ثقافة وفن

“فطور وحدوتة”.. دردشة عفوية في أزقة القدس تعرفك بالمدينة وتاريخها

في أزقة البلدة القديمة يلتقيان، بشكل شبه يومي، يحملان هاتفا ذكيا والكعك والفلافل والحمص المقدسي في أيديهما، وعلى عرش قلبهما تتربع القدس القديمة، بكل ما فيها من حضارة وحجر وشجر وبشر، وحكايات شعبية يومية عاشاها، وما زالا يجددان عهدهما بها كل يوم، من خلال مبادرتهما العفوية “فطور وحدوتة”.

إنهما المقدسيان الروائي والخيّاط عيسى القواسمي، والممثل المسرحي حسام أبو عيشة، اللذان رافقتهما الجزيرة نت في جولة عفوية جديدة لهما، مرا أثناءها بعدة أزقة في البلدة القديمة، تحدث فيها القواسمي عن تاريخ بعض الأماكن، وفسح المجال لرفيقه للحديث عن حكايات شعبية، ومواقف طريفة أضفت لمبادرتهما لمسة استثنائية، وقبولا واسعا لعشاق القدس والشغوفين بسبر أغوارها.

تقع على عاتق القواسمي -الذي يعيش في حي وادي الجوز، الواقع خارج سور القدس التاريخي- مسؤولية شراء الحمص والفلافل، قبل أن يتوجه للبلدة القديمة للقاء حسام، الذي يقطن في حارة السعدية داخل السور، وبالقرب من منزله يحرصان على شراء الكعك المقدسي من أحد الأفران، قبل البدء بالجولة.

تبدأ جولة القواسمي وأبو عيشة بفطور مقدسي تقليدي ثم يبدآن بالتنقل في أزقة البلدة القديمة

جولات عفوية

بسلاسة يبدآن بالتصوير، ويخيل للمتابع أنهما أعدّا جيدا للمشاهد التي يتنقلان بينها بعفوية؛ لكن في الواقع لا يتعدى تحضيرهما للمقاطع الاتفاق على الفكرة الرئيسية، بعفوية تنهمر المشاهد الممتعة كشلال لا يتوقف.

انطلقت فكرة إعداد الفيديوهات من مدى إعجاب متابعي صفحة عيسى القواسمي على فيسبوك بالصور ومقاطع الفيديو، التي ينشرها من رحلته اليومية لصلاة الفجر في المسجد الأقصى المبارك.

وبالمقابل لاقت القصص الشعبية والصور التي ينشرها أبو عيشة على صفحته قبولا كبيرا أيضا، ومع وصول فيروس كورونا إلى البلاد في شهر مارس/آذار المنصرم التقى الثنائي اللذان تمتد صداقتهما لسنوات طويلة في مخيطة القواسمي، وهناك التقطا صورة لهما ونشراها على موقع فيسبوك، وهما يرتديان كمامة صممها عيسى من الكوفية الفلسطينية.

نشرا لاحقا فيديوهات من المخيطة ثم اقترح القواسمي أن يتناولا إفطارهما المقدسي اليومي خارج المخيطة، أثناء جولات في العتيقة، وهكذا انطلقت مبادرة “فطور وحدوتة”.

في حديثه للجزيرة نت عن مبادرتهما، يقول حسام أبو عيشة إن المتابعين يشاهدون المقاطع من 30 دولة، وهذا أشعرهما بمسؤولية تجاه ما يقدمانه، وبضرورة تمرير الرسالة والسؤال الأهم لفئة الشباب عن المدينة، وهو كيف نتخلى عن القدس وعن تاريخها وحضارتها وثقافتها؟

ويضيف ” أنا وعيسى وجهان معروفان في القدس، والجميع يعلم أننا نعطي لهذه المدينة بدون أي انتماء تنظيمي؛ بل لأننا ولدنا في البلدة، وننتمي إليها، لذلك لاقت مبادرتنا إقبالا على المنصات الاجتماعية، وترحابا من أهالي البلدة القديمة، الذين يفتحون لنا قلوبهم ومنازلهم وحوانيتهم في كل جولة”.

الكعك المقدسي من أحد أفران العتيقة أحد أشهر تقاليد القدس

إطراءات عدة تلقاها الصديقان خلال مرافقتنا لهما بالجولة، وقال أحد المارة لهما إن أقاربه في الولايات المتحدة الأميركية يتابعون “فطور وحدوتة” باستمرار، ويقولون إنهم يشعرون بقربهم من المدينة من خلالها.

الروائي والخيّاط عيسى القواسمي يقول إنهما ينقلان كل ما في القدس من جمال حضارتها، وعراقة أماكنها الدينية، ومنازلها، وأسواقها، محاولين نقل التفاصيل الصغيرة عن الحياة اليومية في المدينة للمحرومين منها، ممن يعيشون داخل فلسطين أو خارجها.

اعلان

ويضيف “ارتأيت أنا وحسام دمج الأسلوب التوثيقي الذي أتبعه عادة، مع أسلوبه المسرحي الذي يتقنه، والأهم في مبادرتنا، التي تصل للمتابعين بشكل سلس وخفيف، أننا نحاول من خلالها دحض الرواية الإسرائيلية، وتثبيت الرواية الفلسطينية عن الأمكنة المختلفة”.

يحرص صاحبا المبادرة أيضا، حسب القواسمي، على التطرق لمعلومات عن مدينة القدس من العصور القديمة جدا؛ لأن “القدس مدينة قديمة، ومنها نستقي حكاياتنا والمعلومة التوثيقية”.

المبادرة تعرف المشاهد بمعالم وأماكن في البلدة القديمة لتضعه في أجواء المدينة وتاريخها

بين الناس ومعهم

يعتقد القواسمي أن أبناء القدس، الذين ولدوا وترعرعوا وكبروا بها، لا تنقصهم المعلومة ليكونوا هم الناقلين لها. مضيفا أنه وحسام “أبناء المكان وأبناء الشوارع، نعيش الحياة اليومية مع الناس البسيطة، ولا نجلس في مكاتب مرفهة، ومن هنا تأتي البساطة والعفوية في مقاطع الفيديو، وبالتالي التفاعل العالي معها لانعدام المسافة بيننا وبين المتلقي”.

هدف آخر يسعى الصديقان لتحقيقه، هو تحفيز المقدسيين على التوجه للبلدة القديمة لإحيائها، خاصة بعد شلل الحركة فيها منذ تفشي وباء كورونا.

وعن أكثر مقاطع الفيديو التي لاقت إعجاب المتابعين تحدثا عن إفطارهما أمام مصلى قبة الصخرة في المسجد الأقصى المبارك بعد صلاة الفجر، وإطعام الطيور، وتصوير الشروق، مما حرك مشاعر الكثيرين ودفعهم لتقليد التجربة وتوثيقها، واعتبرا ذلك أحد أسمى الأهداف التي حققاها من خلال الجولات العفوية.

مقالات ذات صلة