هل ينقذها بايدن؟.. 7.4 تريليون دولار خسائر شركات التكنولوجيا في عام
على الرغم من أن قطاع التكنولوجيا كان يُنظر إليه على أنه مجال كائن للأبد مع استقرار دائم في أسهمه، فإن كل هذا ذهب في عام واحد.
ففي هذا الوقت من عام 2021 كان المؤشر «ناسداك المركب» قد بلغ ذروته للتو؛ حيث تضاعف منذ الأيام الأولى للوباء، وكان الاكتتاب العام الأولي الرائد لشركة «ريفيان» هو الأحدث في عام قياسي للإصدارات الجديدة، وشهدت عمليات التوظيف ازدهاراً، وكان موظفو التكنولوجيا في وضع جيد؛ بسبب القيمة العالية لخيارات الأسهم الخاصة بهم.
تحول هذا المشهد بعد 12 شهراً ليصبح مختلفاً تماماً. فشركات التكنولوجيا الأمريكية ال15 الأكثر قيمة لم تحقق عائدات إيجابية في عام 2021؛ حيث انخفضت القيمة السوقية لشركة «مايكروسوفت» 700 مليار دولار تقريباً، وتقلصت القيمة السوقية لشركة «ميتا» بأكثر من 70% من أعلى مستوياتها، مما أدى إلى القضاء على أكثر من 600 مليار دولار؛ من حيث القيمة هذا العام.
وفي المجموع خسر المستثمرون ما يقرب من 7.4 تريليون دولار، بناءً على الانخفاض الذي دام 12 شهراً في مؤشر «ناسداك».
«الفيدرالي» والتضخم
في هذا الوقت الذي تتضح بصمة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كل مكان، فقد تسبب رفع أسعار الفائدة في إعاقة الوصول إلى رأس المال السهل، أما التضخم المرتفع فقد جعل كل تلك الشركات أقل قيمة بكثير اليوم على الرغم من أنها كانت تعد بأرباح مستقبلية. وإلى جانب كل هذا هوت الأسهم السحابية وكذلك العملات المشفرة.
وما نتج عن هذا التراجع، هو أن الشركات في مجال التقنية، أصبحت تتجه إلى خفض التكاليف، وتجميد التعيينات الجديدة، وتسريح الموظفين الحاليين.
وأصابت خيبة الأمل، الموظفين الذين انضموا إلى شركات قبل الاكتتاب العام الأولي، واختار الكثير منهم أن تكون حوافزه في شكل أسهم؛ حيث أصبحت الآن في القاع؛ وكل ما بوسعهم الآن هو الانتظار على أمل حدوث انتعاش في المستقبل.
تباطأت الاكتتابات العامة الأولية هذا العام إلى حد كبير، بعد أداء جيد في 2020 و2021 عندما اجتازت الشركات تبعات الوباء، واستفادت من التوجه للعمل عن بُعد وقضاء الوقت في اللعب في المنازل، ومن توفر السيولة في ظروف الاقتصاد المدعوم آنذاك بالأموال الحكومية.
أما في الأسواق الخاصة، فهنالك من جمعوا المليارات من الاكتتابات العامة، وهو ما أدى إلى تضخم خزائن البنوك الاستثمارية وشركات رأس المال المغامر، وقد شهدوا انخفاضاً في تقييماتهم تواصل بعد ذلك.
فقد تراجعت شركة «ريفيان» بأكثر من 80% من ذروتها، بعد أن وصلت إلى قيمة سوقية عالية فاقت 150 مليار دولار، فيما تراجع خلال العام الماضي «صندوق النهضة للطرح العام الأولي» بنسبة 57% وهو سلة من الشركات الأمريكية المدرجة حديثاً.
تصور خطأ
اعترف المديرون التنفيذيون في مجال التكنولوجيا بأنهم كانوا على خطأ، ففي حقيقة الأمر كان «كوفيد-19» حالة عابرة؛ لذلك لن تتسبب في تغير أبدي في طريقة العمل واللعب والتسوق والتعلم؛ فقد جرت عمليات التوظيف والاستثمار على أساس أن الاجتماعات ستعقد مدى الدهر على الفيديو، والتمرن سيكون في غرفة المعيشة، وتجنب الطائرات ومراكز التسوق والمطاعم الداخلية، سيكون عادة.
ما حدث، وللمرة الأولى منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، أصبح مؤشر «ناسداك» على وشك الخسارة أمام «ستاندرد آند بورز» على مدى سنوات متتالية.
وفي المرة الأخيرة التي حدث فيها ذلك كان «ناسداك المعبأ بالتقنية» في ذيل امتداد من ضعف الأداء الذي بدأ مع انفجار فقاعة «الدوت كوم». بين عامي 2000 و2006، فاز «ناسداك» على «ستاندرد آند بورز» مرة واحدة فقط. فهل تتجه التكنولوجيا اليوم إلى نفس الواقع المؤلم؟
واقع «ميتا»
قبل تغيير اسم الشركة إلى «ميتا» في أواخر عام 2021 كان «فيسبوك» يقدم باستمرار للمستثمرين عائدات تتجاوز التقديرات مع النمو المربح بسرعة تاريخية.
فعلياً نجحت الشركة مرة واحدة في هذا التحول؛ حيث أدى إلى إنشاء وجود مهيمن على منصات الأجهزة المحمولة، وتحويل تركيز تجربة المستخدم بعيداً عن سطح المكتب. وحتى على خلفية إعادة فتح العالم وادعاءات المبلغين المدمرة حول خصوصية المستخدم، اكتسب السهم أكثر من 20% العام الماضي.
ولكن زوكربيرج لا يرى المستقبل كما يراه المستثمرون في «ميتا»، وأدى التزامه بإنفاق مليارات الدولارات سنوياً على «الميتافيرس» إلى إرباك «وول ستريت» التي تريد فقط أن تستعيد الشركة موطئ قدمها من خلال الإعلانات عبر الإنترنت.
وكانت المشكلة الكبيرة، والفورية، هي قيام «أبل» بتحديث سياسة الخصوصية الخاصة بها في «آي أو اس» بطريقة تجعل من الصعب على «فيسبوك» والآخرين استهداف المستخدمين بالإعلانات.
ومع انخفاض السهم بمقدار الثلثين، والشركة على وشك الربع الثالث على التوالي من انخفاض الإيرادات، قالت «ميتا» في وقت سابق من هذا الشهر: إنها تسرح 13% من قوتها العاملة، أو 11000 موظف، وهو أول تخفيض كبير لها على الإطلاق. وقال زوكربيرج: «لقد فهمت هذا الخطأ، وأنا أتحمل مسؤولية ذلك».
تسريح بدل التوظيف
لا يُعد إنفاق الأموال الطائلة على الموظفين بالأمر الجديد على «سيلكون فالي»، وكانت شركة زوكربيرج خير من يقوم بهذا؛ ولطالما كان بإمكان مهندسي البرمجيات الاعتماد على حزم المكافآت الضخمة من هذه الشركات، بقيادة «جوجل»، في معركة اجتذاب المواهب فوصلت رواتب التكنولوجيا إلى آفاق جديدة.
وبلغ الأمر في أمازون إلى دفع أكثر من 700000 دولار لمهندس أو مدير مشروع مؤهل، أما في شركة الألعاب «روبلوكس» فمن الممكن لمهندس رفيع المستوى أن يحصل على 1.2 مليون دولار.
وعلى الرغم من أن شركة البرمجيات الإنتاجية «أسانا»، التي ظهرت لأول مرة في سوق الأوراق المالية في عام 2020، لم تحقق أرباحاً أبداً، فإنها عرضت على المهندسين رواتب تبدأ من 198 ألف دولار.
تحولت الصورة في الربع الأخير من عام 2022 وبلغ إجمالي تسريح العمال في «سيسكو» و«ميتا» و«أمازون» و«تويتر» ما يقرب من 29000 موظف، أما في مجال التكنولوجيا بشكل عام، يصل الإجمالي لأكثر من ذلك؛ حيث أعلنت «إتش بي» هذا الأسبوع، أنها ستلغي 4000 إلى 6000 وظيفة خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وبالنسبة للعديد من المستثمرين كانت مجرد مسألة وقت، وكتب أحد المستثمرين التكنولوجيين الشهر الماضي قائلاً: إن الأمر ليس سراً في «سيلكون فالي»، أن شركات مثل «جوجل» و«ميتا» و«تويتر» و«أوبر» يمكن أن تحقق مستويات مماثلة من الإيرادات في وجود عدد أقل بكثير من الأشخاص.
جنون السباك
كانت هنالك ظاهرة في عامي 2020 و2021 وهي شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، «السباك»، التي تم إنشاؤها حتى يتمكنوا من العثور على شركات تقنية ناشئة، لشرائها وتحويلها إلى عامة.
وفي الولايات المتحدة العام الماضي، تم طرح 619 شركة السباك للاكتتاب العام، مقارنة ب 496 اكتتاباً أولياً تقليدياً.
وشركات «السباك» جعلت للشركات التي لم يكن لديها خلفية ترضي مستثمري الاكتتاب العام التقليديين، قادرة على الدخول إلى السوق العامة؛
وانخفض مؤشر «سي إن بي سي» «بوست سباك»، الذي يتتبع أداء أسهم «السباك» بعد طرحه لأول مرة، بأكثر من 70% منذ التأسيس وبنحو الثلثين في العام الماضي. ولم تعثر العديد من شركات «السباك» على هدف، وأعادت الأموال للمستثمرين.
وقام شماث باليهابيتيا، الذي كان يُطلق عليه في وقت من الأوقات ملك «السباك»، بوقف صفقتين الشهر الماضي، بعد فشله في العثور على أهداف اندماج مناسبة، وأعاد 1.6 مليار دولار للمستثمرين.
«يونيكورن»
ثم هناك عالم الشركات الناشئة والذي اشتهر على مدار أكثر من نصف عقد باسم «يونيكورن».
وفي العام الماضي استثمر المستثمرون 325 مليار دولار في شركات المخاطر هذه، وبلغت ذروتها في الربع الأخير من عام 2021.
ثم ذهب المال السهل منذ فترة طويلة، وأصبحت الشركات الآن دفاعية أكثر منها هجومية في تمويلها، فهي تجمع رأس المال، لأنها بحاجة إليه وفي كثير من الأحيان بشروط غير مواتية.
ويتم طرح كلمة الربح كثيراً هذه الأيام أكثر مما كانت عليه في السنوات الأخيرة. وهذا لأن الشركات لا يمكنها الاعتماد على مستثمري المشاريع، لدعم نموها كما أن الأسواق العامة لم تعد تدفع ثمن الأسماء عالية النمو والمرتفعة. ومضاعف الإيرادات الآجلة للشركات السحابية الكبرى الآن يزيد قليلاً على 10؛ بانخفاض عن ذروة 40 أو 50 أو حتى أعلى لبعض الشركات في الذروة في عام 2021.
لم يكن هناك سوى 173 اكتتاباً أولياً في الولايات المتحدة هذا العام، مقارنة ب 961 في ذات الوقت من عام 2021؛ وفي عالم رأس المال الاستثماري لم تكن هناك أي صفقات ملحوظة.
تمويل المستهلك
يعد التعامل بطريقة «اشتر الآن وادفع لاحقاً» خير مثال على التلاقي بين رأس المال الاستثماري والإنفاق الاستهلاكي.
استفادت شركات مثل «أفيرم»، و «افترباي» (التي استحوذت عليها بلوك)، و«كلارنا» السويدية من معدلات الفائدة المنخفضة والدخل أيام الوباء لوضع المشتريات الراقية مثل دراجات «بيلتون» التمارين الرياضية، في متناول يد كل مستهلك تقريباً.
وتم طرح الشركة للاكتتاب العام في يناير/ كانون الثاني 2021 وبلغت ذروتها عند أكثر من 168 دولاراً للسهم بعد نحو 10 شهور.
ونمت شركة «افيرم» بسرعة في الأيام الأولى للوباء؛ حيث تسابقت العلامات التجارية وتجار التجزئة، لتسهيل عملية الشراء عبر الإنترنت على المستهلكين.
وبحلول نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، أصبحت شركات «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» في كل مكان؛ منها «أمازون» وغيرها، وكان لدى العملاء مدخرات فائضة، وظلت معدلات التخلف عن السداد منخفضة، وسجلت «أفيرم» صافي معدل ديون مشكوك في تحصيلها يبلغ نحو 5%.
وهبطت الشركة بنسبة 92% من ارتفاعها، وبلغت ذروة هذه خلال الصيف عند ما يقرب من 12% كما أدى التضخم المقترن بارتفاع أسعار الفائدة إلى إسكات المستهلكين الذين كانوا منتعشين في السابق.
وشهدت «كلارنا»، المملوكة للقطاع الخاص، انخفاضاً في تقييمها بنسبة 85% في جولة تمويل في يوليو/ تموز، من 45.6 مليار دولار إلى 6.7 مليار دولار.
أزمة «تويتر»
بعد أن أتم إيلون ماسك صفقة الاستحواذ على شركة «تويتر» قام بسرعة بالاستغناء عن نصف القوى العاملة فيها ثم رحب بعودة الرئيس السابق دونالد ترامب على المنصة، بعد إجراء استطلاع غير رسمي، وهرب العديد من المعلنين.
وعادت حوكمة الشركات إلى جدول الأعمال بعد الانهيار المفاجئ هذا الشهر لبورصة العملات المشفرة «إف تي اكس»، والتي تمكنت من النمو إلى 32 مليار دولار مع عدم وجود مجلس إدارة أو رئيس مالي.
وبين عشية وضحاها فقدت شركات الرفاهية، مثل سيكويا وبلاك روك وتايجرغلوبال، استثماراتها.
وكتبت سيكويا في رسالة إلى شركاء محددين: «نحن في أعمال مخاطرة» تخبرهم فيها بأن استثمارها في «إف تي اكس» الذي كان بأكثر من 210 ملايين دولار آل إلى الصفر.
آراء متفائلة
يرى محللون أن حتى مع انهيار العملة المشفرة، وعمليات التسريح المتزايدة للعمال، واضطراب السوق العام، فليس كل شيء سيئاً وكئيباً بعد عام من ذروة السوق، ويشير أحدهم إلى التفاؤل في واشنطن؛ حيث سيؤدي قانون خفض التضخم الذي أصدره الرئيس جو بايدن وقانون الرقائق والعلوم إلى استثمارات في مجالات رئيسية في مجال التكنولوجيا في العام المقبل، ويرون بأن الأموال من تلك الفواتير ستبدأ في التدفق في يناير/ كانون الثاني.
وبالفعل أعلنت كلٌ من «انتل» و«ميكرون» و«تايوان لصناعة أشباه الموصلات» عن توسعات في الولايات المتحدة إضافة إلى ذلك هنالك توقعات نمو في مجال الرعاية الصحية والمياه النظيفة والطاقة النظيفة والنطاق العريض في عام 2023.