ثقافة وفن

جائحة كورونا تُفقد “الحكواتي” في غزة فرحة أجواء رمضان

اعتاد الحكواتي فداء اللداوي (35 عاما) من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، أن تنقله قدماه خلال شهر رمضان أينما وَجد مجموعة من الأطفال في أحد أزقة الحارات والمخيمات بعد تناول طعام الإفطار، يجلس بينهم مشكّلاً حلقة منهم ويروي عليهم قصة مشوقة، يستغرق ساعات قليلة وهو يحاورهم حول أحداثها، يأخذهم من واقعهم إلى عالم آخر تنسج تفاصيله أحداث القصة، يبتسمون ويتهامسون حوله ومن ثم يحمل عباءته وينهي جلسته معهم على أن يلقاهم مرة أخرى.

والحكواتي عادة شعبية تقليدية يقوم بها شخص امتهن سرد القصص في المنازل والمحلات والمقاهي والطرقات، وكان الناس قديما يحتشدون لسماعه، وأحياناً لا يكتفي بسرد القصص بتفاعل دائم مع جمهوره، بل يدفعه الحماس لأن يجسد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت.

كورونا أوقف الحكواتي
يعمل الحكواتي فداء اللداوي منذ 18 عاما، عاش حياته من أجل إسعاد الأطفال في كافة المناسبات، يحتفل بهم وهم يحتفلون بوجوده أيضا، لم يعتقد يوما أنه سيتغيب عنهم فترة طويلة دون رسم البسمة على وجوههم.

يقول اللداوي للجزيرة نت “لم أتوقع أن أنعزل في بيتي بعيدا عن الأطفال وخاصة في هذا الشهر الفضيل الذي اعتدت فيه الذهاب إليهم بعد الإفطار في جولات المخيمات والحارات ومن خلال المكتبة المتنقلة التي كانت تجمعني بهم، ولكن أزمة كورونا أجبرتني على الجلوس في المنزل للمحافظة على سلامتهم وسلامتي.. مع استمرار فترة الحجر المنزلي، صورتُ عدة فيديوهات من خلال رواية القصص مع ابنتي ليان، ومشاركتها على صفحات التواصل الاجتماعي لتسلية الأطفال والبقاء معهم خلال شهر رمضان”.

ويضيف أن “المحبة التي أراها في عيون الأطفال مع كل رواية قصة تقربني منهم أكثر وتحفز تفكيري للقيام بأنشطة مختلفة لأجلهم.. لم أجد نفسي ناجحا في الحياة أكثر من وجودي في هذا المجال.. بالطبع أطفال قطاع غزة يحتاجون إلى كافة أشكال الترفيه بسبب الأزمات المتتالية التي تؤثر على حالتهم النفسية، ومثل هذه الأنشطة تساعد في تحسينها وتقويتها والتغلب عليها”.

بهجة الحكواتي
دور الحكواتي له طابع مختلف في شهر رمضان، ويشعر اللداوي بأنه يقوم بالدور بطريقة مميزة بوجود أجواء الشهر الفضيل والزينة والفوانيس التي يمسك بها الأطفال.. يقول “أحب شخصيتي بالحكواتي خلال شهر رمضان وأشعر بأنها إضافة مختلفة للأطفال خاصة بعد الإفطار.. هم يتجمعون أمام منازلهم ويحملون فوانيسهم ابتهاجا بالأجواء، وعندما أجلس معهم أشعر بأنني طفل مثلهم يستمتع بهذا الشهر”.

زيّن اللداوي منزله وأضاف الفوانيس والإضاءة لكي يضفي الأجواء الرمضانية على الفيديوهات التي يقوم بمشاركتها، ويروي العديد من القصص التي تحمل مواضيع تربوية مختلفة تعزز الثقافة والتربية لدى الطفل وتحفزه على المشاركة والتعبير عن الرأي.

جمع الأطفال
استطاع الحكواتي أن يمنح الأهل فرصة مشاركة أطفالهم القصص من خلال مشاهدة الفيديوهات ومناقشة أحداثها معهم والاستفادة من العبر التي تناولتها القصة، وهذا الأمر جديد وممتع بالنسبة للأطفال بوجود آبائهم وأمهاتهم بجانبهم.

منى أحمد (30 عاماً) من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، والدة الطفلين كريم وريما وهما من محبي الحكواتي فداء وينتظرانه دائماً في شهر رمضان بعد الإفطار، حيث كان يأتي إلى منطقة سكنهم من أجل الجلوس معهم لرواية القصص.

تقول منى للجزيرة نت “لم أكن أدرك محبة أطفالي للحكواتي فداء، كنت أعتقد أنه أمر مسلٍّ لهم فقط، ولكن بعد أزمة كورونا والتزام الجميع بالجلوس في منازلهم، شعرت بأهمية وجود الحكواتي في حياة أطفالي الذين بدؤوا يسألونني عنه كثيرا: هل سيأتي في شهر رمضان؟ وكيف يمكنهم الالتقاء به مرة أخرى؟ إلى حين أن أصبحت أتابعه عبر الفيسبوك وأشارك أطفالي الفيديوهات التي يعدها لهم”.

افتقاد الحكواتي
وغاب مشهد الحكواتي والأطفال بشكل كامل في رمضان الحالي بسبب أزمة كورونا، فلم يعد يتجول ليلقاهم ولم يعودوا ينتظرون ظهوره بلباسه المميز ليحتضنوه ويلتقطوا الصور معه.

سلمى بدر (14 عاما) تحب شخصية الحكواتي وتحاول تقليده، افتقدته كثيراً في شهر رمضان، وتقول للجزيرة نت إن “الجلوس مع الحكواتي أمر ممتع جداً، لهذا كنت أنتظر زياراته بشكل مستمر، وعندما أعلم أن له فعالية في مكان ما أذهب لكي أسمع قصصه، فهو يرويها بشكل مشوق، وشجعني كثيراً على القراءة فلم أكن أهتم بها أبداً، وكان يقتصر وقتي على متابعة واجباتي المدرسية. ولكن منذ أربع سنوات وأنا أستمع للحكواتي فداء، وحفزني كثيراً على الاهتمام بالقراءة لتنمية قدراتي العقلية واللغوية وثقافتي، فهي ليست مسلية فقط، ولكنها تحمل الكثير من الدروس والعبر التي يجب تعلمها في الحياة اليومية”.

غزة والكورونا
يفتقد أكثر من مليوني مواطن في قطاع غزة أجواء شهر رمضان التي اعتادوا عليها، فلم يكن بهذا السوء أبداً حتى في سنوات الحروب كما وصفها المواطنون.. إغلاق المساجد وانعدام الزيارات العائلية والإفطارات الجماعية المعتادة، كل ذلك أضفى مسحة حزينة على أجواء هذا الشهر. ومع ذلك يحاول الكثيرون الشعور بأجواء رمضان وذلك بتزيين منازلهم وإضافة الإنارة الملونة والفوانيس من أجل تخفيف حدة الأزمة على أطفالهم.

ولوحظ هذا العام الاهتمام الكبير للمواطنين بتزيين الحارات والمنازل لاقتصار الأجواء على العائلة فقط، ولديهم أمل بأن تنتهي هذه الظروف الصعبة في أقرب وقت، وتعود الحياة إلى طبيعتها في العالم بأسره.

مقالات ذات صلة