حين سببت زيوت مسمومة موت وشلل آلاف المغاربة.. رواية حديثة تعيد سرد الفاجعة
تعيد رواية “الملف 42” للكاتب والمترجم المغربي عبد المجيد سباطة النبش في قضية “الزيوت المسمومة”، وهي مأساة منسية تعود لمغرب ما بعد الاستقلال.
ورغم أن أحداث الرواية تجري عام 2002، فإن أبطالها يأخذون القارئ إلى مرحلة تاريخية مهمة غداة إخلاء الأميركيين القواعد العسكرية في مدن: القنيطرة، والنواصر، وابن سليمان، وسيدي يحيى الغرب عام 1959.
يقول الروائي عبد المجيد سباطة للجزيرة نت إن “الملف 42” ليس رواية تاريخية، إنما حبكتها “أقرب للتحقيق الأدبي الذي يقتبس من الرواية البوليسية عناصرها التشويقية، لكنه يختلف عنها بأحداثه التي تدور بين المكتبات ودور النشر، وأبطالها روائيون وناشرون ووكلاء وباحثون أكاديميون وقراء شغوفون، لا تكاد تخلو حواراتهم من ذكر عناوين أعمال أدبية خالدة، وأحاديث مستفيضة عن جدوى الأدب ومدى ملامسته للواقع، أو حتى قدرته على تعويضه”.
حبكة خارج الصندوق
في هذه الرواية -الصادرة أخيرا عن المركز الثقافي العربي- يتابع القارئ رحلة كاتبة أميركية شهيرة تدعى “كريستين ماكميلان” نحو المغرب؛ بحثا عن أفكار من خارج الصندوق.
قررت كريستين العودة إلى حقبة قضاها والدها جنديًّا في إحدى القواعد العسكرية بالمغرب في خمسينيات القرن الماضي، وكتابة رواية تمتح من فضاء وزمان بعيدين تماما عن السائد.
كانت الكاتبة تعتقد أن حياة والدها أبعد ما تكون عن المغامرات والأسرار، ولا يوجد فيها تفصيل واحد يمكن أن يبنى عليه صرح روائي متين، لكن تتبع بعض الخيوط قادها لاكتشاف ماضي والدها، ومعه مأساة إنسانية غيّرت حياة آلاف المغاربة.
واكتشفت كريستين تورط والدها -قبل أيام من إخلاء القوات الأميركية قواعدها بالمغرب- في قضية الزيوت المسمومة، التي هزت المغرب بعد الاستقلال، وهي مأساة إنسانية ما زال ضحاياها يعانون إلى اليوم من تبعات جشع الباحثين عن الثراء السريع.
وتعود هذه القضية إلى عام 1959، حين ظهرت أعراض غريبة لدى آلاف المواطنين المغاربة في مدن مختلفة، منهم من مات وآخرون أصيبوا بشلل على مستوى الأطراف السفلى، وأظهرت التحقيقات أن أنواعا من زيوت الطبخ استهلكها الضحايا كانت تحتوي على مادة ثلاثي أورتو كرزيل فوسفات، ومصدرها زيوت تشحيم طائرات حربية اشتراها تجار جشعون من سماسرة في القواعد العسكرية الأميركية الموجودة بالمغرب، وخلطوها بزيوت نباتية، وبيعت للمغاربة بأثمان بخسة.
سؤال الكرامة
“لا راحة لكاتب أبدا، فإما أن يكتب، أو يفكر في ما سيكتب”، بهذا الاقتباس للكاتب المسرحي يوجين يونيسكو يستهل الروائي المغربي عبد المجيد سباطة روايته الجديدة “الملف 42”.
ويوضح للجزيرة نت أنه بدأ التفكير في موضوع روايته الثالثة فور صدور الثانية “ساعة الصفر” عام 2017، وهي الرواية التي حاول أن يعالج من خلالها إشكالية الهوية في مفهومها الإنساني الموسع.
وإلى جانب “الملف 42” و”ساعة الصفر”، صدرت للكاتب الشاب -الفائز بجائزة المغرب للكتاب عام 2018- أعمال أدبية أخرى، هي: “خلف جدار العشق”، وترجمة روايتي: “لن ننسى أبدا”، و”فتاة الرحلة 5403” للأديب الفرنسي ميشيل بوسي.
يقول سباطة إنه كان مدفوعا في روايته الجديدة برغبة قوية في التطرق لسؤال قيمة وكرامة الإنسان المغربي، متأثرا بما عايشه من أحداث، وتأكيدا لدوره ككاتب مغربي ينحاز بدرجة أولى لطبقات اجتماعية، التي قد تجد صعوبة في إيصال صوتها.
ووجد في كارثة الزيوت المسمومة تجسيدا تاما لذلك السؤال، بعدما قرأ عنها بضعة أسطر بالصدفة سنة 2017، ليعثر بعدها على سيل من المعلومات في جراب ذكريات والديه اللذين عايشا تلك المرحلة بأدق تفاصيلها.