عن احتمال عودة “التنظيم”
علي علي
يدور الحديث في الشهور القليلة الماضية، ولاسيما بعد انشغال ساسة العراق وكتله وأحزابه، بتدوير أنفسهم وإعادة نصاب ما جبل عليه سابقوهم، في المحاولات الحثيثة لقضم ماتبقى من “الكعكة”.. حول احتمالات عودة تنظيم داعش إلى مناطق ومدن عراقية، سبق أن تحررت بالكامل من بقايا عناصره. وفي هذا قطعا تهديد أكبر من التهديد الذي جابهه العراق في حزيران عام 2014. إذ يعد نكوصا وتقهقرا إلى مراكز متدنية أمنيا وسياسيا، ذلك أن الجرح الغائر مازال “أخضر” ومافتئت آلامه عصية على التحمل والنسيان.
ولعل من التذكير ما ينفع أو يبعد أشباحا وكوابيس مريرة، وسأستذكر في سطوري هذه ماقاله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، عندما كانت أحداث دخول داعش محافظة نينوى في إرهاصاتها الأولى، ولم يكونوا قد توغلوا بعد في عمق محافظات آخرى. إذ زار كيري العراق، يومها قال مخاطبا ساستنا مانصه:
“يجب أن توجد وحدة وطنية بين العراقيين لطرد المتمردين التابعين لتنظيم داعش الذين سيطروا على أجزاء كبيرة في شمال العراق وغربه”.
أظن ماقاله كيري رسالة واضحة بل هي “رزالة فاضحة” موجهة لهم، وقطعا ماقصد كيري إلا السياسيين الذي لعبوا بمصائر العراق والعراقيين ماشاء لهم لعبه على حبلين وثلاث ورباع. ولاأظن فرقة أكثر من فرقة ساستنا الذين شبوا وشابوا على الصراعات والمناكفات، والتي أدت الى ما آل اليه الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي للبلد، تاركيه ينزلق في غياهب سلب الأرض من طامعين في الخارج، ونهب المال والثروات من فاسدين في الداخل، وتضييع الإرث الحضاري على يد أوباش مسيرين بأياد تخطط وترسم لمسح العراق من خارطة الحضارات، من دون أن يرعووا لبلدهم وشعبهم. وإنه لمن المعيب عليهم أن تأتيهم التوجيهات التأديبية والإرشادات الأخلاقية من قادة وزعماء من شرق الأرض ومغربها، فبقول كيري إشارة واضحة ان لاسبيل لطرد الإرهاب غير وحدة السياسيين ووقوفهم صفا واحدا أمامه.
هذا الكلام كان كما أسلفت قبل أكثر من أربعة أعوام، يومها كان اتساع رقعة عصابات داعش في تزايد واطراد مرعب على أراضينا، ولو بحثنا عن المسبب في كل ماحصل، لذهبت اصابع الاتهام بانسيابية حصرية الى ساستنا، ولا أحد غير ساستنا، السابقون منهم واللاحقون، إذ أن تراكم سلبياتهم في إدارة البلد، وترك قضاياه الجوهرية على هامش الاهتمام، أفضت الى فسح المجال أمام سلبيات أكثر خطورة لتتنامى على أرضه، ليس الفساد المالي أولها، كما أن توأمه الإداري ليس آخرها، وبالتالي فتح الأبواب على مصاريعها أمام من هب ودب من أعداء العملية السياسية -في الداخل ومن الخارج- للعبث بها. وإنه لمن المؤسف أن العملية السياسية التي ابتدأت تحبو بعد سقوط نظام صدام، مابرحت تحبو طيلة السنوات الخمس عشرة المنصرمة، بل بإمكاننا القول أن العملية السياسية في العراق الفدرالي الديمقراطي التعددي، وُلدت خديجة، ونشأت خديجة وترعرعت خديجة وهاهي اليوم مازالت خديجة أيضا، في حين أن جميع أقرانها من الخدج، صار لهم شأن وطال لهم باع، واستطال لهم وجود واستعرض لهم كيان، فهل نحت عمليتنا السياسية منحى الدستور الذي مازال المتعثرون في تعديل بنوده -متعمدين طبعا- يتعللون بأنه “وُلد على عجالة”؟
وهل يعقل أن عقدا ونصف العقد يمر على الخديج دون أن يشتد عوده، او يقوى على النهوض كما ينبغي مع متطلبات واقع الحال؟.
ساستنا إذن، هم العقدة التي يقف عندها التقدم والتغيير، وساستنا أيضا هم مفترق طرق الصعود النزول، وعليهم يعول في الأولى، ومنهم يُتعوذ في الثانية، وما التغييرات التي تطرأ على واقع المجتمع إلا وليدة نهجهم ومنهاجهم في الإدارة، ورحم الله أبا علائنا المعري يوم قال:
يسوسون الأمور بغير عقل
فينفذ أمرهم ويقال ساسة
فأف من الحياة وأف مني
ومن زمن سياسته خساسة
المصدر : “كتابات”