ما قصة “حليب النمل” الذي أثار الكثير من الجدل في عدد من الدول العربية؟
تداولت العديد من الصحف والمواقع العربية، قبل أيام من نهاية عام 2022، تصريحات حول عنصر جديد تم اكتشافه حديثاً، يضاهي أو حتى قد يفوق القيمة الغذائية لحليب الرضاعة الطبيعي للأم.
هذا العنصر المُكتشف حديثاً هو حليب النمل، ونظراً لتسميته الغريبة فقد ثارت موجة من السخرية ضده، واعتقد البعض أنها تصريحات مغلوطة، باعتبار أن النمل لا يمكن له أن يفرز حليباً وهو يبيض، ناهيك عن استغلال البشر لمركّب نادر مثل هذا للحصول على قيمته الغذائية.
فما قصة حليب النمل الذي أثار الكثير من الضجة والجدل؟
جدل وسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي
بعد عدد من التصريحات لخبراء التغذية والأبحاث العلمية في مصر والكويت، وبعض الدول العربية الأخرى، اندلعت موجة من السخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، خاصة تويتر، معتبرين أن ترشيح حليب النمل كبديل غذائي ما هو إلا خرافات.
وقد اندلع الجدل بعد تصريحات خبيرة علم الحشرات، الباحثة الكويتية جنان الحربي، التي قالت فيها إن حليب النمل يعد واحداً من أحدث وأغرب الاكتشافات، وهو يساعد في بناء المناعة ويعزز فرص البقاء.
وتابعت: “حليب النمل مشابه في الصفات العضوية لحليب الأم البشري، المعروف بالكولستروم، الذي يحتوي على نسبة عالية من البروتينات والأجسام المضادة، التي تحمي المولود من الأمراض لفترة بعد الولادة، وتكسبه مناعة طبيعية مؤقتة، وللعلم حليب النمل هو الذي أطلق عليه العلماء السائل الاجتماعي”.
لتنهال التعليقات الساخرة على التصريحات، معتبرين أنها مزحة لا أساس لها من الصحة، وقيلت فقط لتبرير مستويات الفقر المتزايدة، والتي دفعت بالناس إلى استهلاك مكونات غير مألوفة عربياً بسبب الغلاء، مثل موجة الترويج الأخيرة لفوائد أرجل الدجاج مثلاً.
وفي تعليق على التصريحات، نشر حساب باسم علي بن أحمد، صورة كاريكاتيرية ساخرة توضح كيف سيقوم باستغلال النمل للحصول على الحليب الصحي استغلالاً لعناصره الغذائية.
بينما تقول انتصار المعتوق: “النمل اللي فيه مكفيه، حاطين عينكم على حليب شرانق النمل؟”.
ويختتم معلق أخير بقوله ساخراً “جاري البحث عن نملة”.
تجارب مثيرة للاهتمام!
بالرغم من أن توقيت تصريحات الخبيرة قد ساء تقديره فعلاً، باعتباره جزءاً من موجة جديدة من الترويج لعناصر غذائية غير مألوفة لتلافي غلاء السلع الاستهلاكية الآخذ في التصاعد، بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فإن خبراء عالميين توصلوا فعلاً لاكتشافات مذهلة، فيما يتعلق بهذا الخصوص، إذ يتضح أن حليب النمل هو آخر وأغرب الاكتشافات العلمية التي تم التوصل إليها في 2022.
فقد لاحظ العلماء في بحث بيولوجي، تم إعلان نتائجه في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، أن النمل يتغذى على مادة غنية بالمغذيات، تطلقها نوعيات أخرى من النمل.
ووجدوا أن الشرانق، وهي المراحل الأخيرة لتطور النملة قبل أن تصبح بالغة، تفرز سائلاً غذائياً مركزاً يستهلكه كل من النمل البالغ ويرقات النمل الصغيرة في طور النمو، ويبدو أن هذا التبادل حيوي للبقاء على قيد الحياة وفي صحة جيدة في مستعمرات النمل.
“إكسير حياة” يساعد المستعمرة على البقاء
وتوضح المؤلفة الأولى للدراسة وعالمة الأحياء في جامعة روكفلر الأمريكية، أورلي سنير، لمجلة Nature العلمية، أنه عندما عُزلت شرانق النمل المهاجم من مستعمرتها، أنتجت الشرنقات الكثير من السوائل، لدرجة أنهم غرقوا فيها تقريباً.
ولمعرفة ما إذا كانت الشرانق تفرز تلك المادة خصيصاً بغرض تغذية المستعمرة بالكامل، تم حقن الشرانق بصبغة زرقاء وأعادوها إلى مستعمرتها. ووجدوا لاحقاً أن أحشاء النمل واليرقات البالغة كانت ملطخة باللون الأزرق، ما يشير إلى أن النمل كان يأكل السائل.
ولاحظ الباحثون أيضاً بحسب مجلة National Geographic، أن البالغين يضعون اليرقات على ما يبدو على الشرانق، حتى يتمكنوا من إطعامهم في الأوقات المختلفة لكي يكتمل نموهم.
اكتشاف “حليب النمل” وأهميته
قام العلماء بتحليل السائل، ووجدوا أنه يحتوي على البروتينات والأحماض الأمينية والسكريات والفيتامينات، ووفقاً لمجلة Smithsonian العلمية، وجدوا أيضاً أنه بدون السائل لم تنمُ اليرقات، وانخفض معدل بقاء مستعمرة النمل على قيد الحياة.
لذلك خلصوا إلى أن السائل يعمل كحليب الرضاعة من نوع ما، حيث يوفر العناصر الغذائية الأساسية للنمل ومستعمراته النامية، ولولاه لماتت الشرانق من الالتهابات الفطرية.
ومع ذلك، لم يتناول الخبراء بأي شكل ما إذا كان الاكتشاف الحديث قابلاً للاستغلال، لكي يكون عنصراً غذائياً قابلاً للاستهلاك البشري، معتبرين أن حليب النمل يلعب دوراً محورياً في تعريف العلماء بكيفية عمل مستعمرات النمل وقدرتها على البقاء في مختلف الظروف البيئية، دون أن تنقرض وتفنى تماماً مثل العديد من الكائنات الحية الأخرى.