ثقافة وفن

عمر الشريف الذي لم يخذله الحظ في السينما المصرية والعالمية

لم يتخيل الفتى ميشيل ديمتري شلهوب، الذي ولد في مدينة الإسكندرية لأسرة مسيحية (وليست يهودية كما يشاع عنه)، أنه سيكون واحدا من أهم نجوم السينما المصرية فقط، بل سينتقل إلى هوليود، ليكون صاحب بصمة مميزة في السينما العالمية، صانعا مشوارا فريدا ومختلفا عن باقي نجوم جيله.

عمر الشريف، الذي تحل اليوم الجمعة الذكرى 88 لميلاده، قادته الصدفة إلى عالم التمثيل وفتحت له أبواب العالمية.

كان زميل دراسته المخرج يوسف شاهين الذي رافقه في مدرسة فيكتوريا كوليدج بالإسكندرية، يبحث عن وجه جديد ليقدم بطولة فيلم “صراع في الوادي” أمام فاتن حمامة، وبالصدفة قابل عمر الشريف وعرض عليه التمثيل في الفيلم الذي عرض عام 1954، معلنا ميلاد ممثل مصري ينافس نجوم هذا الجيل مثل شكري سرحان وكمال الشناوي وغيرهما.

لم تحصره وسامته في أدوار بعينها، فقد كان حريصا على التنوع والابتعاد عن الشخصيات النمطية أو القالب الرومانسي فقط، وساعده على ذلك عمله مع كبار المخرجين وقتها، فقدم مع يوسف شاهين “صراع في الميناء”، ومع عز الدين ذو الفقار “نهر الحب”، ومع عاطف سالم “صراع في النيل”، إلا أن فيلمه “في بيتنا رجل”، الذي قدم خلاله شخصية شاب نجح في اغتيال رئيس الوزراء المتعاون مع الاستعمار الإنجليزي، كان سببا في وصوله للعالمية.

لورانس العرب
تحضر الصدفة مجددا في مشوار عمر الشريف، فحينما حضر المخرج ديفد لين إلى القاهرة من أجل اختيار ممثل عربي يقدم شخصية الشاب العربي في فيلم “لورانس العرب”، رفض رشدي أباظة إجراء اختبار تمثيل للفوز بالدور، وهو ما دفع المخرج لمنح الدور لعمر الشريف بعدما شاهد أداءه في فيلم “في بيتنا رجل”، لتكون أول تجربة للشريف في السينما العالمية من بوابة هذا الفيلم الذي أنتج في 1962.

شجعت موهبته الطاغية لين لأن يمنحه دورا أكبر، وهو الأمير علي، الذي كان مفتاح دخوله لعالم جديد من الإبهار والتمثيل، فتعلم بأن لا يعتمد فقط على حركات الجسد، وحصل على خبرة من النجوم العالميين المشاركين مثل ديفد لين، وبيتر أوتول، وأنتوني كوين، وأليك غينس.

تناول الفيلم حياة الضابط البريطاني توماس إدوارد لورانس، الذي كان ضمن القوات الإنجليزية في القاهرة خلال الحرب العالمية الأولى، ولذكائه يتم إرساله إلى الصحراء العربية لمساعدة الأمير فيصل في ثورته ضد السلطان العثماني.

وبعد نجاحه في “لورانس العرب”، أكمل عمر الشريف مشواره مع السينما، وقدم تجارب مختلفة الجنسية، تاركا رصيدا سينمائيا ضخما بلغ ما يقرب من 118 عملا سينمائيا.

المتصوف المتسامح
“قلب الرجل مثل طائر محبوس، عندما يرقص قلبه يغني، وبعد ذلك يرتفع إلى السماء” كلمة على لسان بطل فيلم “السيد إبراهيم وزهور القرآن” (M. Ibrahim et les fleurs du Coran) تعبر عن المحتوى الذي يتضمنه العمل. فالفيلم الذي عرض عام 2003، اقتبس من رواية تحمل الاسم نفسه للروائي إيريك إيمانويل شميت تدعو للتسامح.

وكان عمر الشريف واعيا بالتطور الذي يعيشه ممثلا بحكم مرحلته العمرية، وهو ما كان واضحا في اختياراته في تلك المرحلة، بالإضافة إلى أن الفيلم أيضا يتوافق مع أفكاره الشخصية كونه نشأ في الإسكندرية التي عاش أهلها في مجتمع “كوزموبوليتان” -عالمي متنوع الثقافات- يتسامح مع كافة الأديان والأعراق، فحتى إشهار إسلامه والزواج من الممثلة المصرية فاتن حمامة لم يغير شيئا من تلك الأفكار.

قدمه الفيلم الفرنسي في شخصية المسلم المتصوف الذي يعيش بأحد أحياء الأقليات في فرنسا، ويلتقي بشاب يهودي يدعى مومو الذي يعيش حياة تعيسة، وتنشأ بينهما صداقة قوية رغم اختلافهما في المعتقدات الدينية، وقد نجح عمر الشريف في تقديم العمل ببراعة وسلاسة، ليحصل عن دوره المميز على جائزة سيرز الفرنسية.

سحر الحياة بعد الموت
في العام 2013، قدم الشريف آخر عمل سينمائي طويل له من خلال الفيلم المغربي الفرنسي “هز القصبة” (Rock the Casbah)، وتدور أحداث الفيلم خلال ثلاث ليال، يتوفى خلالها الأب تاركا خلفه أسرة مكونة أغلبها من النساء، وبعد وفاته يظل مستمرا في الحياة من خلال الحكاية التي يرويها، كما يحضر أيضا طقوس الاستعدادات لدفنه ويظهر بصورة شاعرية محبا للنسوة اللواتي أحطن به.

وقالت وقتها المخرجة ليلى مراكشي لإحدى الوكالات الفرنسية “عمر الشريف طبع طفولتي كما طبع طفولة أجيال كاملة من محبي السينما، لقد أحب سيناريو الفيلم، وقبوله العمل معي كان الهدية الأكبر”.

وعلى الرغم من النجاحات التي قدمها عمر الشريف في حياته، فإنه اعترف في لقاء له بأنه “لو لم أقدم فيلم لورانس العرب كنت سأظل سعيدا في حياتي، لكنني دخلت في مناخ آخر وحياة مختلفة لم أكن انتظرها، فممثل في هوليود كلمة تعني الكثير وإغراء كبير للممثلين، الكل يحلم بها”.

مقالات ذات صلة