اخبار العراق

النجف تزيح مغاليق الانسداد بين التيار والاطار

أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية يوم 30 تشرين الثاني ولم يغير الاعلان الجديد ما تم إعلانه في يوم 12 تشرين الأول عدا خمسة مقاعد.

ورحب زعيم التيار الصدري بإلاعلان الأخير عبر تغريدة مقتضبة قال فيها “شكرا لمفوضية الانتخابات” فيما رفض الاطار التنسيقي النتائج المعدلة في بيان صحفي “نجدد موقفنا الثابت المستند الى الادلة والوثائق بوجود تلاعب كبير في نتائج الاقتراع ما يدعونا إلى رفض النتائج الحالية”.

بالرغم من وجود تباين واضح حول الانتخابات ونتائجها، فان اغلبية القوى السياسية تعلم بان هذه النتائج لن تتغير وان الانتخابات لن يتم الغاءها مما يحتم عليها الجلوس الى طاولة الحوار لتشكيل تحالفاتها السياسية وتشكيل الحكومة القادمة.

يعتبر اعلان النتائج النهائية نقطة انطلاق الحراك السياسي المنتظر، حيث سنرى حراك مكثف واجتماعات مكوكية في الأيام القليلة القادمة تجمع القيادات السياسية لبلورة الأفكار وجس النبض نحو التحالفات و تشكيل الكتلة الأكبر.

تباين مواقف التيار والاطار

اعلن زعيم التيار الصدري في مؤتمر صحفي عقده يوم 18 تشرين الثاني 2021 بأنه يريد تشكيل حكومة أغلبية أو “الاتجاه للمعارضة الوطنية” وفي نفس الوقت خاطب القوى السياسية بقوله “لا يمكن أن تكون خسارتكم مقدمة لخراب ونهاية العملية الديمقراطية” داعيا قادتها “إلى مراجعة أنفسهم لإعادة ثقة الشعب بهم”.

يأتي خطاب الصدر بعد أسابيع من تصعيد الكتل السياسية المجتمعة ضمن الاطار التنسيقي معارضتها لنتائج الانتخابات يتقدمها تحالف الفتح وكذلك قوى الدولة الوطنية. تعتبر هذه الكتل بان الانتخابات تشوبها التزوير وسُرقت اصوات ناخبيها، وقد ابلغت بعثة الأمم المتحدة في العراق اتهاماتها بإجتماع مشترك عقد بهذا الشأن، وجرى تأكيدها علنا مرة ثانية في بيانها ليلة امس بانهم عاقدون على “الاستمرار بالدعوى المقامة أمام المحكمة الاتحادية لإلغاء الانتخابات”.

يقود زعيم التيار الصدري الحراك السياسي بنفسه ومنع الوفد المفاوض في الآونة الأخيرة من عقد الاجتماعات السياسية او اللقاء مع أي جهة سياسية، فاقتصر نشاط الهيئة السياسية على بعض اللقاءات الدبلوماسية والانتظار لحين وصول الضوء الأخضر.

فيما تستمر اجتماعات الاطار التنسيقي بشكل دوري مؤكدا رفضه للانتخابات من دون اجراء حراك حقيقي ومحاولة اجراء تغييرات على الوضع القائم، اذ ان الاطار ليس كيانا سياسيا ولا يبدوا انهم عازمين على تحويله الى قوة جديدة تسعى لإستقطاب كتل أخرى، او يكون له تمثيل حقيقي على الأرض ككيان موحد ومستقل، وهذا دليل بان الكتل المنضوية في الاطار غير متفقة على كافة المواقف المتعلقة بالانتخابات.

الاطار والمحكمة الاتحادية

افاد مصدر مطلع بان قوى الاطار التنسيقي طالبت الأسبوع الماضي القضاء اصدار امر ولائي يوقف جميع إجراءات العملية الانتخابية للمفوضية والهيئة القضائية للانتخابات ومنع إعلان النتائج النهائية لحين البت في الدعاوى المقدمة للمحكمة الاتحادية حول عدم دستورية الانتخابات او إجراءاتها.

الا ان اعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات النتائج النهائية يوم امس يعني عدم التفاتها لهذا الطلب، لذا عليها اي قوى الأطار انتظار نتائج الدعاوى المقامة من قبل عدة جهات حول عدم دستورية المرسوم الجمهوري كذلك عدم دستورية قرار حل مجلس النواب الى جانب وجود تلاعب وتزوير في الانتخابات. تجدر الاشارة هنا الى عدم وجود سقف زمني يلزم المحكمة الاتحادية بالبت في هذه الدعاوى وقد تتأخر المحكمة في اطلاق الحكم على الدعاوى المعروضة امامها لعدة أشهر.

بعيدا عن الفوز والخسارة، فان القوى المعارضة لنتائج الانتخابات قد لا تجني الكثير من حراك المحاكم، فيما يرى مراقبون بأنه تكتيك وقتي من دون جدوى، لان الغاء الانتخابات سوف يضر هذه القوى اكثر من غيرها، فضلا على ان الغاء الانتخابات يعني الذهاب نحو المجهول، واستمرار الوضع الحالي من دون وجود برلمان لحين اجراء انتخابات جديدة، ولعدم وجود برلمان فانه لا يمكن تعديل القانون الانتخابي او اجراء تغيير في المفوضية، ناهيك عن كون إجراء انتخابات جديدة سوف يكون بنفس الصيغة والآلية التي تم استخدامها في هذه الانتخابات.

مصدر مطلع كشف عن ان بعض خبراء القانون أشاروا على الاطار التنسيقي برأي قانوني مفاده ان الغاء الانتخابات يعني عودة مجلس النواب السابق الى العمل. الا ان هذا الرأي يفتقد الى السند القانوني والدستوري، ذلك أن حل البرلمان السابق قد تم وان كان قد رافقه بعض اللغط الدستوري حيال آلية حل البرلمان، وبعد إتمام الانتخابات وإعلان النتائج فان العودة الى سابق العهد اصبح ضربا من الخيال. بالإضافة الى ان اجراء انتخابات جديدة مع نفس النظام الانتخابي ونفس المفوضية لن يغير من واقع الانتخابات نحو الأفضل، ولا توجد أية مؤشرات بان الناخب العراقي سوف يتجه الى صناديق الاقتراع مرة ثانية لكي يتم رفض النتائج من قبل القوى الخاسرة مرة أخرى في حال خسارتهم الانتخابات الجديدة، في الوقت ذاته، يبدو أن المجتمع الدولي سوف لن يجازف بدعم الانتخابات ثانية ولن يشارك بإرسال مراقبين دوليين كما جرى في هذه الانتخابات، وكان الرأي الدولي بان الانتخابات نزيهة وسليمة، وحذر المجتمع الدولي العراقيين بشكل صريح من خلال الاحاطة التي قدمتها ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت لمجلس الامن بقولها “أي محاولات غير مشروعة تهدف الى إطالة أو نزع مصداقية عملية إعلان نتائج الانتخابات أو ما هو أسوأ كالقيام بتغيير نتائجها عبر الترهيب وممارسة الضغوط لن تسفر إلا عن نتائج عكسية وعلى كل الأطراف المعنية عدم الدخول في هذا المنزلق.. إجراء الانتخابات تخللته صعوبات ولكن المهم أنها تمت إدارتها فنياً بشكل جيد وهي عملية تستحق المفوضية وآخرون التقدير بشأنها”.

حراك سياسي لكسر الجمود

يزداد المشهد السياسي العراقي تعقيدا وسط تمسك الأطراف المعارضة للانتخابات برفضها للنتائج من دون معالجة وتمسك الأطراف الفائزة في المضي في إتمام العملية الانتخابية من دون وجود حوار حقيقي بينهم لرأب الصدع والمطلوب فتح افاق الحوار بين الأطراف المختلفة.

وتيرة الحراك السياسي ستتصاعد في غضون الأيام القادمة بعد مصادقة المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات النهائية الأسبوع القادم، مما سيدفع التيار الصدري والاطار التنسيقي للتحرك بسرعة لجذب القوى الصغيرة الفائزة بهدف استقطاب اكبر عدد من المستقلين، في ذات الوقت فان المستقلين وخصوصا المعارضين منهم سوف يعملون على تشكيل تكتلات متوسطة ليصبحوا قوة سياسية يحسب لها حساب، وقد يبقى بعض النواب الفائزين على التل لمراقبة إتجاه رياح الحراك قبل اتخاذ قرار الدخول الى هذه الكتلة أو تلك.

الساحة السنية ستشهد هي الأخرى حراكا لافتا نحو استقطاب الفائزين من الكتل الصغيرة والمستقلين، فتحالف تقدم بحاجة الى ضم المزيد من المستقلين، فيما يحتاج تحالف عزم شخصيات مناوئة لتحالف تقدم لجمع اكبر عدد من المقاعد ليصبح قوة كبيرة بإمكانها تمثيل السنة، وهذا السباق قد يعني ظهور قوتين متقاربتين تمثلان السنة لتنقسمان بالتالي على الجبهتين الشيعيتين.

من المتوقع ان تتفق الكتلتين الكورديتين على موقف واحد والمجيء الى بغداد ككتلة موحدة وبمطالب محددة، لان الكتلتين تعلمان جيدا ان انقسامهما في 2018 كان له دور كبير في اضعاف النفوذ الكوردي في بغداد وليس من المعقول تكرار هذا الانقسام، لهذا السبب فانهما ستتفقان على الشخصيات التي تمثلهما في المناصب العليا وبشروط محددة وموحدة للدخول في أي تحالف مرتقب.

على صعيد إيجاد الحلول عملت الرئاسات الثلاث على مبادرة سياسية لجمع الفرقاء وبدأ الحوار فيما بينها للوصول الى معالجات مرضية، الا ان مبادرة الرئاسات لم تطلق بشكل رسمي وبقيت طي الادراج، وتهدف هذه المبادرة الى اعتماد نتائج الانتخابات واستحداث مجلس السياسات أو مايسمى بمجلس الاتحاد والتأكيد على بقاء الحشد الشعبي وتشكيل حكومة توافقية.

مقتدى الصدر من جانبه وبخطوة مفاجئة دعا زعامات الاطار التنسيقي من دون استثناء الى مأدبة عشاء او غداء في النجف الاشرف وفي بيت والده السيد محمد محمد صادق الصدر، وجاءت هذه الدعوة كغصن زيتون يمده الصدر الى القوى المنافسة للحوار والاتفاق وخصوصا ان مكان انعقاده فيه الكثير من الرمزية منها ان القرار يبقى عراقيا وان الاتفاق ينطلق من النجف الاشرف بدل العواصم الإقليمية او العالمية والاهم ان بيت المرجع محمد محمد صادق الصدر هو بيت للكل. قوى الاطار لم تلبي الدعوة بشكل رسمي على مستوى القادة حتى اللحظة لكنها طلبت ارسال ممثلين عن الصدر للتحاور معهم داخل الاطار قبل إعلان استجابتها للمبادرة، وترى شخصية قيادية بارزة بأنه كان من الأفضل تلبية الدعوة وجعل النجف الاشرف نقطة انطلاق لإيجاد الحلول خاصة وأن الصدر في بيت ابيه يكون عادة اكثر مرونة من أي مكان اخر وكان من الممكن ان يتم العمل بمبدأ “حشم العربي واخذ عباته”.

فاذا قبلت القوى السياسية دعوة النجف الاشرف فان ذلك يكون نقطة انطلاق مهمة نحو تقارب حقيقي في وجهات النظر وانفراج سياسي قد يؤدي الى اختيار الرئاسات وتوزيع الكابينة الوزارية، اما اذا فشلت في الوصول الى اتفاق فان الانسداد السياسي سيستمر وقد تضيع اشهر في نقاشات ومفاوضات ماراثونية لا طائل منها ليعود الجميع بعدها مرة أخرى الى طاولة الحوار والاتفاق ولكن بعد خسارة المزيد من الوقت والجهد وتعطيل دفة ادارة البلاد بعد دخولنا عام 2022 من دون موازنة وسط موجة جديدة من جائحة كورونا جراء المتحور الجديد وهبوط أسعار النفط اكثر من 20% مؤخرا.

فرهاد علاء الدين – رئيس المجلس الإستشاري العراقي

مقالات ذات صلة