اراء و أفكـار

الإنتخابات المبكرة بين المماطلة الحزبية والتسويف السياسي

فرهاد علاءالدين 

قال ممثل المرجعية الشيخ عبدالمهدي الكربلائي في خطبة الجمعة يوم ٣١ كانون الثاني ٢٠٢٠ ( الرجوع الى صناديق الاقتراع لتحديد ما يرتأيه الشعب هو الخيار المناسب في الوضع الحاضر، بالنظر الى الانقسامات التي تشهدها القوى السياسية من مختلف المكونات، وتباين وجهات النظر بينها فيما يحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة، وتعذر اتفاقها على اجراء الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها معظم المواطنين، مما يعرّض البلد لمزيد من المخاطر والمشاكل، فيتحتم الاسراع في اجراء الانتخابات المبكرة ليقول الشعب كلمته)

ومنذ ذلك الحين، تبنت الأحزاب السياسية هذا الخطاب بشكل متباين، ودعت الى اجراء إنتخابات مبكرة بطريقة خجولة على اقل تقدير، أي أصبحت مجرد شعارا ضمن الشعارات التي ترددها في بياناتها السياسية وخطاباتها الإعلامية التي تدعو الى التهدئة.

من جانبه وضع مصطفى الكاظمي في برنامجه الحكومي الانتخابات كأولوية حيث نص البرنامج على (اجراء انتخابات مبكرة بعد استكمال القانون الانتخابي، وتفعيل مفوضية الانتخابات، وتطبيق كامل لقانون الأحزاب، لضمان حماية العملية الانتخابية ونزاهتها بالتعاون مع الأمم المتحدة)

وتبنى مجلس الامن الدولي في ١٣ أيار دعمه للحكومة والشعب العراقي ( دعم ومساعدة حكومة العراق والشعب العراقي من خلال الحوار السياسي الشامل…. والمساعدة الانتخابية لحكومة العراق وللمفوضية العليا المستقلة للانتخابات)

والسؤال هنا أين الأحزاب السياسية والبرلمان والحكومة والمفوضية من اجراء انتخابات مبكرة ؟

مواقف الأحزاب السياسية

يرى المراقبون بأن أكثرية الأحزاب السياسية ليست مع خيار الذهاب الى صناديق الاقتراع مبكرا وذلك لانهم ليسوا على قناعة بانهم سيحصلون على ذات المقاعد التي تشغلها حاليا، كما أن الانتخابات لن تضيف لهم سياسيا مايخدم تطلعاتهم بشكل عام

الملاحظ هنا أن التيار الصدري دون بقية الأحزاب يدفع باتجاه إجراء إنتخابات مبكرة، حيث يعتقد أن الانتخابات اصبحت واجبا حتميا بعد مطالبة المرجعية بذلك، الى جانب خطابه المعارض ومشاركته الفعالة في التظاهرات متناغما مع الشارع المطالب بإجراء التغيير، وهذا كفيل بترجيح كفته وزيادة اعداد مقاعده الانتخابية، ليصبح الكتلة الأكبر.

عصائب اهل الحق أيضا تطالب بإجراء انتخابات مبكرة لأنها تعتقد بان العملية السياسية متجهة الى مسار يتعارض وتوجهاتها وما تتمتع به من ثقل برلماني نسبي وكون تحالف الفتح قد تفكك وفقد السيطرة على زمام الحكم بعد استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، بالإضافة الى إيمانهم بأن خطاب المقاومة والمعارضة يتناغم مع مزاج الشارع وهذا كفيل بان يزيد من عدد مقاعدهم في الانتخابات القادمة وترسيخ مكانتهم السياسية. الى ذلك فأن تحالف النصر وحزب الوفاء برئاسة عدنان الزرفي تحديدا مع اجراء انتخابات مبكرة تماشيا مع توجهات المرجعية ولاعتقادهما بأن المنظومة السياسية عاجزة عن إيجاد حلول حقيقية للازمات التي تواجه البلد. فيما يؤيد ائتلاف المحافظات المحررة إجراء انتخابات مبكرة بشرط ان يكون التصويت بالبطاقة البايومترية وتحت اشراف الأمم المتحدة، وانهم يعتقدون بانه لديهم فرصة كبيرة بتغيير معالم الخارطة السياسية السنية.

الأحزاب غير المتحمسة لإجراء الانتخابات تشمل ائتلاف دولة القانون وتيار الحكمة وتحالف القوى والأحزاب الكوردية المتنفذة، وغيرهم. وتتمتع هذه الأحزاب بنفوذ سياسي لافت وتشغل مناصب عليا في الدولة ومشارِكة بالسلطة في الوقت الراهن، ولا تعتقد ان الانتخابات المبكرة ستوفر لها فرص جديدة اكثر من الفرص الحالية، فيما يذهب البعض منها الى أن إجراء الإنتخابات المبكرة ستقلل من نفوذه السياسي وقد يبعده عن حلقة التنافس.

مجلس النواب

أن إجراء الانتخابات المبكرة تتطلب موافقة مجلس النواب، وكما اسلفنا ان معظم الأحزاب ليست مع إجراء الانتخابات، وعدد نواب هذه الأحزاب والنواب المستقلين تفوق ال ٢٠٠ نائب وأن اجراء الانتخابات المبكرة يعني انتهاء دورة مجلس النواب مبكرا، مما يعني تضرر النواب الحاليين بشكل شخصي من فقدانهم للرواتب والامتيازات، مع عدم وجود ضمان بفوزهم بالانتخابات القادمة او حتى مشاركتهم على أقل تقدير، متمسكين بمقولة (طير في اليد خير من عشرة على الشجرة)

ولعل عدم اكمال قانون الانتخابات الذي تم التصويت عليه في ٢٤ كانون الأول ٢٠١٩، بعد مرور ٧ اشهر خير دليل على عدم جدية مجلس النواب بإجراء الإنتخابات المبكرة.

الحكومة الجديدة

بالرغم من ان الحكومة الحالية اخذت على عاتقها إجراء الانتخابات المبكرة وجعلتها أولى أولوياتها، لكنها لم تعطي هذا الوعد بدون شروط حيث اشترطت
١- استكمال القانون الانتخابي
٢- تفعيل مفوضية الانتخابات
٣- تطبيق كامل لقانون الأحزاب، لضمان حماية العملية الانتخابية ونزاهتها

وكما اسلفنا لم يكتمل تشريع قانون الانتخابات، والمعروف ان المفوضية ليست مفعلة كليا لحد اللحظة وقانون الأحزاب على حاله بدون تغير، بما معناه أن الحكومة لديها اكثر من سبب في عدم المضي بإجراء الإنتخابات بشكل مبكر. ومن بين الأسباب الأخرى ان الحكومة تواجه أزمات كبيرة متمثلة بجائحة كورونا والازمة المالية الخانقة وليس بإمكانها تخصيص الغطاء المالي اللازم للمفوضية وهذا التخصيص يعد اهم عوامل إجراء الإنتخابات. في الوقت الذي ترى فيه الحكومة إنها بحاجة الى تقديم الإنجازات ولهذا السبب فإنها بحاجة الى وقت اطول، مما يعني بانها تعتزم العمل على اجراء الانتخابات في ابعد وقت ممكن وليس بوقت قريب.

المفوضية العليا للانتخابات

تم انتخاب ٧ قضاة كأعضاء للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في ٢٣ كانون الأول ٢٠١٩ تحت ضغط تظاهرات الاول من تشرين حيث قرر مجلس النواب إناطة مهام المفوضية للقضاة بدل تعينهم من قبل مجلس النواب وذلك لإبعاد المفوضية من المحاصصة الحزبية. وباشرت المفوضية الجديدة بمهام عملها في مفوضية منهارة تماما بعد ابعاد المدراء العامين ومدراء المكاتب الفرعية حسب القانون الجديد. والمفوضية الجديدة واجهت جملة من المشاكل القانونية والمالية والإجرائية. وتعاني من فراغ قانوني عندما يأتي الحديث عن الانتخابات، لان القانون الجديد لم يصدر بعد، مقابل الغاء القانون السابق، والتحضيرات للانتخابات القادمة يجب ان تكون وفقا للقانون الجديد. كما إنها بحاجة الى تخصيصات مالية كبيرة ولم يتم دعمهم من قبل الحكومة بالمخصصات المطلوبة.

مصادر من داخل المفوضية أبلغتنا بأنها تواجه عراقيل إدارية كبيرة في إعادة هيكلية المفوضية بعد اقالة المدراء العامين من قبل مجلس النواب وانها تحتاج الى ما لايقل عن ٦ اشهر لإعادة الهيكلة الإدارية والداخلية والمالية والقانونية بعد تخصيص الأموال المطلوبة، ومن ثم اجراء الانتخابات بعد سنة من ذلك، مما يعني ان المفوضية لن تكون مستعدة لإجراء الانتخابات القادمة حتى أواخر سنة ٢٠٢١ او الربع الأول من ٢٠٢٢

موعد الانتخابات القادمة

الانتخابات المبكرة كانت وسيلة ضغط على الأحزاب السياسية من قبل المتظاهرين والمعارضين، وقد عملت المرجعية الدينية العليا على استخدامها لتصحيح المسار، لكن الأحزاب السياسية تمكنت كما في الماضي من تسويف مطالب المرجعية والالتفاف عليها بشتى الوسائل والعقبات التي تم وضعها على طريق الانتخابات المبكرة والتي افرغتها من محتواها بشكل تام.

وفي هذا الصدد يرى مراقبون بانه لاوجود لما يسمى بالانتخابات المبكرة، وإنما هناك إنتخابات قادمة. بل يذهب الكثير من هؤلاء المراقبين الى أبعد من ذلك بإعتماد نيسان أو أيار ٢٠٢٢ موعدا متوقعا لإجراء الإنتخابات المرتقبة.

 

مقالات ذات صلة