الدولار، قيد أم ضمانة؟
في (24/1/2023) نشرت مقالة بعنوان “الدولار ضريبة الاغنياء على الفقراء”، ودور الفيدرالي في الازمة، بجانب دور الاقتصاد الريعي واعتماده الواردات النفطية التي قوامها الدولار، ايضاً. وبسبب وقوعنا لفترات طويلة تحت احكام “الفصل السابع” وتأسيس ما سمي بـ(صندوق اعمار العراق-DFI)، فان كافة وارداتنا تذهب الى نيويورك التي تتعامل معنا باعتبار الدولار عملتها الوطنية، فتفرض علينا شروطها، بغض النظر عن مصالحنا. رغم ان للدولار صفة دولية حسب اتفاقات “بريتون وودز” تفترض الحيادية، المفقودة بسبب نظام الهيمنة العالمية.
استهدفت المقالة اعلاه شرح أسباب الازمة، لكن البعض طالب بحلول. وكنا قد طرحنا في مقالة سابقة بعنوان “سعر الصرف وأزمة الخزينة والموازنة” بتاريخ (21/12/2020) بعد تبني قرار متسرع لخفض العملة الى (1450) دينار/دولار، حلولاً -بجانب حلول اخرى-، منها تشجيع وسائل الدفع الوطنية، وتحفيز المنتج الوطني من السلع والخدمات اللانفطية لتصبح هي الثقل الاكبر في الاقتصاد وعرض العملة، دون اهمال القطاع النفطي، والتخلص او على الاقل التخفيف من قيود “الفيدرالي”. مثل هذه الاجراءات باتت اليوم اكثر ضرورة لاستثمار بعض عوامل القوة التي يملكها العراق حالياً، وكذلك الزخم النفسي الايجابي المتولد لمصلحة الحكومة والمركزي، بعد القرار الشجاع لرفع سعر العملة (1300-1350) دينار/دولار. نقول شجاع ليس فقط لانه 1- قد يضحي ببعض احتياطات المركزي والمالية، ويزيد من عجز الموازنة، مما يتطلب الحذر وسرعة تبني سياسات مدروسة مضادة للاثار السلبية التي ستتولد بالضرورة، بل 2- لاتخاذه ايضاً سياقات مخالفة لتوجيهات “صندوق النقد الدولي” وضغوطاته المتوقعة. وهذه بعض مقترحات المقالة المذكورة، كما وردت نصاً:
[في السنوات الاخيرة، الموارد النفطية 40-60 مليار دولار سنوياً، والناتج الوطني الاجمالي 5-6 اضعاف هذا الرقم، اي هناك جزء مهم من الناتج الوطني الاجمالي، ينتج وطنياً سواء بالاستناد الى الموارد النفطية او غيرالنفطية.
1- هنا يمكننا ان نحدث اختراقاً لتحريك الاقتصاد ودعم العملة الوطنية وتقليل مخاطر الاعتماد المطلق على العملة الاجنبية، من خلال تشجيع الدولة، وبضماناتها المباشرة وغير المباشرة، لوسائل الدفع بما يسمى بالعملة العريضة او الواسعة Broad Money (M2, M3, M4) شبه المجمدة حالياً، وغير المستثمرة عملياً. فعند تنشيط هذه الاتجاهات ومنحها الثقة والحماية سنوفر سيولات كبيرة يحتاجها الاقتصاد والخزينة والموازنة والتي سيتم تغطيتها وتسديدها من توسع النشاطات الاقتصادية.
2- نقول المجمدة لان جزءاً من السيولة التي ستوفرها زيادة التسهيلات في “العملة العريضة” سيتأتى غطاؤه من السلع والخدمات التي تنتج خارج الموارد النفطية، وهو ما سيسد لاحقاً الفجوة بين عرض العملة وغطائها او احتياطاتها.
3- هناك شروط تبدو ممكنة ويمكن للسلطة الاقتصادية تبنيها بسهولة نسبية، شرط تقبل العقول لها. ففي العراق هناك “طلب فعال” مهم سببه كثرة الانفاق، يتم تلبيته الان عن طريق الاستيرادات والحاجة المتزايدة للقطع الاجنبي. وفي العراق هناك خبرة وقدرات انتاجية عطلتها الحروب والحصار والتوجهات الاقتصادية الريعية وغير الريعية الخاطئة. خصوصاً في الحاجيات التي يمثل “الميل الحدي للاستهلاك” (غلبة الانفاق الاستهلاكي الحياتي الضروري) عنصراً اساسياً لها. هذا “الطلب الفعال” الذي معظمه لاصحاب الدخل المحدود يمكن تمويله ابتداءاً عن طريق “العملة العريضة” وبضمانات سيادية مباشرة وغير مباشرة، حتى وان لم تكن لها غطاءات او احتياطات ابتدائية تقابلها. وبشروط معينة يمكن للطلب هنا ان يحرك الانتاج الوطني اللاحق الذي سيسد الفجوة ويعيد التوازن ويجعل للعملة الوطنية “العريضة” مقابل او معادل من السلع والخدمات الاضافية. وهكذا، تتحرك النشاطات والانتاج والاسواق والعمالة، وتتولد دورة انتاج موسعة جديدة ترفد الاقتصاد وتساعد على تصاعد الاحتياطيات وتمويل الخزينة والموازنة بالمزيد من العملة الوطنية والايفاء بما سعت الضمانات لتحقيقه، فتقلل من الاعتماد على القطع الاجنبي (الدولار اساساً) وتزيد نسبة ناتج القطاع غير النفطي في الناتج الوطني الاجمالي.
4- ومن الشروط، جعل تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، الفردية والجماعية، الوطنية والاجنبية ومنح الاجازات والتسهيلات اولوية، تتراجع امامها كل العقبات الشاذة غير المبررة لتكون فلسفتنا، اولوية الانطلاق وليس الكبح. معوقات كثيرة قانونية وبيروقراطية ومجتمعية وسياسية وفكرية وشكلية داخلية وخارجية، لا تنفع سوى في زيادة الابتزاز والعطل والفساد. كذلك الاهتمام بالمخرجات كاولوية ومعيار للنجاح في التعاقدات والاعمال، ولتوفير المدخلات الضرورية سواء في العقود الحكومية او المشاريع الخاصة. وحماية الانتاج والمنتجين سواء باجراءات الحماية كلما امكن ذلك، او بتشجيع المنتج وترويجه وتقديم المساعدة مادياً وفي السماحات والاعفاءات والدعم، وكل ما يتطلبه الامر للنجاح في ذلك.](انتهى)
عادل عبد المهدي