ثقافة وفن

“إطار بحثي جديد”.. الطريق لفهم بواعث العنصرية الأميركية في الداخل والخارج

بينما تتردد أصداء الدعوات المطالبة بإرساء نظام “عدالة عرقية” في الولايات المتحدة بعد مقتل المواطن ذي الأصول الأفريقية جورج فلويد على يد رجل شرطة أبيض يعتقد الباحث الأميركي-الإيراني في جامعة كولومبيا بنيويورك حميد دباشي أن مجال البحث والدراسات الأميركية بات في حاجة ملحة إلى إعادة قراءة “جذرية”.

ويرى الباحث -في مقال له على موقع “ميدل إيست آي” البريطاني- أن هذا المطلب يفرض نفسه، خاصة بعد أن بات شعب الدولة الأقوى في العالم في “أتعس” حالاته منذ نصف قرن كما تؤكد ذلك استطلاعات حديثة.

فقد عاش الأميركيون خلال فترة الرئيس دونالد ترامب على وقع أزمات متتالية جراء تداعيات جائحة كورونا، حيث سجلت أميركا أحد أعلى معدلات وفيات الفرد في العالم، إضافة إلى تفاقم حالات اليأس الناجم عن إجراءات الإغلاق والتباعد الاجتماعي والاحتجاجات الواسعة ضد العنصرية ووحشية الشرطة.

مرحلة جديدة

ويؤكد دباشي أن مقتل جورج فلويد وما تلاه من حراك اجتماعي تجاوز الحدود وصدح بشعار “حياة السود مهمة”، ودشن مرحلة جديدة وغير مسبوقة في تاريخ أميركا الحديث ليس من السهل التنبؤ بنتائجها ومآلاتها.

فقد سعى أميركيون كثر لاستيعاب وفهم عمق الكارثة التي باتوا يواجهونها ونقلوها من غير قصد ربما إلى أقطار أخرى ما وراء البحار، لكن بلا جدوى.

وبصفتها “المركز الجمهوري لإمبراطورية مختلة”، فإن ما يحدث في الولايات المتحدة امتدت آثاره وتداعياته لباقي العالم.

لذلك يرى دباشي أن “نظرة نقدية” من خارج أميركا باتت مسألة جوهرية لفهم ما يجري في الداخل، وهو أمر يطرح -برأيه- فرصا وتحديات “إبستمولوجية” ذات طبيعة خاصة.

الاستشراق والهيمنة

بقي العالم لأزيد من قرنين من الزمن من تاريخه الحديث تحت رحمة “النظرة الغربية”، حيث تم النظر إليه وفحصه وبحث إثنياته وأنماطه الاجتماعية، وقياس جماجم سكانه ووضعها في متاحف أو حدائق للحيوانات لدراستها من قبل “السادة البيض” الذي طافوا العالم وغزوا البلدان واستعمروها.

وفي كتابه “الاستشراق” الصادر عام 1978 سلط المفكر الأميركي الفلسطيني إدوارد سعيد الضوء بشكل خاص على فصل من فصول هذا النمط من إنتاج المعرفة الاستعمارية الذي سخر لخدمة “الهيمنة الكولونيالية”، مدشنا بذلك حقلا كاملا من الدراسات التي سعت لعكس هذه النظرة.

لكن أنماط إنتاج المعرفة المركزة على الإنسان الأبيض الأوروبي بقيت -بحسب دباشي- حاضرة حتى بعد صدور كتاب “الاستشراق”، واستمرت تخصصات من قبيل الأنثروبولوجيا في توسيع نطاق مقارباتها المعرفية الموغلة في العنصرية إلى أقاصي الأرض.

وبقي مجال الدراسات الأميركية بشكل كبير حكرا على الأميركيين البيض حتى وقت قريب، وذلك عندما بدأ أميركيون من السكان الأصليين ومن أصول أفريقية ولاتينية وبعض من أبناء الجاليات المهاجرة الأخرى في عكس هذه النظرة الداخلية وتغيير الطريقة التي باتت تقرأ بها أميركا.

لكن هذا المجال ما زال يحتاج اليوم إلى “انقلاب” أكثر قوة وجذرية، خاصة من خلال مشاركة أكبر لغير الأميركيين وللمنحدرين من أقطار طالتها ويلات البطش العسكري الأميركي (العراق وأفغانستان مثلا).

ومن الأساسي أيضا -بحسب دباشي- خلق جيل جديد من الباحثين الأميركيين لربط القوى التقدمية في صفوف سكان أميركا الأصليين ومن ذوي الأصول الأفريقية واللاتينية مع الباحثين والمفكرين والفنانين وصناع السينما وغيرهم من غير الأميركيين.

 

العنف الأميركي

ويرى حميد دباشي أن “عولمة الإمبراطورية الأميركية” حمّلت باقي العالم ضريبة العنف الأميركي، وكما أن الأميركيين من أصول أفريقية والجماعات العرقية الأخرى داخل الولايات المتحدة تحت رحمة جهاز شرطة “عنصري” فإن باقي أقطار العالم تحت رحمة الجيش الأميركي.

وتستمد العنصرية ضد السود في أميركا جذورها من موقف “الرجل الأبيض” المتعالي، ليس تجاههم فقط، لكن إزاء كامل دول القارة السمراء التي وصفها يوما الرئيس دونالد ترامب بـ”دول القذارة”، وبالتالي ينطبق هذا الوصف آليا على غيرها من الدول، في آسيا وأميركا اللاتينية.

لذلك، فإن إثارة انتباه العالم إلى البنية “المتوطنة والدائمة” للعنصرية الأميركية -بحسب دباشي- هي إطار عمل محوري نحو بناء حقل جديد للدراسات الأميركية متحرر من حرج الانتماء للمؤسسات البحثية الأميركية ومن التفكير النقدي الغارق في ثنائية “الديمقراطيين ضد الجمهوريين” العقيمة التي تضبط إيقاع السياسة الأميركية.

مقالات ذات صلة