اخبار منوعةثقافة وفن

قصر آل سكر في جنوب العراق.. صرح تاريخي شاهد على مناهضة الاحتلال البريطاني

ما زال قصر القائد البارز في ثورة 1920 ضد الاحتلال البريطاني الشيخ عبد الواحد آل سكر من المعالم الأثرية المهمة الشاخصة في قضاء المشخاب بمحافظة النجف جنوب بغداد، حيث شهد أحداثا مهمة خلال تلك الثورة وتأسيس الدولة العراقية الحديثة.

ويعتبر آل سكر، المولود عام 1880 شخصية قيادية مؤثرة في “ثورة العشرين”، وكان له الدور الفاعل في استقلال العراق وتأسيس الملكية الهاشمية عام 1921.

أهمية تاريخية

ويقول حفيده أمير إمارة آل فتلة الشيخ عبد العزيز راهي عبد الواحد آل سكر (مواليد 1944) في حديث للجزيرة نت، إن “جده كان من رجال السياسة المحنكين، جاهد وضحّى بماله ونفسه من أجل تحرير بلاده”، مشيرا إلى أن قصر جده الأول تدمر بقصف الطائرات البريطانية عام 1921، وأدى القصف إلى سقوط الكثير من الضحايا، بالإضافة إلى خسائر مادية كبيرة، وأما القصر الثاني الموجود حاليا فهو ملاصق للقصر الأول وتم بناؤه في أربعينيات القرن الماضي.

ويؤكد أمير آل فتلة أن “قصر جده يمتلك أهمية تاريخية كبيرة حيث تم فيه استقبال الملك فيصل الأول وفيصل الثاني والوصي عبد الإله وكافة الوزراء، بالإضافة إلى جمع غفير من علماء الدين وشيوخ العشائر”.

وينوه إلى أن من أهم الأحداث التي شهدها القصر، الاتفاقية التي وقّعها السادة وشيوخ العشائر لإخراج الاستعمار البريطاني من العراق، وأصبح هذا القصر شاهدا على مقارعة الاحتلال الإنجليزي، كونه أصبح مقرا لقيادة “ثورة العشرين” في تلك المرحلة.

هندسة لبنانية

بدوره، يقول الشيخ منير عبد العزيز، حفيد آل سكر، إنه “بعد الاتفاق مع زعماء وشيوخ العراق بدأت مقاومة الاستعمار البريطاني، وتعرض قصر آل سكر للقصف باعتباره كان منطلق الثورة، واستهدف أفراد عشائر آل فتلة والعشائر المتحالفة مع جدي عبد الواحد آل سكر، وقام جدي بتسليم نفسه إلى قوات الاحتلال البريطاني، لإيقاف قتل أبناء عشيرته والعشائر الأخرى”.

ويلفت عبد العزيز في حديثه للجزيرة نت إلى أن البريطانيين قالوا لجده بعد أن سلم نفسه، “ما هي مطالبكم لإيقاف المقاومة؟”، فأجابهم “نريد تأسيس دولة عراقية وخروج الاحتلال البريطاني، فتحقق ذلك سنة 1921، ليتم تنصيب الملك فيصل الأول في هذا القصر”.

قصر آل سكر يمتلك أهمية تاريخية حيث استقبل فيه الملوك والوزراء ورجال الدين وشيوخ العشائر (الجزيرة)

وعن طراز القصر يقول آل سكر، إن تصميمه تم بالتعاون مع مهندس لبناني، وجرى بناؤه على مساحة 5 آلاف متر مربع، لكن القصر تعرض للتخريب في زمن نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بعد إعدام الشيخ راهي عبد الواحد آل سكر ومصادرة أمواله.

وبعد الغزو الأميركي عام 2003 تعرض القصر للحرق والتدمير، قبل أن يتم ترميمه من قبل عائلة آل سكر بجهود فردية، وما تزال عمليات الترميم مستمرة.

رمزية وطنية

من جانبه، يقول الباحث والكاتب في التاريخ العربي الحديث جواد عبد الله الفتلاوي، إن “عبد الواحد آل سكر هو زعيم وطني، وقصره كان دار الزعامة الوطنية التي قاتلت الاحتلال البريطاني”.

ويضيف للجزيرة نت أن الإنجليز أرادوا طمس معالم هذا القصر ورمزيته الوطنية من خلال تدميره، لأنهم كانوا يخططون لسياسة أكثر من 100 عام، وما حدث عام 2003 هو امتداد للاحتلال البريطاني.

وينوه الفتلاوي إلى أن “هذا القصر شهد تتويج الملك فيصل الأول على عرش العراق عام 1921 والذي جيء به من الحجاز، وسنة 1932 زار الملك غازي هذا القصر وكانت له لقاءات جماهيرية أمام القصر”. ويبين أن عائلة آل سكر رفضت تسليمه إلى دائرة الآثار وفضلت أن تقوم هي بإصلاحه وتطويره، وما يزال هذا العمل مستمرا حتى اليوم.

متحف أثري

ويرى الصحفي المختص بتحقيق الآثار حيدر الجنابي، أن هذا القصر ليس مجرد بناية اعتيادية، وإنما كان عبارة عن مقر عسكري، بالإضافة إلى تبنيه قضية الإصلاح الاجتماعي بين الخصوم والصلح بين العشائر، وكان لهذا المكان دور وطني كبير من خلال الوحدة الوطنية والدخول في قضايا تهم العراق.

وعن إمكانية تحويله إلى متحف يضيف الجنابي للجزيرة نت، أن وزارة الثقافة عليها مسؤولية تبني هذه المواضيع وتحويل الأماكن المهمة -مثل هذا القصر الوطني- إلى متاحف بدلا من إهمالها.

ويعتقد الجنابي أن قصر آل سكر جاهز ولا يحتاج إلى أشياء كثيرة، بل مجرد إدارته من قبل وزارة الثقافة، ورفده بالمقتنيات الأخرى الخاصة بثورة العشرين، مثل الأسلحة والسيوف والفالة (رمح متعدد الرؤوس) والمكوار (عصا ولها رأس صلب) وبعض الأدوات التي استخدمت في الثورة.

ودعا الجنابي وزارة الثقافة إلى الاهتمام بهذا المكان التراثي، وتحويله إلى متحف لثورة العشرين بديلا عن المتحف السابق الذي تم إلغاؤه قبل عام 2003.

من جهته، يدعو الناشط أحمد الحسيني إلى الحفاظ على التراث والإرث الثقافي والحضاري من خلال التعريف بالآثار والتراث التي شيدت على أرض الرافدين، ومن ضمنها هذا القصر الذي بقي شاهدا على تاريخ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.

ويبيّن الحسيني في حديثه للجزيرة نت أن هذا القصر يحاكي ما حدث في تلك الحقبة من ثورة أنهت الانتداب البريطاني على العراق، ويمكن تسليط الضوء على هذه الشواخص التي تمثل إرثا كبيرا لدى العراقيين، وأما الجانب الأهم فهو ترميم مثل هكذا قصور وإدراجها ضمن برامج لتطوير السياحة وتعريف العالم بها.

ويرى الحسيني أنه بالرغم من قيام عائلة آل سكر بترميم هذا القصر، فإنه بحاجة إلى دعم حكومي من أجل النهوض به وإظهاره بالمظهر الذي يليق به، ولا بأس أن تبقى ملكية القصر عائدة للعائلة وليس للدولة، كون هذا القصر يمثل جوهرا ثقافيا واجتماعيا لدى هذه العائلة.

ورغم استبعاد الحسيني مخاوف إزالة هذا المعلم التاريخي، فقد كشف عن وجود قلق من انهياره بعوامل الطبيعة التي تمثل تحديا لبقائه ما لم يتم تجديده وإدخاله ضمن برنامج ترميم خاص.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة