تشكيل حكومة الإقليم يصاب هو الآخر بعدوى التآخير
فرهاد علاء الدين
اجريت انتخابات اقليم كوردستان في ٣٠ ايلول ٢٠١٨ وتم اعلان النتائج الرسمية في ٢٤ تشرين الاول ٢٠١٨. عقد مجلس نواب الاقليم جلسته الاولى في ٥ تشرين الثاني لاداء اليمين القانونية، ثم ابقى جلسته مفتوحة كما هو حال بدعة الجلسات المفتوحة في مجلس النواب الاتحادي. عاد مجلس نواب الاقليم للانعقاد يوم ١٨ شباط ٢٠١٩ لاكمال الجلسة المفتوحة وتم انتخاب مجلس الرئاسة المكون من رئيس ونائب ومقرر، وسط مقاطعة الاتحاد الوطني الكوردستاني (الاتحاد) لهذه الجلسة.
اختيار رئاسة البرلمان كان بمثابة تحذير وجهه الحزب الديموقراطي الكوردستاني (الديموقراطي) للاتحاد الوطني بانه ماض في تشكيل الحكومة بمشاركته (الاتحاد) من عدمها. والديمقراطي يفضل مشاركة الاتحاد في الحكومة المقبلة، وفي تحذير اخر، أبرم الديموقراطي اتفاقية طويلة الامد مع حزب التغيير، وحسب هذه الاتفاقية سيشارك التغيير في الحكومة وسيحصل على عدد من الوزارات منها المالية والاعمار والاسكان والتجارة والاستثمار بالاضافة الى منصب نائب رئيس الاقليم، كما ان حزب التغيير حصل على مساعدات مالية من (الديموقراطي) حسب بعض تسريبات مصادر مطلعة. اتفاق الديموقراطي مع التغيير كان تكتيكا مهما وتحذيرا أهم للاتحاد، لأن حزب التغيير جاء من عقر دار الاتحاد في السليمانية، وقادته يمثلون ثقلا جماهيريا مهما، ليعطي الحكومة القادمة صبغة التعددية وعدم اقصاء الاخرين.
الاتحاد الوطني يراهن على الوقت
بدوره قام الاتحاد الوطني باطلاق التحذيرات بعدم المشاركة في الحكومة القادمة مالم تكن مشاركته فعلية وحقيقية. وعقدت القيادة الحزبية العديد من الاجتماعات لدراسة الوضع وظروف المشاركة، فيما تعالت بعض الاصوات بعدم المشاركة والعودة الى احياء ادارة في السليمانية مستقلة عن اربيل، ولكن في النهاية صوتت القيادة على المشاركة وابرمت اتفاقية ستراتيجية مع الديموقراطي وتم توقيع الاتفاقية في ٤ اذار ٢٠١٩. تتضمن الاتفاقية ٢١ نقطة اساسية، كلها تصب في كيفية المشاركة والحكم في الحقبة المقبلة.
عقد المكتبان السياسيان للحزبين مجموعة لقاءات لم تسفر حتى اللحظة عن نتائج ملموسة او اتفاق، لأن الديموقراطي حدد مجموعة وزارات بانها غير قابلة للنقاش منها وزارة الداخلية ووزارة الثروات الطبيعية ووزارة الصحة ووزارة البلديات ودائرة العلاقات الخارجية، بالاضافة الى مستشار مجلس امن الاقليم والمناصب الموعودة للتغيير،بينما ترفض قيادة الاتحاد هذا التقسيم وتصر على تسلم اما وزارة الداخلية او مستشارية امن الاقليم كمناصب امنية بالاضافة الى وزارات خدمية، وتفكر ايضا بالتنازل عن منصب رئاسة مجلس نواب الاقليم مقابل الحصول على وزارتين.
يرى قادة الاتحاد انهم يستحقون المشاركة الفعلية والحقيقية لانهم يمثلون قوة اساسية في المنطقة وانهم يسيطرون امنيا وماليا واداريا على ما يسمى بالمنطقة الخضراء ولا يمكن لاربيل ان تشكل الحكومة و تحكم هذه المنطقة بدون مشاركة الاتحاد، اكثرية موارد الاقليم النفطية و الغازية تقع ضمن مناطق سيطرة الاتحاد. وفي الوقت نفسه، تدرك قيادة الاتحاد أهمية التغيير الحاصل في قيادة الحزب الديموقراطي، متمثلا بتسلم مسرور بارزاني موقع رئاسة الحكومة ونيجيرفان بارزاني رئاسة الاقليم، إذ يبدو الديموقراطي على عجالة من امره لاكمال التغيير، لذلك يسعى الاتحاد لاستعمال هذه الورقة في المفاوضات لتثبيت الشراكة التي يراها استحقاقا له.
الديموقراطي لن ينتظر
الحزب الديموقراطي بدوره لن يدوم انتظاره طويلا، فالمصادر المطلعة داخل الحزب تؤكد بانه ماض في تشكيل الحكومة نهاية شهر اذار بمشاركة الاتحاد أو عدمها، والرأي السائد لدى صقور الحزب، يقوم على فرضية أن الديموقراطي لديه العدد الكافي من نواب برلمان الإقليم، لتمرير القوانين المطلوبة، والبدء بمسيرة تشكيل الحكومة بعد انتخاب رئيس الاقليم، والذي بدوره يكلف مرشح الديموقراطي بتشكيل الحكومة، ولكن الخيار الافضل لدى الديموقراطي هو مشاركة الاتحاد، لذلك سيعمد إلى حفظ المناصب لهم عند عودتهم للمشاركة كما فعلوها مع رئيس البرلمان حيث ان الرئيس المنتخب سيتنحى بعد مشاركة الاتحاد.
وقبل تمرير الحكومة يجب اجراء مجموعة تعديلات قانونية منها الغاء قانون توزيع صلاحيات رئيس الاقليم بعد ان تم توزيع هذه الصلاحيات بين رئاسة مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس القضاء في سنة ٢٠١٦، والغاء قانون تجميد صلاحيات رئاسة الاقليم وتعديل انتخاب رئيس الاقليم في داخل مجلس النواب بدل الانتخاب المباشر.
بعض المراقبين يؤكد وجود خلاف في الرأي داخل الديموقراطي حول الصلاحيات، حيث ان مرشح الرئاسة يريد صلاحيات واسعة من ضمنها الاشراف المباشر على العلاقات الخارجية، فيما يريد مرشح رئاسة الحكومة حصر اكثرية الصلاحيات في الحكومة والابقاء على ماكان عليه حال الرئاسة في السابق او اقل من ذلك.
اهمال الناخب هو السمة البارزة
على عكس الحكومة الاتحادية، لا توجد توقيتات معينة في الاقليم ترغم الاحزاب على الالتزام بتشكيل الحكومة، وحتى في حال وجود التوقيتات، فالكل يعلم أن الاحزاب لا تلتزم كثيرا بهذه التوقيتات، حيث نرى الحكومة الاتحادية لم تكتمل وزارتها بعد ١٠ اشهر من الانتخابات، فالديموقراطية في العراق عموما وفي اقليم كوردستان خصوصا، ديموقراطية مطاطية وتفصل على مقاييس احزاب السلطة ولا يوجد احترام كبير للناخب او العملية الديموقراطية، كما ان عدم احترام التوقيتات الدستورية اصبح عادة لدى الاحزاب العراقية، فلا يوجد اهمية لهذه التوقيتات وتمديدها اصبح روتينيا، فليس مستغربا ان نرى الجلسات المفتوحة للبرلمان تطول اشهرا، بالرغم من ان العرف الانتخابي لا يسمح بذلك، فضلا عن تعارض هذه الجلسات المفتوحة مع قرار المحكمة الاتحادية ونصوص قانونية ودستورية عدة. ومع كل هذه الموانع القانونية، لا يزال تشكيل الحكومة بعيدة، بالرغم من مضي ٦ اشهر على إجراء الانتخابات.
ولا تأبه الاحزاب كثيرا باكتمال الوزارة من عدمه، لأنها تعلم أن الناخب لن يحاسبها أو يعاقبها في الانتخابات القادمة، حتى ان قصرت في وعودها الانتخابية، إذ أن الأحزاب تعلم أن أكبر ما في يد الناخب، هو الامتناع عن المشاركة في الانتخابات كما حصل في انتخابات ٢٠١٨، ومع وجود الجمهور المؤدلج الذي ينتخب أحزابه مهما كانت الضروف، ليس هناك ما يخاف منه الساسة، لذلك زادت هذه النقطة من عدم اكتراث الاحزاب بشكل عام لما يطلبه الناخب فيما يتعلق باحترام ارادته.
اذا شرع الديموقراطي بتمرير التعديلات القانونية المشار اليه اعلاه و تم انتخاب رئيس الاقليم في نهاية شهر اذار كما هو متوقع، سيكلف مرشح الكتلة الاكبر لتشكيل الحكومة (الديموقراطي) و المرشح بدوره لديه شهر ليشكل حكومته سواء بمشاركة الاتحاد او عدمه، ما معناه يتم تشكيل الحكومة في نهاية نيسان او بداية ايار اذا لم تستمر الجدل الدائر كما هو الحال عليه الان.