ثقافة وفن

فيلم الحفرة .. مشاهد قاسية وعنيفة في حياة بمنظور رأسي

تدور أحداث فيلم “الحفرة” (بلاتفورم) حول جورنج الذي يسجن في مكان مختلف عن السجون الطبيعية، وحتى أسباب سجنه مختلفة، فهو مسجون لمدة ستة أشهر ليحصل على دبلوم دراسي، فطبيعة السجن مختلفة لأنه عبارة عن حفرة رأسية لا يعرف عمقها بدقة، والحفرة مقسمة لأدوار، كل دور عبارة عن زنزانة بها سجينان فقط.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكل أدوار السجن بلا استثناء بها فراغ في المنتصف يساوي بالضبط منصة طعام تنزل رأسيا لتقف عند كل دور في موعد محدد يوميا.

هناك قواعد عدة في هذا السجن، موقعك في السجن يتغير كل شهر، فلو كنت في الدور الرابع هذا الشهر، من الممكن أن تهبط درجتك في الشهر الذي يليه إلى الدور المئتين، وهكذا.

لا يمكنك الاحتفاظ بأي شيء من الطعام الذي يهبط إليك، يمكنك الأكل فقط خلال الفترة الزمنية القصيرة التي تهبط فيها المنصة، ولك أن تجلب شيئا واحدا فقط من العالم الخارجي ليكون معك داخل “الحفرة” طوال مدة سجنك.

لماذا الحفرة؟
ورغم اختلاف المعنى بين “الحفرة” و”The Platform”، فإن الاسم الإسباني الأصلي “El hoyo”، الذي يعني “الحفرة”، هو المعنى الأقرب من ترجمة الاسم الإنجليزي للفيلم، والذي يعني “المنصة”، وعلى الرغم من واقعيته أيضا، فإن الحفرة يعتبر الاسم الأكثر تعبيرا عن محتوى الفيلم.

الفيلم في شكله المبدئي يدور في عالم غير معروف، فهو يدور في اللازمان واللامكان، فنحن المشاهدين لا نعلم إطلاقا زمن الفيلم أو المكان الذي يدور فيه أو طبيعة عالمه، هناك لمحات بسيطة فقط تتشابه أحيانا مع واقعنا المعاصر.

ورغم ذلك، فإن الفيلم ينتقد بصورة واضحة عدة أمور في شكل قصته المبدئية، فهو لا يخفي على الإطلاق انتقاده للطبيعة الرأسمالية في توزيع الثروات، فالطبقات العليا يمكنها الاستمتاع بكل الملذات، بينما تنال الطبقات الأدنى ما يتبقى منهم وهكذا، وفي النهاية لا ينال المعدمون أي شيء ولكنهم قد يتغذون على بعضهم بعضا.

الفيلم على مستوى الفكرة المبدئية لم يقدم شيئا جديدا، هي فكرة قديمة وتم تناولها سينمائيا بصور متعددة، ولكنه على مستوى التناول قدم الفكرة بطريقة جديدة، ربما تكون جذابة للبعض، وقاسية على البعض الآخر، بيد أنها مختلفة.

الفيلم يحمل في طياته قسوة شديدة، تظهر أحيانا في التأثيرات المباشرة على الأبطال، أو في مشاهد عنيفة للغاية ولا يوجد فيها أي تورية.

تقنيات الفيلم
الفيلم الذي يعرض عبر منصة نتفليكس، لم يحمل بصمات إخراجية مميزة إلا قليلا، ربما في مشهدين أو ثلاثة مشاهد على أقصى تقدير، ولكن التصوير كان متميزا خاصة في زوايا التصوير واستخداماتها، لا سيما في الأماكن الضيقة، والتي تتطلب مشاهد قريبة من الممثلين أغلب الوقت.

موسيقى الفيلم لم تكن مميزة للغاية، ولا تعلق في الذهن، ولكنها كانت موترة إلى حد كبير خاصة في اللحظات القاسية خلال الأحداث.

رسائل
ربما يحمل الفيلم بين طياته رسائل أخرى غير مباشرة من خلال قصته، وهي شخصية جورنج نفسها والتي حاولت إصلاح النظام الرأسي الفاسد. في بداية محاولات التواصل تم الاستغناء عن مرتبته المتميزة حتى يصل إلى مبتغاه من إصلاح للنظام نفسه، ومحاولة توزيع الطعام بشكل مثالي ليستطيع الجميع تناول الطعام، وهي التجربة التي تثبت فشلها في النهاية

جورنج نفسه أتى إلى عالم الحفرة من العالم الخارجي بكتاب فقط وهي رواية “دون كيخوتة”، الفارس النبيل الذي حارب طواحين الهواء لإرساء العدالة والنبل في زمن لم يعد يحتمل الفرسان.

الرسالة التي يرغب بها جورنج نفسها تتغير مع طول الرحلة واكتشاف الثغرات داخل النظام نفسه، فيسعى إلى توصيل رسالة إلى سقف الحفرة والتي تهبط منها منصة الطعام يوميا مفادها “لقد حافظنا على قطعة طعام سليمة حتى نوضح لكم أننا لسنا حيوانات”.

لكن الرسالة نفسها تتغير مع اكتشاف وجود فتاة صغيرة في المستوى الأخير 333، حيث يتضح أن السيدة المجنونة التي كانت تبحث عن ابنتها ربما لم تكن مجنونة بالأساس، وربما كانت تهبط شهريا لإطعام ابنتها الصغيرة الموجودة في آخر مستوى، هذا الأمر يغير خطة جورنج وزميله الأخير بهارات لإرسال الفتاة إلى المستوى صفر، في محاولة أخيرة لإصلاح النظام.

أزمات وصراعات
ربما يطرح الفيلم صراع الطبقات أو الأزمات المترتبة على شكل النظم الرأسمالية بشكل جديد، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذا الطرح كان جيدا.

يحمل الفيلم الكثير من المشاهد المقززة والقاسية والعنيفة، والتي لم تكن أحيانا في صالح العمل، وكثير من المشاهدين لن يتحملوها لقسوتها الشديدة والمؤذية نفسيا.

قصة الفيلم أيضا تحمل رسائل موجهة بشكل فج، كأزمة الاستهلاك ودورها في خلق مستويات جديدة من الفقر، وعلاقة النظم الرأسمالية وعيوبها في معالجة الفقر، واختلاف مرتبة الأشخاص الاجتماعية بين لحظة وضحاها.

نهاية الفيلم الغريبة والمفتوحة، بحسب تصريحات صحفية لمخرج الفيلم، كانت مرتبطة بالمستوى صفر، ولكنه استقر على هذه النهاية، التي تثير المزيد من الأسئلة ولا تجيب تقريبا على أي سؤال مما تم طرحه خلال الفيلم، وهو ما يسبب أزمة شديدة وعدم ارتباط مع القصة.

الأداء التمثيلي من أغلب الأبطال لم يكن مميزا، إذ لا يوجد أداء واحد يجعلك ترتبط مع شخصية من الشخصيات، حتى شخصية البطل جورنج نفسه.

يناقش الفيلم أزمة الطبقات في نفس توقيت عرض فيلم “الطفيلي” (Parasite) للمخرج الكوري بون جون هو، الحائز على جائزة الأوسكار، تناول فكرة الطبقات بشكل أكثر واقعية.

ختاما، عرض الفيلم في مهرجان تورنتو للعام 2019، وقوبل بنجاح جماهيري وقتها، وفاز بجائزة الجمهور، حيث حصل على تقييم 7 على موقع “آي أم دي بي”، و84% من تقييم النقاد على موقع الطماطم الفاسدة، وهي تقييمات مرتفعة للغاية ترفع من أسهم مشاهدة الفيلم الذي حظي بنجاح نقدي وجماهيري.

مقالات ذات صلة