تقرير أكاديمي خطير عن طوفان الفساد
عدنان حسين
ما مِنْ قضية في هذي البلاد أهم وأكبر وأخطر من قضية الفساد الإداري والمالي.. هي الآن الخطر الماحق رقم واحد الذي يتهدّدنا والأجيال اللاحقة.
الفساد جلب داعش إلى العراق ومكّنه من احتلال ثلث مساحة البلاد.. الفساد كان وراء محنة الإيزيديين والمسيحيين. والفساد هو ما تسبّب في قتل عشرات الآلاف من الشبان العراقيين اليافعين من مختلف القوميات إمّا بهجمات قوات داعش على مدنهم وبلداتهم وقراهم أو في حرب المواجهة الضارية ضده التي امتدت من شمالي بغداد إلى عمق الموصل .
الفساد أيضاً هو ما عطّل آلاف مشاريع التنمية التي كان يمكن لها أن تنتج سلعاً زراعية وصناعية بملايين الأطنان وخدمات متنوعة ندفع عنها بالعملة الصعبة، وتشغيل مئات الآلاف من الخريجين العاطلين وسواهم ، والحد من مستويات العطالة والفقر العالية… الفساد، وهو دائماً فساد الطبقة السياسية المتنفّذة في نظام ما بعد صدام، وهي طبقة إسلامية في الغالب، هو الذي يجعل الغالبية العظمى من العراقيين في غاية الإحباط من دون أمل في المستقبل.
واحد من أهم مراكز الأبحاث في البلاد مركز الدراسات الستراتيجية في جامعة كربلاء.. هو مركز رصين يعمل على وفق الأسس والقواعد العلمية للبحث والدراسة.
هذا المركز أصدر أخيراً تقريراً بعنوان “آليات مكافحة الفساد في العراق” أعدّه فريق بحثي خاص مؤلف من 37 باحثاً وخبيراً، واحتوى على معلومات ومعالجات قيّمة للغاية على صعيد تحليل هذه الظاهرة المدمّرة وتتبّع أبعادها وعواقبها الخطيرة.. إذا كانت الحكومة الحالية جادّة، وهو ما نشكّ فيه، في مكافحة الفساد الإداري والمالي، عليها دراسته بعناية فائقة وتكليف فريق حكومي نزيه للتعاون مع المركز في سبيل وضع ستراتيجية فعّالة لمكافحة الفساد.
من أهم ما جاء في التقرير أن وزارات الدولة ودوائرها قاطبة من أعلاها الى أدناها، متورطة ومتدنّسة بالفساد الإداري والمالي، ولا استثناء في ذلك لا دواوين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة ولا الوزارات والهيئات “المستقلة” ولا المحافظات ومجالس المحافظات والبلديات ولا الدوائر غير المنتظمة في وزارة، ولا النقابات ولا الاتحادات ولا جمعيات النفع العام الأخرى.
بإيجاز شديد، الفساد في العراق طوفان أسطوري أو تسونامي.
ومن أهمّ الوارد في التقرير كذلك أن جرائم الفساد الناتجة عن استغلال النفوذ وتجاوز حدود الوظيفة هي أكثر جرائم الفساد شيوعاً.. الموظفون مرتكبو هذه الجرائم ليسوا الصغار أو المتوسطين حسب بل الكبار في المقام الأول، بمن فيهم وزراء ووكلاء وزارات ورؤساء مؤسسات ومدراء عامون. استغلال النفوذ وتجاوز حدود الوظيفة يعنيان أن الوزير أو الموظف يتعمّد ذلك لتحقيق مصالح خاصة (رشوة في الغالب)، ويؤكد التقرير في هذا الخصوص (( إن جرائم الفساد الناتجة عن تجاوزالموظفين حدود وظائفهم هي من أكثر جرائم الفساد التي يمارسها الوزراء ومن بدرجتهم في الوزارات والهيئات والجهات غير المرتبطة بوزارة، إذ لم تخلُ أي جهة من هذه الجريمة”.
الحكومة والطبقة السياسية المتنفذة كلها منشغلتان كليّاً بالتشكيلة الحكومية للشهر الرابع على التوالي، فضلاً عن قضايا ثانوية، وبعضها تافه في الواقع.. هل الأمر مُتعمّد في سبيل عدم مواجهة الاستحقاقات ذات الأولوية الملحّة، ومنها مكافحة الفساد؟ …
“المدى”