جيمس جويس شاعراً وموسيقياً
احتفل العالم مؤخراً، بمرور مئة عام على صدور الطبعة الأولى من رواية «عوليس» للروائي الأيرلندي الشهير جيمس جويس، وبعيداً عن تلك المناسبة المهمة، فقد أصدرت الكاتبة السورية سمرا محفوض، ترجمة كتاب بعنوان «موسيقى جويس.. نصوص وأشعار»، والكتاب يكشف عن جانب مجهول – عربياً – في شخصية جويس الإبداعية.
تتصدر الترجمة مقولة ت. إس. إليوت: «من المحتمل أن يكون السيد جويس موسيقياً؛ أشعاره غنائية، والشعر الغنائي الجيد نادر جداً، سوف تتم تسميتها «الهشة» لكنها أشعار جوهرية، وفيها عمق في التفكير، حول صنعة العمل وجودته».
جيمس جويس (1882-1941) هو الابن الأكبر لعائلة كاثوليكية من الطبقة الوسطى، عام 1898 دخل الجامعة ودرس اللغات، ما يظهر جلياً في أعماله عامة، وفي أشعاره خاصة، وكان والده يمتلك مهارات كبيرة كمغنّ، أما هو فكان يمتلك إرثاً موسيقياً؛ إذ إن صوته رائع، ومواهبه، ومعرفته الموسوعية والبيئة الموسيقية الغنية التي نشأ فيها، كان لها تأثير عميق في أعماله.
وتوضح سمرا محفوض، أن عدد الكتب التي كتبها جويس في حياته قليل، إذا ما قورن بإنتاج أي مؤلف آخر في زمنه، لكنه تجاوز بشكل كبير الحدود التي وضعها لنفسه في مساعيه السابقة، من حيث الأسلوب والموضوعية.
أما في الشعر، فقد قدم نمطاً شعرياً موسيقياً خاصاً به، وكان له في هذا المجال عملان مشهوران، وعدة أعمال أخرى منذ بداية حياته، حتى أواخرها، منها ما اندثر نظراً لظروف النشر الصعبة التي كان يعانيها، ومنها القليل الذي بقي، وكان تأثره بالموسيقى لا يخلو من أعماله الأخرى، وفي كل عمل يستخدم الموسيقى لنقل حكايته إلى الأمام، وبلغت ذروتها في «عوليس».
«موسيقى الحجرة» أول الأعمال المنشورة لجويس، كتبه بين العامين 1901 و1904، وهو عمل مؤلف من 36 قصيدة، تصف التأرجح في الحب المثالي بين الصعود والهبوط، وقد نشرت المجموعة في مارس/ آذار عام 1907، في لندن، بتوصية من الشاعر والناقد الأدبي، أرثر سيمونز، بعد أن رفضها أربعة ناشرين.
وتعكس القصائد الحالة العاطفية لجويس في تلك المرحلة، وفيها الكثير من السمات التي باتت ركائز لكتاباته اللاحقة مثل: الرقة، الجاذبية، إحباطات الحب، الخيانة، الرفض، القلق، دور الشاعر، وظيفة الفن.
وقد عزم جويس منذ البداية على توظيف القصائد لأجل الموسيقى، وفي يوليو/ تموز عام 1907 كتب إليه مولينوكس بالمر يسأله عن إمكانية تلحين القصائد، وفي عام 1909 أكمل بالمر تلحين معظم القصائد، فكتب إليه جويس يطلب منه تلحين بقية القصائد، قائلاً: «أرجو منك تلحين كامل القصائد فهذه كانت فكرتي عند كتابتها؛ فالكتاب في الحقيقة هو مجموعة من الأغاني، ولو كنت موسيقياً للحنتها بنفسي».
وترى سمرا محفوض أن التأثيرات الموسيقية لم تكن هي فقط ما يميز «موسيقى الحجرة»، وإنما أيضاً موضوعاتها وهيكلها والصور الشعرية فيها، فهناك جاذبية الحب وخيبات الأمل، وهناك تغير الفصول وصور الماء والعصافير وغيرها، فالكتاب أقرب ما يكون إلى كورال نثر ملحمي، يتطلب قراءته بصوت عال، لإحياء الكلمات الخاملة فيه.
وهذا بالضبط ما نصح به جويس حين قال «الأمر بسيط للغاية، إذا كان أي شخص لا يفهم مقطعاً ما، فكل ما يحتاج إليه هو قراءته بصوت عال»، وكتب جويس الشعر في هذه المرحلة بلغات أخرى منها الإيطالية، وأيضاً قام بترجمة عدة قصائد عن لغات، كما ظهرت الميول الشعرية لديه في أولى رواياته «صورة الفنان في شبابه» التي نشرت عام 1916 وهنا تكشف سمرا محفوض، أن جويس كتب عمله «جياكومو جويس» آخر ما نُشر من أعماله، في مرحلة من حياته كان ينهي خلالها روايته «صورة الفنان في شبابه»، وعلى وشك البدء في روايته الجديدة آنذاك «عوليس»، حيث نجد فيها الكثير من العبارات التي بُنيت عليها حوارات في «عوليس».