ثقافة وفن

على غرار “الغرفة التي حدث فيها ذلك”.. كتب زلزلت عروش الحكام والرؤساء ومنعتها السلطات

 

 

أعلنت دار نشر أميركية مؤخرا أن مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون قرر تحدي البيت الأبيض، ونشر كتاب مذكرات يكشف فيه ما يعتبرها تجاوزات ارتكبها الرئيس دونالد ترامب تتعدى قضية أوكرانيا، وقد تعرّضه أيضا للمساءلة.

وكان ترامب قد حذر بولتون سابقا من نشر مذكراته ما دام رئيسا في البيت الأبيض، وحاول محاموه ثني بولتون عن ذلك بزعم أن أجزاء كبيرة من مادة الكتاب مصنفة سرية للغاية.

ويصف بولتون في كتابه -الذي جاء في 592 صفحة وعنوانه “الغرفة التي حدث فيها ذلك.. مذكرات البيت الأبيض”- ما رآه ورصده خلال 453 يوما من العمل إلى جوار ترامب.

وأعاد الكتاب تسليط الضوء على كتب هزت عروش حكام ورؤساء آخرين، بينها كتب عربية وأجنبية منعتها الحكومات وحظرت تداولها، ونظرت لها السلطات باعتبارها من أفعال التحريض، وتعرّض بعض هؤلاء الكتاب للأذى والملاحقة على خلفيتها، ومن هذه الكتب:

“الحركة الإسلامية السودانية”

في 30 يونيو/حزيران 1989 أعلن التلفزيون السوداني استيلاء بعض الضباط التابعين للجيش السوداني على الحكم بقيادة العميد عمر البشير.

بدا الأمر في الوهلة الأولى انقلابا عسكريا، لكن الأيام أفصحت عن هوية الحاكمين الجدد وهم الحركة الإسلامية، وبقي ما دار في كواليس التحضيرات سرا لم تفصح عنه الحركة حتى جاء كتاب المحبوب عبد السلام.

خط عبد السلام كتاب “الحركة الإسلامية السودانية.. دائرة الضوء، خيوط الظلام” موثقا للعشرية الأولى من عمر الحركة الإسلامية وتجربتها في الحكم، وصولا إلى المفاصلة بين أبناء الحركة الواحدة وتوزعهم بين سلطة ومعارضة، غير أن الكتاب منع من النشر في السودان وصدر في القاهرة.

“كل شيء هادئ على الجبهة الغربية”

في رواية الأديب الألماني والمقاتل في الحرب العالمية الأولى إريك ماريا ريمارك (1898–1970) يصف المؤلف الضغوط التي تعرض لها الجنود أثناء القتال على جبهات الحرب، لكن الرواية اعتبرت ممنوعة في ألمانيا النازية 1933- 1945، وأحرقت في احتفالات عامة، وجرد مؤلفها من الجنسية الألمانية ليعيش لاجئا في سويسرا.

“المسلمون والحضارة الغربية”

أحدث كتاب “المسلمون والحضارة الغربية” للعالم السعودي الدكتور سفر الحوالي جدلا داخل السعودية وخارجها، وذلك لما تضمنه من نقد لاذع لسياسات الأسرة الحاكمة في البلاد، ورغم تشكيك البعض في نسبة هذا الكتاب إلى الحوالي فإن مقربين منه أكدوا أنه هو من ألفه فعلا.

تضمن الكتاب موضوعات شتى، منها: تعريف بالحضارة الإسلامية وفضلها على العالم، حيث قدم المؤلف رأيه في السياسة والفكر والحريات، وعرج على قضية الجهاد والعلمانية، لكن أكثر ما أثار الجدل هي الملحقات الثلاثة في الكتاب التي قدم فيها رسائل إلى العلماء والدعاة وآل سعود.

وتمثل نقد الحوالي لحكم آل سعود في استعراضه -بشكل مفصل- سياسات الحكم السعودي في الاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية، كما قدم تشريحا للحالة الدينية في المملكة وعلاقتها بالسلطة.

وفي 12 يوليو/تموز 2018 اعتقلت القوات السعودية الشيخ القعيد سفر الحوالي وأبناءه الأربعة، وذلك عقب 3 أيام من تسريب عدد من صفحات كتابه “المسلمون والحضارة الغربية” بنسخته الإلكترونية.

كتب سعودية ممنوعة

منعت السلطات السعودية كتاب “المملكة من الداخل” للصحفي والكاتب البريطاني روبرت ليسي عام 2009، ويتحدث الكتاب عن محطات بارزة مرت على السعودية من عام 1979 حتى 2009، ويعد الكتاب مكملا لكتابه الأول الذي حمل عنوان “المملكة”، وتناول فيه تاريخ السعودية منذ نشأتها وحتى عام 1979.

وحظرت السعودية كذلك كتاب المعارضة السعودية مضاوي الرشيد “مأزق الإصلاح في السعودية في القرن الـ21″، وبعد منع الكتاب أُسقطت الجنسية السعودية عن الكاتبة.

“مدن الملح”

قبل 16 عاما وبالتحديد في 24 يناير/كانون الثاني 2004 توفي الأديب الروائي السعودي عبد الرحمن منيف الذي اعتبر من أهم الكتاب والروائيين العرب في القرن الـ20، ولقب براوي سيرة الجزيرة العربية المعاصرة، علما بأنه سحب منه جواز سفره السعودي عام 1963.

عمل منيف صحفيا واقتصاديا، وخاض غمار النشاط السياسي في العراق، قبل أن يُبعد عنه في أعقاب توقيع “حلف بغداد” عام 1955، وكان مناوئا للأنظمة العربية الملكية والجمهورية على حد سواء بعد هزيمة 1967، وهي الفترة التي تحول بعدها لممارسة السياسة بطريقة أخرى عبر الكتابة الأدبية.

اشتهر منيف بخماسيته “مدن الملح” التي تتناول صور الحياة في الجزيرة العربية مع بداية اكتشاف النفط والتحولات المتسارعة التي غيرت مدن الجزيرة وقراها، بما في ذلك رفض السكان التنقيب عن النفط واستخدام السلطة العنف، وتحول الصحراء إلى حقل نفط، وصراعات العائلة الحاكمة في الجزيرة العربية، ورصد أحوال الناس وتغير العادات والأمكنة وأشكال الانتماء والهوية.

ومنعت “مدن الملح” من النشر في كثير من دول الخليج، وسحبت جنسية الكاتب ليبقى خارج المملكة طوال حياته، بعد أن اعتبرت السلطات السعودية الرواية تحريضا على حكم آل سعود وتحمل لهجة تثويرية.

“خريف الغضب”

بعد مرور عامين فقط على حادثة المنصة التي كتبت مشهد اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات سجل الكاتب والصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات في كتابه “خريف الغضب” الذي أثار موجة من الغضب والجدل لم تتوقف حتى الآن، فقد قدم هيكل في كتابه هذا عهد السادات على أنه كان خطأ تاريخيا.

وتناولت حلقة (2019/2/17) من برنامج “خارج النص” كتاب “خريف الغضب” للصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل، وعرضت الآراء المتباينة بشأن فحوى الكتاب الذي يطرح أسباب اغتيال الرئيس المصري أنور السادات.

“1984”

وقفت العديد من الأنظمة السياسية ضد رواية “1984” للبريطاني جورج أورويل، منذ صدروها، لكنها اجتاحت المكتبات العالمية، وسلط برنامج “خارج النص” الضوء على الأثر الذي تركته الرواية عالميا.

تنبأ أورويل في روايته -التي نشرها عام 1949- بمصير العالم بعد 4 عقود، وقال إنه سيُحكم من قبل قوى كبيرة تتقاسم مساحته وسكانه ولا تحقق لهم طموحاتهم وأحلامهم، بل تحولهم إلى مجرد أرقام في جمهوريات الأخ الأكبر الذي يراقب كل شيء ويعرف كل شيء حيث يمثل الحكم الشمولي.

ومنعت الرواية في الاتحاد السوفياتي منذ عام 1950، ونظر إليها الزعيم السوفياتي ستالين -الذي كان مطلعا على الأدب- باعتبارها تسخر منه، ومنعت كذلك في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا لوقت محدود، وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن الماضي لم يكن يسمح بتداول هذه الرواية داخل حدوده.

وحظرت السلطات السوفياتية كذلك رواية أورويل “مزرعة الحيوان”، وخاف الناشرون البريطانيون من نشر رواية تنتقد حليفهم في الحرب العالمية الثانية، مما أخر ظهور الرواية التي لاقت انتشارا عالميا هائلا.

“451 فهرنهايت”

في روايته “451 فهرنهايت” يرسم الأميركي راي برادبوري (1920 – 2012) صورة مخيفة للمستقبل، متوقعا عودة حقبة مؤلمة في أميركا والعالم، وهي المرحلة التي شهدت الإرهاب الفكري والثقافي المنطلق من أحكام سياسية مسبقة ومواقف شمولية.

وتأتي الرواية تحت تأثير ما عرفت بالحقبة المكارثية في أميركا (نسبة إلى السناتور جوزيف مكارثي (1908 – 1957) في بداية خمسينيات القرن الماضي أثناء الحرب الباردة والاتهامات والمطاردات التي طالت العديد من الأدباء والكتاب والسياسيين في الولايات المتحدة وأقصت كثيرا منهم بتهمة الشيوعية.

ويعبر برادبوري -الشهير بكتاباته في أدب الخيال العلمي- في روايته عن خوف الطغاة من العلوم والآداب، ويصور بطله رجل الإطفاء “مونتاغ” وهو يتأمل في نفسه وواقعه، ينظر إلى الجدار الذي علقت عليه القوائم المطبوعة لملايين الكتب الممنوعة، كتب اشتعلت فيها ألسنة النار فاحترق إرث إنساني كبير بفعل خرطومه الذي كان يرش البنزين بدل الماء، ويستعيد ما سألته إياه المثقفة كلاريس: ألم يكن الإطفائيون يمنعون الحرائق بدلا من تأجيجها وإشعالها؟

ويشير برادبوري في روايته إلى دور الأدب في إنقاذ العالم، وذلك عبر إعادة الإنسان إلى إنسانيته، وحضه على اكتشاف ذاته بعيدا عن الانسياق لجنون الآلة ووحشيتها.

وتراه من خلال بطله “مونتاغ” يعبر عن الحنين إلى الفطرة الإنسانية، ويستحضر من خلال حالة السجال الداخلي سجالات واقعية بشأن جدوى الثقافة والأدب من عدمه.

“جنرال الجيش الميت”

في عام 1963 نشر الكاتب الألباني إسماعيل قادري روايته الأولى بعنوان “جنرال الجيش الميت”، والتي لم يستقبلها النقاد بسهولة في بلده التي حكمها الدكتاتور والزعيم الشيوعي أنور خوجة الذي حكم بلاده 40 عاما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى فارق الحياة 1985.

وتم حظر رواية قادري التالية “الوحش” التي نشرها عام 1965، وأرغم على الانضمام لحزب العمل، لكنه بعد انتقاده السلطات بقصيدة سياسية كتبها عام 1975 تم إرساله إلى الريف ليقوم بأعمال عقابية ومنع من نشر أي روايات مجددا، وكان قادري خصما للدكتاتورية الشمولية، وأغنى بأسلوبه الذي يجمع بين التراجيديا والكوميديا الأدب الألباني والبلقاني، وحاز على جوائز أدبية عالمية، بينها البوكر مان عام 2005.

جعل الروائي الألباني من محاربة الدكتاتورية الشمولية واستقراء تاريخ وتراث البلقان وألبانيا بوجه خاص، والتنديد ببشاعة الجريمة السياسية المرعبة المحاور الثلاثة الأساسية لإبداعه الروائي.

ولم ينفرد بمضمون يزداد مصداقية من يوم إلى آخر فحسب، بل أغنى الإبداع الروائي بقالب شاعري قائم على توليفة الأسلوب التراجيدي والكوميدي، والتوظيف المدهش للميثولوجيا الإغريقية وللدراما الشكسبيرية، وعرف عنه قوله عن صاحب “ماكبث” و”هاملت” و”عطيل” إنه “لو عاش شكسبير زمن الشمولية الشيوعية لما جعل من ممالك أسكتلندا والدانمارك مصدرا لكتاباته عن الجريمة السياسية”.

قدري هو نفسه الذي بيّن في رواية “العشاء الزائد” عام 2009 كيف ذهب الدكتور غوراميتو جاره الحقيقي ضحية حكم قمعي يتجسس فيه الجميع على الجميع، ويعدم فيه كل أنواع المعارضين، ولأنه بلقاني الانتماء وإنساني النزعة فقد عاد في كتابه الجديد “الاستفزاز وأشياء أخرى” إلى الخلاف التاريخي بين الصرب والألبانيين من خلال موقع حدودي ألباني فاقد لأبسط مقومات الحياة والمحاذي لموقع العدو الغارق في الملذات.

مقالات ذات صلة