هواوي… أول رصاصة!
حسين شبكشي
اعتبر المراقبون الاقتصاديون والسياسيون إلقاء كندا القبض على المديرة المالية لشركة هواوي الصينية العملاقة للتكنولوجيا منغ وانزو تشو بطلب من الولايات المتحدة (أفرج عنها مؤخراً بكفالة مشروطة) الجولة الأعنف في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
فأميركا طلبت إلقاء القبض على هذه المسؤولة التنفيذية بتهمة مخالفة الشركة للعقوبات المفروضة على إيران، والتي تحظر بيع المنتجات التقنية لها. وهناك رمزية بالغة الدلالة في اختيار هذه الشخصية بالذات، فهي ابنة مؤسس الشركة، المقرب من كبار رجال الدولة في الصين وله نفوذ عظيم فيها.
أما عن هواوي فهي درة التاج في الاقتصاد الصيني ومفخرته. هي واحدة من أكبر الشركات حجماً على المستوى العالمي. باعت 52 مليون تليفون محمول في الربع الماضي من السنة بأكثر من 7 ملايين هاتف مقارنة بشركة «آبل» الأميركية وهي توظف 180 ألف موظف حول العالم، وحققت مبيعات تجاوزت 92 مليار دولار عام 2017. هي باختصار أكبر شركة في العالم في تصنيع المنتجات المتصلة بالتواصل الإلكتروني من الأبراج إلى الساعات الذكية، مع عدم إغفال الحاسوب المحمول والهواتف الذكية، وهي ثاني أكبر شركة حول العالم في إنتاج الهواتف بعد سامسونغ الكورية. وتعبر الصين «هواوي» أهم وأنجح قصص توسع شركاتها.
ويعتبر العالم الغربي أن «هواوي» تشكل خطراً كبيراً على شركاته، لأن الشركة تقود التقنية لإنتاج الجيل الخامس من تقنية الاتصالات الحديثة المعروفة باسم SG، وهي التقنية السريعة عالية الجودة التي ستربط وتوصل جميع الأجهزة الهاتفية والمعدات المختلفة ببعضها البعض عبر تقنية ذكاء اصطناعي غير مسبوق، وهذا طبعاً يشكل خطراً صريحاً على أميركا تحديداً، لأنه قد «يجبر» أميركا وشركاتها على شراء التقنية الحديثة «المطلوبة» من الصين، بعد تأخر المصنعين المحليين من اللحاق بالركب، ولا يوجد منافس أميركي حقيقي مؤهل لذلك بعد تقهقر «موتورولا» و«سيسكو»، ولم يبق مؤهلاً في المعسكر الغربي إلا شركتا «نوكيا» الفنلندية و«أريكسون» السويدية. ومنذ فترة ليست بالقصيرة تمنع الحكومة الأميركية شركة «هواوي» من التقدم للمناقصات الحكومية فيها، لأن لديها شكوكاً في ملكية الشركة، حيث إن لديها قناعة بأن المالك الحقيقي للشركة هي المخابرات العسكرية الصينية، وبالتالي تعتبر «الخطر» الذي تشكله «هواوي» من النوع الجاد بسبب انتشارها حول العالم، وبالتالي قدرتها النظرية في اختراق شبكات الاتصال حول العالم وتعطيلها بعد التحكم فيها.
شخصياً أدركت «قوة» هذه الشركة بتجربة مثيرة عندما كنت عضو مجلس إدارة في شركة اتصالات لديها خمس رخص تقديم خدمة الـGSM للهاتف الجوال في القارة الأفريقية، وكنا نتلقى العروض الخاصة ببناء الأبراج المطلوبة للشبكة من شركات أوروبية وأميركية وكورية ويابانية حتى دخلت على الخط شركة «هواوي» لتقدم لنا عرضاً بتسهيلات سداد غير مسبوقة، تشمل تمويلاً بنسبة 110 في المائة، أدركت وقتها أن المسألة تتخطى المفهوم التجاري المعتاد. وما هذا الأمر سوى مرحلة واضحة على صراع مستقبل الاقتصاد بين أميركا والصين، وخصوصاً فيما يخص صناعة الرقائق الحاسوبية التي يعتمد عليها الاقتصاد الجديد، وأجهزة السوبر كومبيوتر السريعة والتي تؤسس الذكاء الصناعي وأجهزة التواصل.
كل شيء يعتمد على الرقائق المتطورة للحاسوب. فاليوم السيارات الحديثة هي رقائق متطورة تسير على أربع عجلات، المصارف هي كومبيوترات تحول أموالاً حول العالم، حتى الجيوش هي عتاد وحديد ورقائق. اليوم أميركا وحلفاؤها مثل اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية لديهم تحكم تام على سوق الرقائق بقوة، بينما تعتمد الصين على استيرادها من أطراف أخرى، ولا توجد شركة صينية واحدة في قائمة أكبر 15 شركة لمنتجي الرقائق. كان الوضع سيتغير لأن «هواوي» كانت تنوي الدخول في هذا المجال بقوة، ولكنها الآن باتت هدفاً واضحاً للغرب في كبح جماحها واعتبارها خطراً محتملاً على الأمن الوطني. ساحة الحرب الاقتصادية الكبرى بين الصين وأميركا ليست في عوالم النسيج ولا السيارات ولا المأكولات، ولكنها في عالم التقنية الحديثة، وتحديداً الرقائق السريعة المتطورة، و«هواوي» أطلقت أول رصاصة في الحرب، ويبقى حبس الأنفاس في انتظار الرد الصيني «الحقيقي».
“الشرق الاوسط”