ثقافة وفن

بعد ستة عقود على استقلال الجزائر .. كتب تروي في ذاكرة حروب ما قبل الاستقلال

بعد نحو ستة عقود على استقلال الجزائر، لا تزال حرب التحرير (1954-1962) مثار اهتمام المؤرخين والباحثين، في وقت لم ترفع فيه الجهات الرسمية في فرنسا والجزائر السرية عن كل الوثائق المتعلقة بتلك المرحلة التاريخية.

ولمعرفة حقائق ما جرى خلال تلك الفترة العاصفة، تبدو أعمال الباحثين والمؤرخين الساعين لإماطة اللثام عن رواية الأحداث أكثر أهمية، وتسعى بعض القراءات التاريخية لتسليط الضوء على حلقات جديدة أو جوانب مجهولة من الحرب الجزائرية.

وصدرت بعض الأعمال الفرنسية أخيرا لتلقي أضواء جديدة على بعض جوانب تلك الحرب قبل وأثناء وبعد العمليات الحربية التي قامت بها السلطات الاستعمارية الفرنسية، وتستعرض تلك المؤلفات الصادرة في أبريل/نيسان الماضي مسار أولئك الجزائريين الذين لم يقبلوا من دون تحفظ، أو لم يقبلوا على الإطلاق، قيادة جبهة التحرير الوطني خلال الحرب، إنها قصة الخاسرين إذن.

الرواية الأخرى

في كتاب “الجزائر، قصة أخرى للاستقلال.. مسارات ثورية لأنصار مصالي الحاج”، يستكشف عالم الاجتماع والسياسة نجيب سيدي موسى رحلة مقاتلي حركة الاستقلال الجزائرية التي قادها منذ منتصف عشرينيات القرن العشرين المناضل مصالي الحاج، الذي كان من أوائل من ناهضوا الاستعمار الفرنسي إلى غاية اندلاع حرب التحرير عام 1954، ولقب بـ”أبي الحركة الوطنية في الجزائر”.

وقد سميت هذه الحركة بـ”الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية”، وكانت هي الواجهة السياسية لحزب الشعب الجزائري، الذي خلّف منظمة “نجمة شمال أفريقيا”، التي تأسست بفرنسا عام 1926 على يد العمال الجزائريين المهاجرين، وحظرتها السلطات الفرنسية.

وتعرضت الحركة للمنع من طرف سلطات الاحتلال في أواخر 1954، لكن استؤنف نشاطها تحت مسمى آخر طيلة حرب التحرير قبل أن تستعيد اسم “حزب الشعب الجزائري” بعد عام 1962.

ورغم أن الحركة انخرطت في حركة التحرير، فإنها تعرضت للتهميش في مواجهات دامية (أربعة آلاف قتيل على الأقل) من طرف جبهة التحرير الوطنية التي كانت تسعى للهيمنة على مسار الاستقلال والاستيلاء على السلطة لاحقا، بحسب الكتاب.

ذاكرة جزائرية

ورغم أن السلطات الجزائرية حاولت أن تضع “الحركة من أجل انتصار الحريات الديمقراطية” في معسكر الخائنين ومحوها من كتب التاريخ، فإن مسار الحركة المصالية (نسبة إلى مصالي الحاج) وحلقات الحرب الأهلية بين الحركة والجبهة باتت معروفة، خاصة بفضل أعمال المؤرخ الجزائري محمد حربي والفرنسي بنجامين ستورا، اللذين أعادا نشر ستة كتب كبرى تحت عنوان واحد “ذاكرة جزائرية” (روبير لافو، 1088 صفحة).

ويعتبر كتاب نجيب سيدي موسى أول مؤلف يتناول قصة المناضلين الوطنيين الذين بقوا أوفياء لمصالي الحاج، ويعرض برنامج وأيديولوجيا حزبهم. وتكمن أهمية العمل في استكشاف كمية كبيرة من الأرشيفات غير المنشورة، بدءًا من اليوميات غير المكتملة لمولاي مرباح، الذي كان أحد كبار مساعدي مصالي الحاج، وعدد كبير من تقارير اجتماعات، صاخبة أحيانا، لأتباع مصالي.

ويظهر الكتاب أيضا أن حركة التحرر الجزائرية كانت دائما تعددية حتى لو تمكنت “جبهة التحرير الوطني” من تصدر المشهد التحرري والاستيلاء على السلطة بعد الاستقلال، بحسب الكتاب.

وبالتالي فإن ما يحمله الكتاب ليس بالشيء الهين في وقت يواجه فيه نظام الحكم الجزائري المنبثق بشكل مباشر عن تلك الحقبة التاريخية حراكا اجتماعيا وسياسياً واسعا اندلع منذ أكثر عام، ولم تكتب فصوله النهائية بعد.

انقسام الشيوعيين

ومن بين الأطراف الأخرى الخاسرة في حرب الجزائر، الحزب الشيوعي الجزائري الذي يحتاج بدوره، في نظر كاتب المقال الفرنسي، إلى إعادة بناء موثقة لرصد أنشطته ومواقفه المثيرة للجدل قبل حرب التحرير وخلالها.

وفي عمله الضخم تحت عنوان “الشيوعيون والجزائر 1920-1962″، يقوم الباحث التاريخي آلان روسيو بتلك المهمة بدقة وموضوعية عالية، مظهرا أن الشيوعيين الجزائريين ونظراءهم الفرنسيين اختلفوا منذ البدايات الأولى لحركة التحرر في الجزائر في عشرينيات القرن الماضي، حيث كان الهم الأول للجزائريين هو التخلص من الاستعمار، في حين كانت أعين الشيوعيين الفرنسيين منصبّة على النضال العالمي والثورة الكونية.

مصير اليهود

وفي كتاب “عام المغفلين، الجزائر، 1943″، يتتبع المفكر الفرنسي المعروف جاك أتالي مصير اليهود الذين سكنوا البلاد قبل الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830) بفترة طويلة.

ومنح مرسوم وزير العدل الفرنسي إسحاق كريمايو عام 1870 الجنسية الفرنسية ليهود الجزائر، وهو ما منح كثيرين منهم نفوذا كبيرا في ظل السلطات الاستعمارية، لكنهم عانوا مرة أخرى في زمن الحرب العالمية الثانية في ظل قانون لحكومة فيشي الموالية للنازية وفقدوا على أثره مواطنتهم الفرنسية التي منحت بموجب مرسوم كريميو.

ورغم ذلك لم ينضم اليهود الفرنسيون إلى معسكر الكفاح من أجل الاستقلال الجزائري عن الاستعمار الفرنسي، وهو ما سيقودهم لاحقا إلى تقاسم مصير من يعرفون باسم “الأقدام السوداء”، وهم المستوطنون الأوروبيون الذين سكنوا أو ولدوا في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830-1962)، والذين اضطروا إلى الهروب الجماعي إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر.

المصدر : الصحف الفرنسية

مقالات ذات صلة