الدولة بآبائها تحيا أو تموت …
• بغياب آباء أوفياء للدولة ابتدأت أزمة الدولة العراقية واستمرت،.. فالكارثة أنَّ مشروع الدولة العراقية الحديثة أُبتلى -على الأعم الأغلب- بآباء تمييز واستبداد ومغامرة بالدولة، فأوجدوا اضطراباً مجتمعياً وصراعاً سياسياً وقلقاً بنيوياً أتى على وحدة الأمّة وقوة الدولة وجعلها نهباً للخراب والاستلاب والتيه. ورغم بعض الفترات التاريخية المضيئة بعمر الدولة العراقية إلاّ أنها –بشكل عام- لم تخرج من نفق أزمة «يُتم الآباء الأفياء»، آباء التأسيس والإدارة الوطنية المتعالية عن التمييز والاستبداد والمغامرة.
• آباء الدولة هم: حكّام الدولة، مراكزها القيادية الشرعية المعنية بإدارة الشأن العام بحيادية ونزاهة وحكمة وشجاعة،.. وهم رعاتها المخلصون لها، المتفانون لرفعتها بطهورية ومسؤولية وولاء وعنفوان وطني،.. فليست الأبوّة المبتغاة للدولة تلك المجسِّدة لولاية العبيد ولدور القيادة الرعوية المتسلحة بالرعب ونظام المكرمات التي تجعل من الوطن سجناً ومن الشعب خرافاً للحروب والفتن والنزوات،.. ليست الأبوّة المطلوبة هي تلك التي تجعل من الحاكم مركزاً أنوياً متعالياً على القانون ومتمرداً على السياق والمحاسبة،.. إبوّة كهذه أبوّة معبأة بالأوهام والنرجسية والتمرد على الدولة.
• آباء الدولة ليسوا زعماء قوميات وأمراء طوائف وحيتان فساد وذيول تبعية للأجنبي،.. والسلطة ليست ملكاً لأحد ليحتكرها المستبد ويعبث بها المغامر ويبيعها الأجير ويتلاعب بها الموهوم بقدرات التفوق،.. والشعب ليس قطيعاً في زرائب القادة ليقدّروا له نوع حقوقه وكمّ رزقه ومقدار كرامته،.. والثروات ليست ورثاً ليتصرف بها الفاسد كمُلك أبيه،.. والسيادة ليست إقطاعية حزب أو قومية أو طائفة أو شخص لينتهكها كل فاقدٍ للأصالة والكرامة،.. فالدولة شعباً وسلطات وموارد وسيادة ملك الأمّة ومظهر إرادتها،.. وما القائد الأب سوى مسؤول وحافظ وراع لها،.. فإن شذَّ عن مهمته فسيواجه بالرفض،.. وما الثورات سوى رفض الشعوب للأبوّات النرجسية المستبدة المغامرة بمصالح الدولة وثرواتها وسلطاتها.
• أب الدولة المستبد المميز المغامر ينحرها، ينحر شرعيتها القائمة على أساس من الإرادة العامة، وينحر مشروعها عندما تكون حكراً على فئة أو حزب أو شخص، ويصادر حياديتها عندما يمارس التمييز لضمان البقاء في الحكم،.. فكما الأب/المسؤول المستبد يجهز على عدالتها عندما تكون الدولة أداةً للظلم والأهواء والأمزجة، كذلك، فالأب/المسؤول الذي يمارس التمييز على أساس قومي أو طائفي أو سياسي يودي بها الى الصراع فالإحتراب، لأنها عندئذ تكون مشروع قومية لا مشروع أمة، وملك طائفة لا ملك شعب، ومغامرة سلطة لا مشروع دولة.
• الدولة كيان حي يتقدم ويتأخر، ينجح ويفشل بعلاقة ثقة تبادلية تفاعلية بين السلطات والجمهور معاً، وما لم تستند الدولة إلى حركية حيّة تنتجها القيم والمبادىء والسياسات التفاعلية البنّاءة بين الشعب وقيادته وسلطاته فلن تنجو من التراجع أو الموت،.. شرعية القيادة، الثقة المتبادلة بين القيادة والجمهور، التفاعل الإيجابي البنّاء، مقومات العدل والمساواة والحقوق والواجبات المتبادلة… كلها أساسيات الدولة القادرة على البقاء والتكامل.
• من يطلب من المواطنين/الأبناء الأداء الصالح عليه بسلوك القيادة/الأبوّة الصالحة،.. فصلاح الدولة بآبائها قبل أبنائها، بمشاريعهم الوطنية الجامعة، بإدارتهم الرائدة لمقومات الحكم الرشيد، بالتزامهم بالقانون والنظام والطهورية المترفعة عن الفساد ونزوات التسلّط الرخيص،.. فالدولة بآبائها تحيا أو تموت.
حسين العادلي