اراء و أفكـار

رئاسيات الجزائر.. رموز جديدة للمعارضة تقلب الطاولة على التقليديين

كشف سباق الترشح لانتخابات الرئاسة في الجزائر عن قادة جدد للمعارضة قلبوا الطاولة على رموزها القديمة التقليدية، بحسب مختص في التسويق السياسي.

هؤلاء القادة الجدد يتميزون بمواقفهم الجريئة، ويستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، ويلتقون المواطنين خارج القاعات المغلقة، ويخاطبونهم بلغة بسيطة.

وتُجرى الانتخابات في 18 أبريل/ نيسان المقبل، ويعد الأحد 3 مارس/ آذار الجاري هو آخر موعد لتقديم ملفات الراغبين في الترشح إلى المجلس الدستوري، بغية المصادقة عليها.

وأعلن الرئيس المنتهية ولايته، عبد العزيز بوتفليقة (81 عاما)، في 10 فبراير/ شباط الجاري، اعتزامه الترشح “استجابة لنداءات ومناشدات” من أنصاره، كما قال في رسالة إلى الجزائريين.

كما أعلنت شخصيات سياسية عزمها خوض السباق، منهم رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، ورئيس حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي)، عبد الرزاق مقري، والجنرال المتقاعد، علي غديري.

بدأ جزائريون، في 22 فبراير/ شباط الماضي، مسيرات احتجاجية في ولايات عديدة ضد “ولاية رئاسية خامسة” لبوتفليقة، الذي يحكم منذ عام 1999، ويعاني من متاعب صحية منذ سنوات.

حظيت المسيرات بزخم وتجاوب غير مسبوقين في الجزائر، عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي غصت بصور وفيديوهات وبث مباشر، خاصة على “فيسبوك”، رغم التذبذب الكبير وبطء سرعة تدفق الإنترنت.

و”فيسبوك” هو المنصة الاجتماعية الأولى بالجزائر، حيث يوجد أكثر من عشرين مليون مشترك، بحسب إحصاء لموقع أندرويد الجزائر، عام 2018.

وتحصي الجزائر نحو 35 مليون مشترك في خدمة الإنترنت الجوال، عبر ثلاث شركات مُشغلة، إضافة إلى نحو 4.5 مليون خط للإنترنت الأرضي المُسوق من طرف شركة اتصالات الجزائر الحكومية.

وعكس الانتخابات الرئاسية السابقة، تضاعف عدد المشتركين في الإنترنت الجوال والشبكات الاجتماعية، بحكم أن الجزائر أطلقت خدمات الجيل الثالث للهاتف المحمول قبل أربعة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أبريل/ نيسان 2014.

واللافت هذه المرة في الترشح للانتخابات الرئاسية هو دخول شخصيات جزائرية من المهجر وأخرى محلية على الخط، وتحولها إلى رموز جديدة للمعارضة سحبت بساط النجومية من تحت أقدام شخصيات المعارضة القديمة التقليدية.

ومن أبرز تلك الوجوه السياسية:

رشيد نكاز.. جولات مكوكية

رشيد نكاز هو سياسي مثير للجدل، ترشح في انتخابات الرئاسة الفرنسية، عام 2012، ثم تخلى عن الجنسية الفرنسية، في 2013، للترشح في انتخابات الرئاسة الجزائرية، في العام التالي.

قبيل تقديم ملف ترشحه، في مارس/ آذار 2014، اختفى نكاز هو وملفه، واتهم السلطات حينها بتدبير مكيدة لمنعه من إيداع ملفه حتى تنتهي مدة التقديم.

يُعرف عن نكاز دفاعه عن المنتقبات في أوروبا، حيث يلتزم منذ سنوات بدفع غرامات مالية تفرضها محاكم أوروبية على منتقبات في فرنسا، بلجيكا، سويسرا والدانمارك وغيرها.

يحظي على صفحته في “فيسبوك” بـ1.46 مليون متابع، ويبث يوميا فيديوهات عديدة تحظى بمتابعة وتفاعل كبيرين للغاية.

التف آلاف الشباب حول نكاز خلال جولاته في ولايات خنشلة وقالمة وباتنة وعنابة وقسنطينة وميلة (شرق)، أثناء جمع استمارات التوكيلات للترشح.

وأظهرت فيديوهات نكاز وهو محاط بشباب يرددون أغانٍ، منها “رشيد رئيس”، وتم حمله على الأكتاف مرات عديدة.

ويشترط قانون الانتخابات أن يجمع الراغب في الترشح للرئاسة 60 ألف توقيع من مواطنين، أو 600 توقيع من منتخبين بالمجالس البلدية أو الولائية أو الوطنية (البرلمان بغرفيته).

وحظيت جولات نكاز في الولايات بمتابعة غير مسبوقة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث فاق عدد المشاهدين للبث الحي على صفحته في بعض الولايات 30 ألف متابع، إضافة إلى مشاركة منشوراته على نطاق واسع.

عادة ما يخاطب نكاز متابعيه ومحبيه باللهجة العامية الجزائرية (الدارجة)، إضافة إلى استعماله العربية الفصحى والفرنسية في أحيان أخرى.

في 2015 قام نكاز بمسيرة على الأقدام من العاصمة إلى بلدة عين صالح، على بعد 1500 كيلومتر، لمناهضة استغلال الغاز الصخري.

ويصور نكاز ويبث معظم جولاته داخل الجزائر أو خارجها عبر صفحته بـ”فيسبوك”، وتقوم عشرات الصفحات الأخرى والمواقع الإخبارية بمشاركة فيديوهاته.

خلال جولاته لجمع التوقيعات تسبب نكاز في حرج كبير للسلطات في ولايات عديدة، نظرا إلى العدد الكبير من الأنصار الذين انتظروه في كل مرة أمام مقر البلدية، للتوقيع على استمارات الترشح لصالحه.

وأظهر فيديو على صفحة نكاز، في 23 فبراير/ شباط الماضي، رئيس بلدية الجزائر الوسطى، عبد الحكيم بطاش، وهو يرجو نكاز تنظيم الجماهير التي اجتاحت مقر البلدية للتوقيع على الاستمارات.

بعدها بساعات أظهر فيديو قوات الشرطة وهي بصدد توقيف نكاز، وسط العاصمة، ليتم اقتياده إلى مقر إقامته في محافظة الشلف (غرب)؛ لأنه تسبب في احتشاد كثيرين حوله وتحول الأمر إلى مظاهرة.

وبث نكاز، في 26 فبراير/ شباط الماضي، على خدمة البث المباشر بـ”فيسبوك” عملية توقيف الشرطة له في محافظة وهران (غرب)، لأن لقاءه بمواطنين أيضا تحول إلى مظاهرة.

وأظهر الفيديو، الذي حظي بعشرات الآلاف من المتابعين وتمت مشاركته على نطاق واسع، عملية توقيف تشبه الأفلام البوليسية، حيث اعترضت سيارات شرطة طريق نكاز من الجهات الأربع.

في البداية، رفض نكاز التوقف، حيث ظل يبث الفيديو، ورفض فتح زجاج النوافذ والأبواب أمام رجال الشرطة، قبل أن يستسلم في النهاية.

غاني مهدي…شعبية برنامج تلفزيوني

يحظي غاني مهدي بمتابعة لافتة على المنصات الاجتماعية.

كان يقيم في بريطانيا، وقدم برامج ساخرة على قناة “المغاربية” (معارضة)، التي تبث من لندن.

يملك مهدي صفحة على “فيسبوك” تحظى بمتابعة أكثر من 600 ألف، ويبث عبرها بانتظام تحركاته من خلال خدمة المباشر.

ومرارا، أعلن مهدي مسبقا على صفحته عن مكان تواجده لتوقيع استمارات الترشح، وفي كل مرة استقبله المئات من المتعاطفين، ولاسيما الشباب.

يخاطب مهدي الحاضرين، في تجمعاته لتوقيع الاستمارات، باللغة العربية الفصحى والإنجليزية والعامية الجزائرية، وخاصة في الساحات والمقاهي.

ميسوم.. تدخلات برلمانية مزلزلة

بزغت شعبية النائب البرلماني السابق، طاهر ميسوم، خلال الولاية النيابية السابقة (2012-2017).

عُرف بهجماته غير المسبوقة والقوية على الوزراء، ما دفع وزير الصناعة السابق، عبد السلام بوشوارب، إلى وصفه منتقدا بـ”ابن الحركي”.

و”الحركي” هم جزائريون خانوا ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)، وانضموا إلى الجيش الفرنسي، وانتقل معظمهم إلى العيش في فرنسا، بعد استقلال الجزائر.

وبالعامية الجزائرية، يخاطب ميسوم الجزائريين بعيدا عن القاعات المغلقة، في المقاهي والساحات العامة.

وقبل أيام اجتمع المرشحون نكاز ومهدي وميسوم في وهران (غرب)، في لقاء تخلف عنه غديري، رغم موافقته سابقا عليه، بغية الاتفاق على مرشح واحد لخوض السباق الرئاسي.

لم يتوصل اللقاء إلى اتفاق لأسباب قيل إنها تتعلق بحضور شخصيات لا علاقة لها بالاجتماع وانسحاب غديري وإحجامه عن المشاركة.

خطاب ولغة ووسيلة

وفقا للمختص في التسويق السياسي، العيد إزري، فإن السبب في تحول مرشحين لانتخابات الرئاسة الجزائرية إلى رموز جديدة للمعارضة هو خطابهم السياسي وطريقة تواصلهم المباشرة مع المواطنين.

وأوضح أزري أن “هؤلاء المترشحين للرئاسيات جلبوا معهم طريقة تواصل جديدة مباشرة، وبلغة بسيطة مفهومة غزت عقول أعداد لافتة من الجزائريين، وخاصة الشباب.. أعادوا الشباب إلى الحقل السياسي بعد أن استقال منه سابقا”.

وتابع أن “شرائح واسعة من الشباب الجزائري وجدت فسحة ومتنفسا لتفريغ همومها والتعبير عن مشاعرها تجاه ما يحصل في البلد، من خلال هؤلاء المرشحين”.

وشدد على أن “هذه الفسحة لم يجدها غالبية الجزائريين، وخاصة الشباب، في الأحزاب التقليدية”.

وأردف أن “وجوه المعارضة الجديدة استعملت لغة بسيطة وخطابا مباشرا، واعتمدت على شبكات التوصل الاجتماعي للوصول إلى المواطنين، ما حقق لها الالتفاف حولها”.

واستدرك: “مقابل ذلك ظلت المعارضة التقليدية حبيسة خطابات قديمة لم تُجدد، ونشاط داخل القاعات المغلقة”.

واعتبر أنه “من العوامل التي ساعدت هؤلاء المرشحين على كسب قلوب الآلاف هي تصريحاتهم ومواقفهم الجريئة في وقت مضى، والتي صنعت الرأي العام الوطني، وصارت محل تداول على الشبكات الاجتماعية”.

وختم إزري بأن “اللافت هو أنه رغم أن تلك الشخصيات لا تملك أحزابا إلا أن لها قدرة كبيرة على التجنيد (الحشد)، وهو تجنيد تلقائي عفوي، لا سيما وسط الشباب، عكس الأحزاب التقليدية، التي يكون التجنيد فيها غالبا بمقابل مادي أو امتيازات”.

 

“القدس العربي”

مقالات ذات صلة