فريق بايدن في الشرق الأوسط يعكس توجهاته إزاء العراق وإيران
بعد تصديق الكونجرس الأمريكي على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، بات واضحًا أن العالم كله بشكل عام والعراق وإيران بشكل خاص يهيئان نفسيهما الآن للتعامل مع إدارة جديدة مختلفة، وبدأ ينشغل بالبحث عما قد تحمله السياسة الخارجية الأميركية في المرحلة المقبلة من عناصر التغير والاستمرارية.
إذا احتكمنا إلى السجل التاريخي لتطور السياسة الخارجية الأميركية طوال العقود الماضية، فسوف يسهل علينا أن نصل إلى نتيجةٍ مفادها أن عناصر الاستمرارية فيها تطغى غالبا، إنْ لم يكن دائما، على عناصر التغير، من دون أن تتأثر كثيرا بانتقال السلطة من رئيسٍ إلى آخر، أو من حزبٍ إلى آخر، إلا في أضيق الحدود.
وما أدل على هذا الاستمرار قيام الرئيس المنتخب جو بايدن في تعيين بريت ماكغورك منسقاً لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي. وقد رأى منقذ داغر الباحث في معهد واشنطن بأن هذا التعيين يرسل أكثر من رسالة:
1- العراق ومن بعده سوريا لازالا يحضيان بأهمية بايدن.
2- عودة المياه لمجاريها بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران أصعب مما اعتقد البعض.
3- عودة الصراع بين الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي على ملفات المنطقة واردة.
والسؤال الذي يطرح الآن من هو بريت ماكغورك؟
بريت ماكغورك محام ودبلوماسي أميركي عينه الرئيس باراك أوباما في 23 أكتوبر 2015 ليكون المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش خلفا للجنرال جون ألين بعدما كان نائبا له منذ 16 سبتمبر 2014.
قبل ذلك عمل ماكغورك نائبا لمساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون العراق وإيران، وقاد مفاوضات سرية مع إيران ما بين اوكتوبر 2014 و يناير 2016 أدت إلى الإفراج عن أربعة سجناء أمريكيين من سجن إيفين في طهران، وكان من بين السجناء الذين اطلق سراحهم مراسل صحيفة الواشنطن بوست، جيسون رضائیان.
ووفقا لصحيفة النيويورك تايمز فإن تلك المهمة التي استمرت لمدة 14 شهرا بالإضافة إلى العديد من المهمات الأخرى التي قادها ماكغورك عززت من سمعته كشخص قادر على تنفيذ المهام الصعبة.
كذلك عمل ماكغورك مساعدا خاصا للرئيس السابق جورج دبليو بوش ومديرا لشؤون العراق وأفغانستان.
أما في عهد الرئيس أوباما، فقد عمل مستشارا خاصا في المجلس الامن القومي الأمريكي وكبير مستشاري سفير الولايات المتحدة إلى العراق.
ويعتبر ماكغورك مهندس التحالف الدولي متعدد الجنسيات لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي بالشراكة مع قوات سورية الديمقراطية على الأرض الأمر الذي اعتبرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية إشارة تحذير قوية موجهة إلى تركيا.
وعلى الرغم من اعتراضات ماكغورك الشديدة على إدارة ترمب وسلوكياتها إلا أن الموقف الوحيد الذي أيد فيه ماكغورك ترمب كان إرسال ترمب لـ14 ألف جندي أميركي إلى المنطقة بين مايو وأكتوبر العام 2019 للوقوف إلى جانب حلفاء الولايات المتحدة في مواجهة الخطر الإيراني.
وفي سبتمبر من العام 2019 كان بريت ماكغورك قد صرّح لشبكة “MSNBC” قائلاً: “إيران تقف مئة بالمئة” وراء الاعتداءات على منشآت النفط في المملكة مقترحاً أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية ببذل جهد إضافي لمساعدة الحلفاء وزيادة المساعدات الاستخباراتية والتنسيق مع المملكة.
وأفاد ماكغورك بأن الولايات المتحدة يجب أن تنسّق بشكل أفضل مع الحلفاء في الخليج ضمن محاولاتها لتصفير صادرات النفط الإيراني حيث تسعى إيران لزعزعة السوق النفطية في المنطقة بسبب العقوبات على نفطها.
وقال ماكغورك: على الولايات المتحدة أن تتصرف بحزم في مواجهة مثل هذه الاعتداءات التي تهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
وفي أثناء توليه ملف العراق، دعم بريت ماكغورك بالتعاون مع بعض الدول العربية مجموعة من الشخصيات السُنية في الانتخابات النيابية السابقة، لتشكل – فيما بعد- كتلة نيابية صلبة للوقوف في وجه النفوذ الإيراني، لكن ما حدث عكس ذلك تمامًا، فمبجرد فوز تلك الشخصيات في تلك الانتخابات فبدلًا أن تنضم إلى كتلة الإصلاح التي هي الكتلة الوطنية ” الصدريون، والحكمة، وأسامة النجيفي، وإياد علاوي، وبعض الليبراليون” كانت المفاجأة بانضمامهم إلى كتلة البناء وهي الكتلة الحليفة لإيران في العراق.!
مع المنصب الجديد لبريت ماكغورك سيكون العراق جزء من اهتماماته الواسعة، فالعراق لن يكون اهتمامه الوحيد كما كان في السابق، لكن هذا لا يمنع قيامه بعدة زيارات له في قادم الأيام لاسيما أولًا أن بريت ماكغورك تجمعه علاقات مع برهم صالح رئيس جمهورية العراق، ومصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراق، وثانيًا، وأن العراق مقبل على انتخابات نيابية حاسمة في حزيران/ يونيو القادم، ستحدد نتائجها بشكل كبير مستقبل العراق.
أما المسؤول الحالي عن ملف العراق منذ هو السفير الأمريكي ماثيو تولر، ويعتبر ماثيو أكثر المنتقدين للسياسات الإيرانية ونفوذ طهران في العراق وسورية والمنطقة العربية، فهو من الشخصيات السياسية الواقعية وتعامل مع الاعتداءات المتكررة ضد السفارة الأمريكية من قبل المليشيات الولائية وفق مبدأ ضبط النفس، نعم، هو يحسب على الجناح الحمائمي في الدبلوماسية الأمريكية لكن ذلك لا يمنع أن يتحول إلى ” سفير حربي” إذا استدعت المصلحة الأمريكية العليا ذلك. هذا السفير قاب قوسين أو أدنى من إنهاء خدمته الدبلوماسية في العراق، ويبدو أن ” ديفيد هيل” هو المرشح لسفير الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وهو من الشخصيات الدبلوماسية المرموقة في وزارة الخارجية الأمريكية.
أما الشخصية الدبلوماسية الثالثة التي من المقرر أن تكون ضمن فريق جو بايدن، ” جوي هود” وهو مساعد مساعد وكيل وزير الخارجية، ومسؤول عن ملف العراق في تلك الوزارة، عمل كدبلوماسي في العراق في فترة زمنية سابقة، حيث كان نائبًا للسفير الأمريكي في العراق، وقائمًا للأعمال فيه لفترة قصيرة.
قد يكون من الصعب، في هذا الحيز، رصد كل أوجه التغيرات المحتملة في السياسة الخارجية الأميركية في عهد بايدن، غير أنه يمكن من خلال تلك التعيينات المرتقبة فهم التوجهات العامة إزاء العراق وإيران فهناك اعتبارات كثيرة متشابكة ومعقدة، تدفع الولايات المتحدة إلى العمل بكل الوسائل الممكنة، لضمان عدم امتلاك إيران السلاح النووي. ولتحقيق هذا الهدف لن يكون أمامها سوى الاختيار من بين بدائل ثلاثة: الاستمرار في السياسة التي ينتهجها ترامب، وتستهدف إجبار إيران على إعادة التفاوض حول برنامجها النووي، من خلال ممارسة أقصى قدر من الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية المتاحة. الذهاب إلى حد الصدام العسكري وإعلان الحرب على إيران، خصوصا إذا فشل البديل الأول، أو اتضح عجزه عن تحقيق الأهداف المأمولة. محاولة احتواء إيران بالوسائل الدبلوماسية من خلال العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، تمهيدا لإغرائها بإعادة فتح باب التفاوض بشأن القضايا الخلافية، وفي مقدمتها برنامج إيران الصاروخي، وسياسة إيران ونفوذها في المنطقة، غير أن الطريق أمام بايدن لن يكون ممهدا على هذا الصعيد، لأسباب عديدة، أهمها أن إسرائيل، ومعها الدول العربية الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، ستقاوم بكل السبل عودة الولايات المتحدة إلى الانخراط في الاتفاق النووي مع إيران، وستدفع في اتجاه العمل على اعتماد الخياريْن الآخرين: العقوبات القصوى أو شن الحرب على إيران. وأمام هذين الخيارين يدرس العراق مواقفه لتجنيب نفسه نتائج ذلك الخياران.