وجه التحديد، وهي النقطة التي كثر الجدال حولها مؤخراً. وأضاف: «إذا كنت ترغب في تتبع شخص ما، فهذا ما تم تصميمه من أجله بالضبط، وهنا تكمن المشكلة حقاً. لديك شيء بغرض استخدام ما، لكن استخدامه الضار متطابق تقريباً».
وعلى الرغم من أن أجهزة تعقب البلوتوث توفر الأمان وراحة البال للمستخدمين، إلا أن المصنعين أوضحوا أنه لم يتم تصميمها أبداً لتتبع الأشخاص. وتركز أبل في رسائلها باستمرار على أن أجهزتها تتتبع العناصر الشخصية فقط ولا تطارد الأفراد.
لكن هذا لا يغير حقيقة أنه مثلما حصل مع معظم التطورات التكنولوجية المتسارعة في العقود الأخيرة، من الهواتف إلى وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، لا يمكن أن يحدث اختراق أو ثورة تقنية ما دون وجود جانب سلبي محتمل.
في ما يلي بعض الأساسيات التي تجب معرفتها حول متتبعات بلوتوث إذا كنت تستخدم واحدة بالفعل، أو تفكر في اقتنائها.
- خطر التتبع حقيقي
تم الإبلاغ عن العديد من الجرائم التي تنطوي على استخدام أجهزة البلوتوث داخل السيارات لمطاردة الضحايا، وتحديداً النساء الأصغر سناً والنساء اللائي يطاردن من قبل أزواج أو علاقات سابقة.
وقال آدم دودج، الرئيس التنفيذي لشركة تعليم السلامة الرقمية EndTAB وعضو اللجنة الاستشارية للعدالة الرقمية التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي: «المشكلة مع تقنية تعقب البلوتوث أنه لا توجد طريقة لإيقاف مطاردة أو تتبع أحد أجهزة الضحية لأن الأخير ببساطة لا يتحكم بها، وليس لديه إمكانية الوصول. مضيفاً أنه في هذه الحالات تعتبر الدعوى القضائية للمتضرر خطوة في الاتجاه الصحيح، استناداً إلى أن هذه المنتجات خطرة بطبيعتها وتفتقر إلى الضمانات الأمنية الكافية.
وبالفعل، اتخذت شركة أبل الكثير من الخطوات لمعالجة هذه المشكلات وجعل أجهزة التتبع أقل فعالية.
- تنبيهات صوتية
تمكن العديد من ضحايا حالات التتبع من تحديد أنه يتم تعقبهم بعد تلقيهم إشعاراً صوتياً على جهاز آيفون الخاص بهم يفيد بأن جهاز «AirTag» موجود معهم. لكن كانت هناك شكاوى حول مستوى صوت التنبيه المنخفض.
وقالت كاثلين موريارتي، كبيرة مسؤولي التكنولوجيا في مركز «إنترنت سيكيورتي»: إن التنبيه لا يحدث ضجيجاً حتى أنك قد لا تشعر به، لذلك عليك أن تكون حذراً ومدركاً لحدوثه.
تلافياً لهذا الأمر، اتخذت أبل تدابير لرفع مستوى الصوت المنبعث من جهاز «AirTag»، مع العديد من التحسينات المضادة للتتبع. وصرحت الشركة في تحديث شهر فبراير بأنه قد تم تعديل تسلسل النغمات وإضافة المزيد من النغمات الأعلى لتسهيل العثور أكثر على جهاز تتبع مخبأ هنا أو هناك.
- تطبيق القانون
في تحديث فبراير أيضاً، أدرجت صانعة آيفون تحذيراً جديداً بشأن الخصوصية أثناء تثبيت إعدادات AirTag ينص صراحة على أن تتبع الأشخاص دون موافقتهم جريمة يحاسب عليها القانون. وبأنها ملتزمة بالاستماع إلى التعليقات والابتكار لإجراء تحسينات تسهم في مزيد من الحماية من التتبع غير المرغوب فيه.
وعلق دودج من EndTAB قائلاً: إن بيان أبل الواضح للغاية، بأنها تعمل مع سلطات إنفاذ القانون لتتبع الجناة المحتملين، مهم جداً لمستخدمي هذه التقنيات. لكن هنا يكمن التحدي، فالعديد من هؤلاء ما زالوا لا يعرفون أن الشركة ستتعاون، خاصة أن هكذا علاقات بين سلطات إنفاذ القانون وعمالقة التقنية لم تكن سلسة تاريخياً.
- الكشف والإنذار
إن من بعض أكبر التحديثات التي أجرتها أبل وسامسونغ والشركات المصنعة الأخرى هي التطبيقات المخصصة لتحسين الكشف والإنذار المبكرين.
فقد تم حل مشكلة التنبيه الصوتي ل AirTag من خلال تطبيق Precision Finding من أبل لأي جهاز «آيفون 11» أو طراز أحدث، والذي يدل المستخدم فعلياً على مكان جهاز التتبع غير المعروف، مع إظهار المسافة الدقيقة بينهما، وإصدار صوت تنبيهي من جهاز AirTag منفصل عن مالكه الأصلي.
وعلق دودج بالقول: «كل ما نحتاج إليه هو الكشف والإنذار المبكرين، وزيادة الوعي في مجتمعنا بأن هذا يمثل خطراً حقيقياً. لقد زادوا مستوى الصوت، وخفضوا الفترة الزمنية لتنبيه شخص ما إذا كان يتم تعقبه، لكننا نرغب في رؤيتهم يذهبون إلى أبعد من ذلك».
بالنسبة لمستخدمي نظام iOS 14.5، يمكن أيضاً التعرف إلى AirTag عند وصول المستخدم إلى المنزل، وإذا تم ملء البيانات في قسم جهات الاتصال، أو إذا تم تشغيل خدمات الموقع، فهذا هو الإعداد الافتراضي. تجدر الإشارة هنا إلى أن أبل لا تفصح عن فترة زمنية قياسية عند بدء التنبيهات لأسباب أمنية، حيث تتراوح الفترة الزمنية العشوائية من 8 ساعات إلى 24 ساعة.
وقد بذلت سامسونغ جهداً لتوفير تقنية اكتشاف مماثلة لمستخدمي هواتف أندرويد، من خلال تطبيق Tracker Detect في متجر «غوغل بلاي»، والذي يتيح لمستخدمي النظام البحث عن العناصر التي لم تعد مع المالك الأصلي. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من تدابير السلامة. وهذا مهم بشكل خاص لأن هواتف أندرويد أكثر شيوعاً في المجتمعات المحرومة والأشخاص ذوي الدخل المنخفض، والذين لا ينبغي أن يكونوا أكثر عرضة لخطر التبع نتيجة للاقتصاد الاجتماعي.
- «Tile» وسامسونغ
في أواخر عام 2020، أطلقت سامسونغ ميزة «SmartThings Find» في تطبيق «SmartThings»، تُمكن مستخدمي «جالاكسي» من تحديد موقع هواتفهم المفقودة. وأضافت الشركة لاحقاً تحديثاً يسمح لهم بالبحث عن أي علامات ذكية أو أجهزة تعقب غير معروفة بالقرب منهم باستخدام خاصية البحث عن الأشياء «Unknown Tag Search».
وفي مارس/آذار الماضي، طرح جهاز التعقب «تايل» من شركة «Life360s» تحديثاً مشابهاً يسمى Scan and Secure، يتيح لمستخدمي «آي أو إس» و«أندرويد» اكتشاف أي أجهزة قريبة من خلال عملية «فحص يدوية» مدتها 10 دقائق. واعتماداً على الموقف، قد لا تكون التنبيهات التلقائية في مصلحة الشخص الذي يعيش مع المعتدي ويحاول الهرب، فمن غير المنطقي انتظار تنبيه بعد ساعات أو وفق جدول زمني معين بأن هناك عملية تعقب.
- ماذا تفعل إن كنت ملاحقاً
على الرغم من أنها ليست الفكرة الأفضل، لكن باستطاعة أي شخص إتلاف جهاز التعقب ببساطة. أما لمن يريد تطبيق القانون، يعني تدمير الجهاز أنك فقدت رقمه التسلسلي، وبالتالي ضاع غريمك أو الجاني. فإذا اكتشفت جهاز تعقب بلوتوث غير معروف في محيط حركتك، فهناك طرق لتعطيله.
يمكن لمستخدمي الهواتف الذكية تعطيل جهاز AirTags من «أبل» عن طريق تثبيت الجزء العلوي من هواتفهم بجوار الجانب الأبيض من الجهاز، وسيؤدي هذا إلى توجيه إشعار ينقل المستخدمين إلى الرقم التسلسلي ل AirTag، يمكنهم بعد ذلك الوصول إلى الإرشادات لتعطيله. وتقدم الشركة إرشادات العملية بالتفصيل عبر موقعها على الإنترنت.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بطاريات AirTags يمكن إزالتها بسهولة، وهي طريقة بسيطة لتعطيل الجهاز، ولكن هذا ليس هو الحال مع باقي الأجهزة مثل «تايل» التي تعمل ببطاريات غير قابلة للاستبدال. وهنا توصي الشركة بلف الجهاز بعدة طبقات من الرقائق المعدنية أو وضعه في كيس إلكتروني مخصص لحجب الإشارات.
- إلى أين تتجه الصناعة؟
تؤكد حالات التتبع المرتفعة التي تنطوي على أجهزة بلوتوث مخفية ضرورة توخي الحذر واليقظة للأشخاص بشأن خصوصيتهم، ولكن من المحتمل ألا تثني هذه المشكلات العملاء المحتملين، فهذه الأجهزة وجدت لتبقى ومن المتوقع أن تشهد زيادة في المبيعات. ومع تطبيق المزيد من ميزات الأمان فيها، تحتاج الشركات إلى تحقيق التوازن بين الأمان وسهولة الاستخدام.
قالت موريارتي من «إنترنت سيكيورتي»: «يمكنك اتخاذ موقف متشدد للغاية والقول إن التكنولوجيا ليست جيدة لأنه يمكن استخدامها لأغراض التتبع، لكننا في وضع بدأنا فيه استخدام هذه التقنيات بالفعل، لذا من الصعب التراجع».
أما جاستن كابوس الأستاذ في جامعة نيويورك فيعتقد أنه إذا أصبحت التقنية أقل فائدة للمستهلكين بسبب القيود المفروضة لوقف هذه الأنواع من الهجمات، فمن الممكن أن يرتدع الناس عنها. لكنه مع ذلك، رجّح استمرار استخدامها على نطاق أوسع».
وشدد دودج على أن أجهزة تعقب البلوتوث ما هي إلا مجموعة فرعية من الظاهرة الأوسع بكثير لتتبع الموقع باستخدام التكنولوجيا، سواء من خلال تطبيقات توصيل الطعام أو مواقف السيارات، أو تطبيقات اللياقة البدنية، وغيرها الكثير. وبالتالي، فإن هواتفنا الذكية هي تطبيقات التتبع في نهاية المطاف.