اراء و أفكـار

صيدلية الأعشاب ملاذ العراقيين لمقاومة أمراض الشتاء

العراقيون يُقبلون على المحلات العشبية لمقاومة أمراض موسمية ومزمنة بعد موجة الغلاء الفاحش للأدوية الكيميائية وانتشار المغشوش منها ومنتهية الصلوحية.

خلطة من الأعشاب كافية لمقاومة نزلات البرد، هكذا صار يفكر العراقيون الذين أصبحوا عاجزين عن الذهاب إلى عيادة الطبيب لغلاء المعيشة، ولأن الأدوية صارت شحيحة وما يوجد منها في السوق السوداء مغشوش ومجهول المصدر أو منتهي الصلوحية، فقد دفعهم كل ذلك إلى التوجه إلى محلات بيع الأعشاب الطبية ليشتروا خلطة طبية معجونة بالخبرة والتجربة من العطارين.

  • غلاء الأسعار والأوضاع المتردية للمؤسسات الصحية بعد هجرة الأطباء المهرة، وشح الأدوية وانتشار المغشوش منها، كلها عوامل دفعت الفقراء من العراقيين إلى التوجه إلى الأعشاب الطبية لمقاومة الأمراض التي يتسبب فيها النزول الحاد لدرجات الحرارة في فصل الشتاء، فالأعشاب الطبية تتميز برخص ثمنها بالمقارنة بالأدوية الكيميائية.

ويتفق العاملون في محلات العطارة على أنهم خبراء لهم وصفات جاهزة ومجربة أثبتت كفاءتها في علاج نزلة البرد وهي أبرز أمراض الشتاء، فضلا عن عدم وجود تأثير سلبي لها على جسم الإنسان.

وشهدت محلات الأعشاب الطبية في بغداد والمدن العراقية الأخرى، إقبالا يفوق في بعض الأحيان العيادات الطبية وصيدليات الأدوية الكيميائية، حيث يتكفل العشّابون بمعالجة مرضاهم بوصفات تعلموها بالوراثة وثبتت فعاليتها منذ سنوات.

يقول عباس الحسيني، صاحب محل للأعشاب الطبية في بغداد، “إن طب الأعشاب ويسمى أيضا الطب الشعبي قديم قدم التاريخ في العراق، فالعراقيون يتداوون بالعشب منذ آلاف السنين خبروا وأحضروا من الأعشاب خلطات عجيبة لمداواة مختلف الأمراض”.

وتذكر المصادر التاريخية، أن الطب الشعبي رافق حضارات العراق المختلفة، السومرية والبابلية، وما تلاها من حقب تاريخية، حيث عثر خبراء الآثار على الكثير من الكتابات والرقم الطينية التي تثبت هذا الأمر.

وصنع السومريون أقراصا طينية تحتوي على المئات من الأعشاب الطبية، وكان الطب الشعبي هو الملاذ للمرضى على مدى التاريخ العربي وحتى القرن العشرين بعد ظهور الطب الكيميائي لينحصر في الأرياف وفي أوساط الفقراء.

ويؤكد الحسيني، أن الإقبال على هذا الطب ازداد في السنوات الأخيرة بعد أن شهد تراجعا في سبعينات القرن، وسبب انتشاره من جديد يعود إلى غلاء الأدوية وكثرة الأدوية المغشوشة والمنتهية الصلوحية التي تؤدي إلى الأضرار الصحية.

ويضيف، أن “مستوى الإقبال على التداوي بالأعشاب الطبية بدأ ينتشر مؤخرا بسبب كثرة الأدوية المغشوشة والفاسدة والتي أدت إلى حصول ضرر صحي، ناهيك عن تكاليفها العالية وهو ما دفع الكثير من الناس إلى الإقبال على الطب الشعبي بسبب رخص تكاليفه، بالإضافة إلى أنه مضمون النتائج ولا تؤدي خلطاته إلى أي تأثيرات سلبية على الإنسان”.

ويقول أركان حبيب صاحب محل أعشاب طبية في منطقة شورجة، أن الأمراض التي تنتشر في فصل الشتاء معروفة وهي نزلات البرد والأنفلونزا، والرشح والتهاب القصبات الهوائية وما يصاحبها من آلام وارتفاع في حرارة الجسم، وقد عرف العراقيون أدوية لهذه الأمراض استخلصوها من الأعشاب وجربوها فأفادت الكبار والصغار.

ويضيف قائلا، أن “الخلطة لعلاج نزلة البرد لا تفوق خمسة آلاف دينار (حوالي 4 دولارات أميركية)، في حين أن معايدة الطبيب لمداواة مثل هذا المرض قد تكلّف المواطن العراقي خمسين ألف دينار عراقي أو أكثر، وهو مبلغ لا يقدر عليه كل العراقيين، لذلك بدأ طب الأعشاب يستقطب الشرائح الواسعة من الفقراء والنازحين لأنهم يدركون بأن نتائج طب الأعشاب مضمونة ولا يمكن أن تحوي أي مواد فاسدة أو تالفة أو مؤثرة على صحة المريض”.

ويقول عباس الحسيني إنهم يعدّون ما يزيد عن عشرين وصفة طبية لهذه الأمراض الشتوية يوميا، ما يعني أن عامة الناس مازالوا يعتقدون في جدواها، كما أن العائلات العراقية تكثر من شرب الشاي والزهورات والبابونج والنعناع لتلافي نزلات البرد وما تخلفه من صداع وآلام في الحلق.

ويؤكد أبوقاسم الذي كان متواجدا في محل الحسيني، أن “الأعشاب الطبية مفيدة جدا، خصوصا أنها لا تترك مضاعفات جانبية وهناك من الأعشاب ما يعد علاجا لمئات من الأمراض، ويستخدمها كثيرا لكونها فعالة ورخيصة جدا”. ويضيف أنه يعالج أطفاله إذا ما عانوا من نزلات البرد بالأعشاب الطبية التي أثبتت فاعليتها بالقضاء على هذا المرض بشكل نهائي.

ويشرح الحسيني قائلا، “أن العشّابة يسألون المريض عدة أسئلة تساعد على فهم الحالة المرضية أكثر ومن ثمة إعطائه علاجا مناسبا تماما، ونحن لا نأخذ ثمن الفحص كما يفعل الأطباء في عياداتهم، أسئلتنا تجعلنا نمنع حدوث أي مضاعفات أو حساسية لأن بعض الأعشاب تحتوي على نوع من السموم والتعامل معها يحتاج إلى دراية كبيرة وخبرة كافية”.

وتؤكد أم محمد أن الأعشاب الطبية تعدّ صيدلية متكاملة ونتائجه باهرة في علاج أمراض كثيرة وتعتمد عليها في علاج أمراض الشتاء لأسرتها وحالة أطفالها جيدة، لافتة إلى أن الأدوية والعقاقير الطبية لم تعد بالجودة السابقة.

وتقول نهيل وهي إحدى الزبائن الدائمين على محال بيع الأعشاب، “تناول الأعشاب أفضل من العلاج الكيميائي، حيث أتناول في فصل الشتاء البابونج المنقوع في الماء الساخن لأنه يساعدني في تهدئة الجهاز الهضمي، كما يساعدني على مقاومة وعلاج نزلات البرد”، مضيفة أن هناك العديد من الحشائش المتعارف عليها لمعالجة الأمراض التي تنتشر في الشتاء، مثل الميرمية التي تحتوي على كمية كبيرة من الكالسيوم وتعتبر مضادا حيويا يكافح الفيروسات والبكتيريا التي تصيب الجسم كما أنها مفيدة للجهاز التنفسي وتطهر الفم والحلق.

وتضيف، وكأنها اختصاصية في الطب الشعبي، “أن القرفة تستخدم في علاج السعال والنزلات الصدرية وطاردة للبلغم، كما أنها ترفع من المعنويات التي تتدنى لدى الناس في فصل الشتاء”.

وبعد أن كانت تنحصر محلات العشابين بالأسواق القديمة في المدن العراقية وخاصة أسواق العطارة، بدأت تنتشر حاليا في معظم الأحياء، بل إن العديد من العراقيين أخذوا يتداولون عبر وسائل التواصل الاجتماعي مواضيع تخص الأعشاب والعلاج بها وفوائدها، حيث يصفها البعض بأنها طبيب مجاني وطبيعي لا خسارة فيه.

ومع انتشار هذه المحلات تزداد المخاوف من العشابين الدخلاء الذين لا يفقهون في هذا الطب شيئا، ولا يعرفون مضار بعض الأعشاب، فقط دخلوا إلى الميدان بعد تزايد الطلب عليه من قبل عامة العراقيين الذين أصبحوا يشككون في فعالية الدواء الكيميائي المتداول في الأسواق.

يقول أحمد العجمي صاحب محل للأعشاب الطبية في سوق غازي بمنطقة المنصور غربي بغداد، “في السابق من يريد الحصول على الأعشاب الطبية عليه الذهاب إلى أسواق العطارة في مناطق الشورجة والسوق العربي وسط بغداد والكاظمية، أما الآن، فإنها موجودة في كل الأحياء”، مبينا أنه في كل محافظة يوجد سوق خاص بالأعشاب لكن خلال العامين الماضيين بدأت محال الأعشاب تنتشر حتى في القرى الصغيرة.

ويضيف “بالنظر إلى كثرة محال الأعشاب، فإن وزارة الصحة فرضت ضوابط وقيودا على هذه المهنة، منها أن العشاب يجب أن يدخل في دورة لـ9 أشهر في معهد متخصص بطب الأعشاب تابع لوزارة الصحة، وبعدها يتلقى محاضرات لتحديث معلوماته كل أسبوعين مرة على الأقل”.

وعلى الرغم من أن المختصين في طب الأعشاب لم يدرسوا ذلك في الجامعات أو الكتب الطبية إلا أنهم توارثوا هذه المهنة عن أبائهم وخبروها لسنوات حتى صار لكل واحد منهم خلطاته التي جربها وصار يعدها لزبائنه كل حسب علته.

يقول العجمي، “لكل عشاب خلطة خاصة به يعطيها لزبائنه، يقوم بعمل هذه الخلطة من النباتات والأعشاب، تعتمد على مدى معرفته بخصائص كل عشبة أو نبات بحيث يكون تأثيرها إيجابيا ويلبي حاجة الزبون، فضلا عن الخبرة التي يملكها العشاب والتي تزيد من دقة تلك الخلطة”. ونتيجة لانتشار محال بيع الأعشاب في عموم العراق وازدياد العاملين في هذا الحقل، اتخذت وزارة الصحة العراقية إجراءات مشددة بشأن منح الإجازات لفتح المحال ولمن يمارسون هذه المهنة التي لها علاقة بصحة الإنسان.

مقالات ذات صلة