اراء و أفكـار

ثورة لم تكتمل

نزل التونسيون قبل يومين إلى الشوارع لإحياء الذكرى الثامنة لثورتهم على نظام زين العابدين بن علي، وفي قلبهم غصة وألم، لأن ما طرحوه من أهداف لثورتهم مازال حلماً يراودهم، ولأن تضحياتهم ذهبت سدى، بعدما قفزت قوى سياسية انتهازية إلى الصفوف الأمامية وسرقت الثورة، وعملت على رهنها لأهداف تتعارض مع أهداف الثورة ومصلحة الملايين التي فجرت «ثورة الياسمين».
كان مأمولاً أن تشكل الثورة التونسية منطلقاً لتغيير داخلي يخرج بتونس إلى آفاق الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، ويجعل منها نموذجاً عربياً لتغيير يعم المنطقة العربية، ويشكل انطلاقة لنهضة عربية شاملة تستبدل ما هو قائم من استبداد بديمقراطية حقيقية، ومن تعفن سياسي بأنظمة تمثل الشعوب وتطلعاتها، ومن ارتهان للخارج سياسياً واقتصادياً بأنظمة تضع مصلحة الوطن والمواطن أولوية مطلقة لا تعلوها أولوية أخرى.
لكن هذا الحلم تبخر في تونس، كما في دول أخرى، لأن مسارات الحراكات الشعبية كانت في معظمها غير مؤطرة أو منظمة، وتفتقد إلى القيادة التي ترسم وتخطط وتضع البرامج الانتقالية. ومن أسباب ذلك أن الأنظمة التي كانت قائمة، عملت طوال سنوات سلطتها على تصحير الحياة السياسية، وسد أي أفق أمام العمل الشعبي المنظم من خلال النقابات ومنظمات المجتمع المدني، الأمر الذي سهل أمام قوى الإسلام السياسي الأكثر تنظيماً، إضافة إلى القوى الخفية التي تعمل في دوائر الاستخبارات، وبعض الأنظمة التي تعمل سمساراً للأجنبي، كي تغتنم الفرصة وتنشب مخالبها في جسد الدول من أجل تحويل الحراكات الشعبية إلى حالات تمرد يتم استثمارها سياسياً وعسكرياً لتخريب الدول المعنية من خلال خلق كيانات وتنظيمات تخريبية وإرهابية ومجموعات مرتزقة يتم استيرادها وتمويلها وتسليحها.. ولعل الدور القطري في هذا الشأن لايزال شاهداً على حجم المؤامرة التي تعرضت لها الحراكات الشعبية من أجل التغيير.
بعد ثماني سنوات، لايزال الشعب التونسي يعاني الأمرين، في ظل سلطة خاضعة للإسلام السياسي المتمثل ب«حركة النهضة» التي تحث الخطى للسيطرة على كل مفاصل الدولة، في ظل غياب أي مشروع نهضوي حقيقي يرفع عن الشعب التونسي معاناته مع البطالة والأزمة الاقتصادية الخانقة، وانهيار العملة، وتدني مستوى المعيشة.. إن كل الوعود التي ألقيت على مسامع التونسيين خلال العام المنصرم من جانب الحكومة بتحسن الوضع المعيشي كانت مجرد وعود عرقوبية، لأن الارتهان لصندوق النقد الدولي وشروطه الصعبة وضع تونس على حافة الإفلاس، ووضع التونسيين في قعر بئر الفقر والحرمان.
ها هي الثورة التونسية تدخل عامها التاسع من دون أي بصيص أمل في نهاية النفق، لكن التظاهرات التي ملأت الساحات إحياء للذكرى، بعثت برسائل مفادها أن للصبر حدوداً.

“الخليج”

مقالات ذات صلة