العراق أولاً .. تلك والله قسمة ضيزى
• لم أجد شعاراً خدّاعاً يكرّس الإستلاب مجدداً كشعار (العراق أولاً)،.. فهو شعار تختفي خلفه آيديولوجيات وأجندات على حساب الوطن العراقي.
والسؤال البديل: لماذا لا يكون (العراق أولاً وأخيراً) و(العراق للعراقيين) بدلاً عن شعار (العراق أولاً) والذي تروج له بعض الأوساط السياسية؟!.
• على طول الخط، بقى العراق مشاعاً للغير تحت مختلف الشعارات والآيديولوجيات،.. فالعراق إمّا بقرة حلوباً للغير تدر عليهم خيراته فإن جف ضرعها ذُبحت، وإمّا سوراً للآخرين يقيهم بأرواح وأجساد أبناءه وهم آمنون منعّمون مترفون، وإمّا مباحاً مستباحاً لأجنداتهم ومصالحهم يتقاتلون به ومن خلاله، وإمّا تابعاً مستلباً يدور في فلك أوطانهم وستراتيجياتهم!! وكلما ناديت بالعراقية كهوية وخصوصية ومصلحة أُتهمت بالصنمية الوطنية، وأنك ضد (الأمّة) المفترضة والمؤمّلة وحتى الوهمية، أو أنك شعوبي الفكر والسياسة،.. فالوطنية الخالصة لدينا تُهمة!!
• معظم الآيديولوجيات والأنظمة السياسية التي سادت العراق منذ تأسيس دولته الحديثة في 1921م عوّمت كيانه ومصالحه وهويته لصالح فرضيات (الأمّة/النحن) الحالمة والمؤمَّلة والوهمية، وتلك هي خطيئتها الكبرى التي أسست وما زالت لكوارث الإنهدام والاستلاب الوطني. فلم تنطلق الآيديولوجيات والأنظمة العراقية من (الأنا) الوطنية الناجزة كوجود وهوية ومصلحة في التعامل مع (الآخر)، بل فرضت العراق (جزء) من (كل) مفترض وأسست على وفقه هوية الدولة ونظامها ومصالحها،.. ومع التعويم أصبح العراق (قطراً) أو (ولايةً) أو (مشاعية) وليس وطناً قائماً بذاته على وفق هوية ومصالح وطنية مستمدة من أرضه وتاريخه ومتطلبات دولته!! ولما فشلت مناهج التعويم للدولة وتداعى الآخر على الوطن ذبحاً أو استلاباً أو تآمراً،.. رفُع شعار العراق أولاً!! وهي واجهة آيديولوجية جديدة تعيد إنتاج الإستلاب ذاته، فهذا الشعار لا يؤسس كيانه على (الأنا) الوطنية العراقية أولاً وأخيراً، ولا يقر بأوحدية الدولة الوطنية وجوداً وهوية ومصالحاً، بقدر ما يقرر بأنَّ الأولوية للعراق مع بقاء فرضيات (النحن) المفترضة والمؤمّلة والوهمية!!.
• العراق أولاً!! والسؤال: مَن هو الثاني والثالث؟ ووفق أي مسطرة آيديولوجية ومصالحية يتم تنظيم سلّم الأولويات؟ هنا نكتشف أنَّ فرضيات (النحن) ما زالت قائمة وراسخة، والاختلاف في الأولوية ليس إلاّ، وأنَّ العقلية والثقافة السياسية البنيوية ما زالت لا ترى العراق وطناً مكتمل الأركان والهوية والمصلحة، فلابد وأن تنتظم دائرة الهوية والمصلحة للدولة العراقية (برأيهم) على وفق دائرة (النحن) القومية أو الطائفية أو الآيديولوجية وليس (الأنا) الوطنية!!.
• مع قيام وثبوت الدولة الوطنية لم يعد للفرضيات الواهمة والحالمة والمؤمَّلة من وجود، إنها تسقط عند عتبة الحدود (بالجنسية) ومنطق المصالح (بالمنفعة) وفروض الإستقلال (بالسيادة)،.. ولا مصداق (للنحن) عند أول تصادم خصوصيات ومصالح وسيادة وطنية،.. هذا هو منطق الآخر قبل أن يكون منطقاً عراقياً.
• من مقتضيات البناء السليم للدولة، تحري التعاون والتكامل مع الآخر، هذا أكيد وضروري ومطلوب بحكم تداخل المصالح والتاريخ والجغرافيا والثقافة،.. وعوامل الإستقرار والتنمية والسلام تتسع بالتعاون وتضيق بالإنكفاء. لكن، أي صيغ تكامل يجب أن تنطلق من (الأنا) الوطنية الناجزة وليس من (النحن) المفتَرضة، هنا سنؤسس لتكامل حقيقي بنّاء ومتكافئ وراسخ مع الآخر،.. أمّا أن نبقى أتباعاً وفداءً (للنحن).. فتلك والله قسمة ضيزى.
حسين العادلي