كورونا يغيّب عرّاب العمارة العراقية الحديثة رفعت الجادرجي
توفي عرّاب العمارة العراقية والعربية الحديثة رفعت الجادرجي مساء الجمعة في العاصمة البريطانية لندن عن 94 عاما بعد إصابته بفيروس كورونا.
اشتهر الجادرجي بتصميم بعض المباني الأكثر شهرة في العراق، بما في ذلك المشاركة في تصميم قاعدة “نصب الحرية” العريق الذي صار رمزا في وسط العاصمة وسمّيت ساحته باسمه، وصارت مركزا للاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة.
مشاهدة تغريدات ALI KHALAF الأخرى |
وقالت الباحثة الفرنسية في فن العمارة الحديثة في العراق سيسيليا بييري التي عرفت الجادرجي إنه “كان أحد عمالقة العراق في القرن العشرين”.
ونعى كبار المسؤولين العراقيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، الجادرجي السبت.
وقال صالح في تغريدة على تويتر إنه “بوفاة الجادرجي يفقد فن العمارة في العراق والعالم رئته الحديثة التي تنفست حداثة وجمالا”.
٨٢٩ من الأشخاص يتحدثون عن ذلك |
ونعته بعثة العراق في الأمم المتحدة قائلة “رحل تاركا إرثا فنيا سيبقى شاهدا على ذوقه وإبداعه”.
نصب الجندي المجهول
ومن بين أعماله نصب الجندي المجهول الذي تعود فكرة إقامته إلى العام 1958 الذي كان يعد من معالم العاصمة حتى إزالته في العام 1982 من “ساحة الفردوس”، ليقام مكانه تمثال للرئيس الراحل صدام حسين الذي أزاله الأميركيون عندما غزوا العراق عام 2003.
مشاهدة تغريدات أسيَد الشاهر الأخرى |
وقد تحدث الجادرجي في أكثر من مناسبة عن تهديم نصبه عندما كان مستشارا لأمانة بغداد وكيف أنه شهد بنفسه ذلك ووثق بكامرته عملية الهدم.
مشاهدة تغريدات عراقية أصيلة الأخرى |
والجادرجي مصمم للقاعدة التي علق عليها الفنان جواد سليم نصب الحرية الشهير في ساحة التحرير وسط بغداد.
٢٠ من الأشخاص يتحدثون عن ذلك |
ولد رفعت الجادرجي في بغداد عام 1926 لأسرة عراقية عريقة، حيث كان والده كامل الجاردجي واحدا من أشهر الصحفيين في ثلاثينيات القرن الماضي، وعمل في مكتب استشاري للعمارة أنشأه بعد عودته من إنجلترا عام 1951 وتابع فيه عمله حتى عام 1978.
واستفاد من عمله في منصب رئاسة قسم المباني في مديرية الأوقاف العامة، ثم مديرا عاما في وزارة التخطيط في أواخر الخمسينيات ورئيسا لهيئة التخطيط في وزارة الإسكان، في تطوير اهتماماته الهندسية بل أن يبلور أسلوبا معماريا عرف به.
وانصب اهتمام الجادرجي على إيجاد أسلوب مناسب لعمارة عربية ممزوجة بالتراث، مستفيدا في الوقت نفسه من أسلوب العمارة الحديثة مثلما تظهر المباني التي قام بتصميمها.
أكمل الجادرجي دراسته في مدرسة “هامر سميث للحرف والفنون” البريطانية وواجه بعد عودته إلى بغداد تحديا مع تقاليد المجتمع البغدادي القديم عندما كانت مثل هذه الحرف تعدّ بأنها لا تخرج عن إطار حرفة البناء.
وأولى اهتماما استثنائيا للمواقع المعمارية للمباني التي صممها في شارع الرشيد التي اعتمد فيها على “الشناشيل” أو النوافذ الخشبية المزركشة، والتيجان والأقواس الظاهرة في المباني المطلة على الشارع والمقرنصات (الهوابط) الحديدية والخشبية البارزة من تلك المباني التي اندثر بعض منها بسبب التحديث وبقي البعض الآخر، وهو قليل جدا، محافظا على شكله.
كما حصل الجادرجي الذي شارك في معارض عالمية عديدة اهتمت بمسابقات التصاميم على جائزة لمشاركته في تقديم نماذج لمبنى البرلمان الكويتي.
سجن أبو غريب
اعتقل الجادرجي عام 1978 وبقي في سجن أبو غريب لمدة 20 شهرا قبل أن يطلق سراحه بطريقة مؤثرة، فعندما كان العراق يستعد لاستضافة مؤتمر عدم الانحياز طلب صدام حسين حينها مقابلة أشهر المعماريين لتكليفه بإعادة التنظيم العمراني لبعض الأماكن في بغداد.
وأخبر صدام بوجود أشهر المعماريين في السجن فأمر بإطلاق سراح الجادرجي ليتفرغ للمهمة. غادر الجادرجي في ثمانينيات القرن الماضي إلى بيروت، أيام الحرب العراقية الإيرانية.
وعندما عاد مع زوجته الكاتبة بلقيس شرارة إلى العراق عام 2009، صدم بما رآه. وقال حينها “لا أصدق ما الذي جرى. لقد تحول كل شيء إلى خراب تقريبا، لقد تعرض العراق لغزوات ولم يستقر منذ فترات طويلة وهذا ما ينعكس باستمرار على التفاصيل الحياتية والعمرانية”.
مشاهدة تغريدات جمال حسين علي الأخرى |
أنجز الجادرجي عشرات المشاريع في العاصمة بغداد، بما في ذلك مبنى دائرة البريد والاتصالات في منطقة السنك في قلب العاصمة التي تقع على ضفة نهر دجلة من جانب الرصافة، وكذلك مبنى اتحاد الصناعات العراقي.
وللجادرجي مؤلفات في العمارة أبرزها “الأخيضر والقصر البلوري” و”شارع طه وهامر سميث” و”حوار في بنيوية الفن والعمارة” و”جدار بين ظلمتين” الذي أرخ فيه للشهور العشرين التي أمضاها في سجن أبو غريب.