تكنولوجيا

سفينة أبحاث متجمدة تستكشف الحياة الليلية في شتاء القطب الشمالي

بمجيء شهر أكتوبر/تشرين الأول تهرب البعثات الاستكشافية من القطب الشمالي تاركة خلفها حصنا سميكا من الجليد يصعب على أي سفينة اختراقه، إلا أن أحياء هذا القطب من حيوانات وكائنات مجهرية تبقى محاصرة في الجليد الذي يزين أيام الشتاء القارس والمظلم الممتد حتى مارس/آذار.

وعلى الرغم من ضراوة الطقس، فإن هذه الكائنات الحية تمكنت من العيش والازدهار، فحتى العوالق النباتية -وهي أحد أنواع الطحالب التي تعتمد على ضوء الشمس لإتمام عملية التمثيل الضوئي- لا تقف ساكنة في الظلام.

ويزخر القطب الشمالي بأكثر من ألف نوع من الطحالب، تشكل الأساس الذي تبنى عليه سلسلة الغذاء في القطب الشمالي، لذا فإن أي تغير يحدث لها سوف يؤثر على شبكة الغذاء.

ويؤدي ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي إلى ذوبان الجليد، لذلك تزدهر أزهار الطحالب موفرة الغذاء للكائنات الأخرى، إلا أننا لا نعرف كيف تعيش هذه الطحالب في ظل الليل الدامس وكيف لها أن تستجيب لمستويات الضوء الخافتة.

وأخيرا، قامت البعثة الاستكشافية المعروفة باسم موزايك (MOSAIC) -اختصارا لمرصد الانجراف متعدد التخصصات لدراسة مناخ القطب الشمالي- بالإبحار في سبتمبر/أيلول 2019 لتستقر سفينتهم “بولارشتيرن” متجمدة في القطب الشمالي لمدة عام، في محاولة غير مسبوقة من علمائها لدراسة تغير المناخ وتأثيره على القطب الشمالي.

كانت أليسون فونغ -عالِمة الأحياء في معهد ألفريد فيجينر بألمانيا- من بين العلماء المحظوظين المشاركين من عشرين دولة والموجودين على ظهر بولارشتيرن. اختصت فونغ وفريقها -الذي عمد إلى إقامة مخيمه بعيدا عن أضواء السفينة- بدراسة تأثير الضوء الطبيعي -أو عدمه- على أصغر المخلوقات الموجودة هناك.

 تخييم فريق فونغ بعيدا عن أضواء السفينة لبدء الدراسة (ويكيبيديا)

حياة ليلية قاسية
جمع الفريق عينات الجليد لتحليلها في معمل مظلم وبارد على السفينة. وتقول فونغ فيما نقله موقع ساينس نيوز “سيمنحنا هذا فكرة عن المخلوقات الموجودة هناك ومدى نشاطها في غياب الضوء”.

في السابق، لاحظ العلماء أن العوالق الحيوانية تهاجر لأعلى ولأسفل خلال المياه، مدفوعة بضوء النهار أو ضوء القمر الخافت في الشتاء، إذ ترتفع الكائنات البحرية إلى السطح ليلا لتتغذى على العوالق النباتية وتغوص خلال النهار.

إلا أن رؤية نشاط مشابه لذلك في ظلام الشتاء القطبي الدامس قد يكون غريبا. وهو ما يعلق عليه جوناثان كوهين -عالم الأحياء البحرية من جامعة ديلاوير في الولايات المتحدة- بأن “لدى الكائنات طرقا مختلفة لتحسس واستشعار العالم، وذلك بغض النظر عما إذا كانت في البيئة البحرية أو البرية”.

وتبقى الكائنات البحرية والعوالق النباتية نشطة بالرغم من مستويات الضوء الخافتة أثناء الشتاء القطبي والتي قدرها كوهين بأنها أقل مئة مليون مرة من تلك التي لوحظت خلال الصيف، إلا أن العلماء لا يعرفون الكيفية التي تمكنها من البقاء كذلك.

 ميكروموناس بوسيلا -أحد العوالق البحرية- يحوّل نمط حياته ليشبه الحيوانات (ويكيبيديا)

لاحظ العلماء أن أحد أكثر أنواع العوالق البحرية وفرة -من نوع ميكروموناس بوسيلا (Micromonas pusilla)- يحوّل نمط حياته ليشبه الحيوانات، إذ يتغذى على البكتيريا والجزيئات الصغيرة الأخرى الموجودة في المياه.

ومن ثم تتمكن العوالق النباتية من الحفاظ على أجهزتها الضوئية سليمة طوال الليل القطبي المظلم، مما يتيح لها سرعة الاستجابة عند عودة ضوء الشمس في الربيع.

صحوة الربيع
بمجرد أن تشرق الشمس في الربيع، يبدأ الجليد في الذوبان وتأخذ الحياة في الازدهار مرة أخرى، مما يساعد في نضج أزهار العوالق النباتية الضخمة التي تعتبر بمثابة وجبات شهية لبقية السلسلة الغذائية الموجودة في القطب الشمالي.

كما تهاجر بعض أنواع العوالق الحيوانية -التي تقضي الشتاء في الأعماق الضحلة- إلى السطح في الربيع لتتغذى على الطحالب، وتصبح هذه الحيوانات الصغيرة غذاء للأسماك، ومن ثم تدعم بقية شبكة الغذاء.

 العوالق النباتية تبقى نشطة بالرغم من ليل القطب الشمالي المظلم (ويكيبيديا)

وقد رصد العلماء في السابق ما يقرب من اثنتي عشرة زهرة لعوالق نباتية تفتحت تحت سطح الجليد. وأرجع العلماء السبب في ذلك إلى اختفاء 95% من أقدم وأثقل طبقات الجليد في القطب الشمالي خلال الـ 33 عاما الماضية، مما سمح للضوء باختراق طبقات الجليد والوصول إلى العوالق النباتية أدناها.

إضافة إلى ذلك، لاحظت فونغ تفتح أزهار العوالق النباتية قبل أوانها، وذلك بينما كانت المياه أكثر برودة، مما قد يتسبب في تغير النظام الغذائي بالقطب الشمالي في المستقبل.

مقالات ذات صلة