اراء و أفكـار

الانسحاب الأمريكي المفاجئ..لماذا؟

فجأة ودون أي مقدمات، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب كل القوات الأمريكية من سوريا!.
الخطوة مفاجئة بالتأكيد، ولم تكن متوقعة، خصوصاً أن ما كان يصدر عن المسؤولين الأمريكيين- حتى قبل أيام قليلة- كان يشير إلى عكس ذلك؛ بل كان هناك تصميم على البقاء إلى حين هزيمة «داعش» نهائياً، وخروج القوات الإيرانية.
وكانت واشنطن تستخدم «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية، كمظلة لديمومة وجودها.
القرار الأمريكي المفاجئ، سيربك حسابات الكثيرين، وسوف يترك آثاره وتداعياته بالنسبة للأزمة السورية؛ لكن بالتأكيد سيكون الأكراد هم الطرف الأكثر تضرراً؛ لأنهم سيتحولون إلى هدف تركي مباشر، قد يكون قريباً جداً، خصوصاً أن القوات التركية، تحتشد على الحدود الجنوبية المحاذية لسوريا؛ استعداداً لمهاجمة منطقة شرقي الفرات، الواقعة تحت سيطرة الأكراد؛ كما هدد بذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام.
نذكر أن السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد، كان قد صرّح لصحيفة عربية في شهر يونيو/حزيران السابق، «أن بلاده سوف تعجز عن الصمود في سوريا، كما انسحبت من بيروت عام 1983، ولاحقاً من العراق». وأشار في حديثه إلى «أن اللعبة انتهت»، وبشأن الأكراد توقع «علاقة قاتمة» مع واشنطن، وأكد أن «الأكراد يرتكبون أكبر خطأ في وضع ثقتهم بالأمريكيين».
الحقيقة أن الولايات المتحدة، ومنذ وصول ترامب إلى السلطة، كانت من دون استراتيجية واضحة تجاه منطقة الشرق الأوسط عموماً، وسوريا خصوصاً، باستثناء الثابت الوحيد؛ وهو العلاقة مع «إسرائيل»؛ لذا اتسمت السياسات الأمريكية تجاه المنطقة بالغموض، والمواقف المترجرجة؛ بل أكثر من ذلك عمدت الإدارة الأمريكية؛ بسبب عدم وضوح استراتيجيتها إلى استخدام أزمات المنطقة؛ للابتزاز حيناً، والخطوات الهوجاء حيناً آخر.
لكن، لماذا خطوة الانسحاب المفاجئة الآن؟! غالب الظن أن الأمر له علاقة بتركيا؛ إذ يبدو أن واشنطن عندما قررت المفاضلة بين الحليف التركي التاريخي، والحليف الكردي، الذي يستخدم حصان طروادة في الأزمة السورية؛ قررت اختيار أنقرة. لذلك اعتبرت «قوات سوريا الديمقراطية» هذا الانسحاب «طعنة في الظهر، وخيانة لدماء آلاف المقاتلين». يذكر أن القرار جاء بعد مكالمة هاتفية بين ترامب وأردوغان. ويأتي قرار الانسحاب، بالتزامن مع وصف وزارة الخارجية الروسية، الوجود الأمريكي في سوريا ب«غير الشرعي»، ويشكل «عائقاً خطراً في طريق تسوية الأزمة السورية».
القرار الأمريكي فاجأ الأكراد وغيرهم، خصوصاً أن القوات الأمريكية شرقي الفرات، كانت- حتى قبل يومين- تقوم بتعزيز تواجدها، وتنقل معدات لوجيستية في هذا الإطار.
أما قول الرئيس الأمريكي: إن القوات الأمريكية «هزمت «داعش» في سوريا، وأن هذا الهدف؛ كان المبرر الوحيد للاحتفاظ بقوات أمريكية هناك»، فهو قول مشكوك في صحته؛ لأن «داعش» لم تُهزم نهائياً بعد، وأنه لا شيء تغير كثيراً منذ كان الموقف الأمريكي يقول: (إن الانسحاب لن يتحقق إلا بعد هزيمة «داعش»).
يجب البحث عن سبب آخر له صلة بالعلاقات (الأمريكية-التركية) تحديداً؛ وهو السبب، الذي سيكون الأكراد ضحاياه -كما العادة-؛ عندما تكون الرهانات خاطئة، والاعتقاد بأن الولايات المتحدة يمكن أن تكون حليفاً موثوقاً.

“الخليج”

مقالات ذات صلة