نظامنا السياسي وثلاثي التحكم والحماية والمصلحة
حسين العادلي
تقوم بنية نظامنا السياسي (خلافا حتى لدستور 2005م) على اساس من التوافق المكوّناتي (العرقي/الطائفي/الحزبي)، وهنا الطامة.
فبنية النظام تعطي (الاعتراف/التمثيل/الاستحقاق) للمكوّنات وقواها، حيث تعد الدولة لديه مجموع مكوّنات عرقية طائفية (اي ليست امّة مواطنة، بل تكدس امم فرعية)، لابد لها من إطار توافقي يقسّم السلطة والثروة (والتعابير السيادية) على وفق هويات ومصالح المكوّنات. ولضمان التوازن بين المكوّنات يتم توزيع السلطات والمصالح بصفقات توافقية تشكّل ائتلافاً حاكماً من جميع المكوّنات الداخلة في تركيبة الدولة (لا معارضة).
يُولّد نظام «المكوّنات» ثلاثي: «التحكم والحماية والمصلحة»،.. فستتحكم سلطة المكوّن بدولة الأمّة، وستتحصن المكوّنات بسلطاتها لحمايتها ضد المكوّنات الأخرى، وستحتكر المكوّنات المصالح، وستتحكم قوى المكوّنات السياسية بالمكوّنات المجتمعية نفسها لتشكل وإياها وحدة واحدة في أنظمة التمثيل والتبعية والمصلحة النهائية.
تنتج عن هذه البنية سلسلة معقدة ومتداخلة من الأنظمة التي تتحكم وتسيطر وتحتمي بالدولة ضد الدولة لتحقيق مصالح المكوّنات، تقودها مجموعة قوى سياسية تدعي وتشتغل لتمثل مكوّناتها العرقية الطائفية، والتي ستكون في النهاية هي المستفيد من هكذا نظام لما تراه وترتأيه هي من مصالح،.. وبالتراكم والتقادم ستجد المكونات المجتمعية نفسها أسيرة هذه الشبكة المعقدة والمتداخلة من الصراعات والمصالح والتي تقتضي الحماية من القوى السياسية الممثلة لها ثم التوجيه فالتحكم بها على أساس من كونها محميات سياسية مجتمعية!!.
لأنَّ النظام التوافقي المكوّناتي يقوم على أساس من مقاطعات عرقية طائفية تجعل من المكوّن أساس بنائها، فستتشكل بالتبع «محميات» سياسية مجتمعية يحرسها الإعتراف بالمكوّن ويحقق استقلالها المصالحي نظام الحماية. ومع قيام «المحميات» ستتحوّل الدولة إلى نظام الدويلات المقنّع والذي تمارس فيه السيطرة والتحكّم القوى السياسية المعبّرة عن المكونات المجتمعية،.. وباعتبارها قوى مكوّنات، فإنها وبالتبع ستحتكر التمثيل المجتمعي السياسي، وستطالب بحصصها بالسلطة والثروة. والمعادلة التي ستنتج هي: دولة موزعة على شكل «محميات عرقية طائفية»، وقوى سياسية ممثلة للمكوّنات ومستفيدة من أنظمة «الإعتراف والتمثيل والحماية» لتحقيق المصالح، فتغدو الدولة بالمحصلة هي دولة «قوى المكوّنات» من خلال امتلاكها للسلطة والثروة.
المكوّن والتوافق هما أداتا القوى السياسية العرقطائفية لحماية نظام المصالح، خلافاً لمبدئي المواطنة والأغلبية السياسية في النظام الديمقراطي، إذ أنَّ المواطنة لا تساعد ذاتاً القوى السياسية على التمثيل الإحتكاري للناخبين، فالمواطنة تعطي القوى السياسية حق التمثيل السياسي وليس حق التمثيل العرقي الطائفي، والمصالح في عرف المواطنة تتحقيق وفق قاعدة «المواطن/الخدمة» وليس «المكوّن/المصلحة»،.. إنَّ التمثيل على أساس من المواطنة هو تمثيل «سياسي خدمي» وليس تمثيلاً سياسياً مكوّناتياً. كما أنَّ مبدأ الأغلبية السياسية في الديمقراطية يمنع القوى السياسية من تكوين البنية/الكتلة الإنتخابية أو البرلمانية العرقطائفية بل يشكّلها على أساس من التوافق السياسي البرامجي الصِّرف،.. في حين أنَّ نظام التوافق العرقطائفي هو نظام تمثيل «الفرد/الطائفة/المصلحة» على وفق اشتراطات دولة المكوّنات.
لا جدوى من إصلاح النظام السياسي ما لم يتحرر اولا من أسر «نظام المكوّنات» القائم على أساس التمثيل والتّحكم والسيطرة بمجتمعيات الدولة،.. ولا وحدة وحيوية وسيادة للدولة الّا بقيام نظام سياسي وطني يستند إلى التمثيل والمصلحة لأمّة الدولة،.. لا جدوى من التغيير إلاّ بكسر قالب التوافق المكوّناتي الحزبي الذي شظى وحدة الدولة وشرعن ابتلاعها،..
معركة الدولة تكمن باستعادة نظامها السياسي الوطني.