اراء و أفكـار

التعليم والهوية الوطنية العراقية

د. سعدي الابراهيم

التعليمُ هو الوسيلة التي عبرها تغذى العقول الانسانية بتفسيرات لكل ما يدور حولها من اشياء، وفي الوقت عينه ينشط العقل الانساني كي يتمكن من مواجهة المعوقات التي تقف حائلا بينه وبين الحياة السعيدة.
اما الهوية الوطنية، فهي كل ما يتميز به بلد ما عن غيره، من عناصر مادية وعناصر معنوية. وعلاقة التعليم بالهوية الوطنية علاقة وطيدة، اذا ان الدول العاقلة والرشيدة تستعمل المؤسسات التعليمية كأداة للحفاظ على الهوية الوطنية. فعن طريقها يتم تنشئة الاجيال القادمة، على حب الوطن والتضحية في سبيله، والعمل على اعلاء شأنه بين الأمم. الا ان هذه العملية هي ليست بالسهلة او الروتينية، بل هي عملية معقدة للغاية وتتطلب فترات طويلة نسبيا من الزمن. وفي الوقت عينه تتطلب استقرارا على كل الصعد، بالأخص داخل المؤسسة نفسها.
ان علاقة المؤسسة التعليمية بالهوية الوطنية العراقية علاقة مرت بفترات مختلفة، وفي الغالب كانت رؤية وتفسير الحاكم السياسي للهوية الوطنية هي التي يتم اعتمادها في المؤسسات التعليمية، ولذلك نجد بأن (دولة الأمة) كانت هي الفلسفة السائدة للهوية الوطنية ابان العهد الملكي، ثم تحولت الى (العراق اولا) في عهد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، وما لبثت ان صارت (الأمة العربية) هي الاساس في تفسير الهوية الوطنية في الفترات الممتدة من عام 1963 وحتى 2003. وكل هذه التفسيرات للهوية الوطنية كانت تبث عبر المؤسسات التعليمية، من خلال المناهج ومن خلال المحاضرات والنشاطات الجامعية والمدرسية الاخرى.
اما في مرحلة ما بعد 2003، فأن الأمر اختلف تماما، حيث ان النخبة السياسية التعددية، اختلفت نظرتها وتفسيرها للهوية الوطنية، وبالتالي بات من الصعب على المؤسسات التعليمية ان تترجمها الى عقول طلبة العلم. ومما زاد من الصعوبة، هو ان الهويات الفرعية ارتفع شأنها لسد الفراغ الذي خلفه انسحاب وتراجع الهوية الوطنية.
ان تفعيل علاقة التعليم بالهوية الوطنية العراقية، يتطلب عددا من الاليات، لعل من اهمها الآتي:
1– ان تكون المناهج، ذات فكرة واحدة، وهي زرع القيم الوطنية في عقول الطلبة، عبر التركيز على حضارة العراق والتعايش السلمي.
2– زرع فكرة او حلم بناء دولة عراقية قوية في ذهنية طلبة العلم. بحيث ترافقهم حتى بعد التخرج، عسى ان يعكسوها اثناء العمل.
3– ابعاد المؤسسات التعليمية عن التدخلات الحزبية والفئوية والمناطقية، وجعلها مؤسسة ذات خصوصية وحصانة.
4– الدقة في اختيار الكوادر التربوية، والعمل على ادخالها في دورات مكثفة، كي تكون قادرة على ايصال الرسالة العلمية الوطنية، بالأخص بعد المستجدات العلمية والتقنية التي يشهدها العالم.
إذن، ان الهوية الوطنية العراقية بأشد الحاجة لدعم ومساندة المؤسسات التعليمية.

“المشرق”

مقالات ذات صلة