الإمارات والعراق.. وعي الإمكانية
أول حرف يقرأ في زيارة الرئيس العراقي برهم صالح لدولة الإمارات يشير إلى أن ليس للعراق إلا محيطها العربي، وأن ذلك مقتضى المنطق والحكمة، كما تقرأ الزيارة لجهة التوقيت والظروف والأهمية، حيث يلتقي الرئيس الضيف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والعراق على مشارف مرحلة جديدة مبشرة، أو يرجى لها أن تكون كذلك، بعد تخطي استحقاق الانتخابات النيابية والرئاسية بنجاح، وبعد تخطي الجيش الوطني الامتحان العسير المتمثل في مواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي والانتصار عليه، نحو عراق أفضل وأكثر رفاهاً وأمناً واستقراراً.
العراق يستحق، وفي كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد يقين يضيء الطريق، وطريق العراق معانقة حلم الوحدة الوطنية حتى يتحقق، والاشتغال الدؤوب على نبذ الخلافات الداخلية، خصوصاً ذات الصلة بالتجاذبات السياسية الخارجية والتحالفات الخاطئة أو غير المحسوبة، فقد حان للعراق الذي في البال أن يتحقق، بعد سلسلة من الحروب والحرائق والانكسارات، مما ضجت به العقود، وكأنه إرث القرن العشرين تتجرع سمومه وعثراته أجيال القرن الجديد.
لا للقبلية والعصبية والطائفية، هكذا تكلم محمد بن زايد من أبوظبي عاصمة القرار العربي، حاملة رسالة الوعي والتنوير، والساعية إلى تعزيز سلام وأمن المنطقة، حضوراً وفعلاً إيجابياً غير محدود، وتكلم محمد بن زايد انطلاقاً من الإيمان بأهمية وضرورة العراق، وبكنائز العراق المعنوية وثرواته البشرية والمادية، فالعراق قادر على تجاوز محنه التي طالت، وهو، بهباته ومواهبه، يستطيع فعل الكثير، وصولاً إلى تأمين حاضر ومستقبل شعبه العظيم.
والإمارات تقف إلى جانب شقيقتها العراق، حيث سياستها تجاه الشقيق والصديق والآخر، تصدر عن منظومة من المبادئ والقيم، بالإضافة إلى وعي مواكبة المستجدات. كان ذلك موقف الإمارات دائماً، وها هو في واحدة من ذرواته، مركزاً ودوراً وتأثيراً، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله. الإمارات مع استقلال العراق بالمعاني كلها، ومع حريته ووحدة ترابه الوطني، ومع إعادة إعماره، ومع استعادة روحه، في مجازه وحقيقته، وذلك نحو استعادة الدور في الإقليم والعالم، بما ينسجم مع منطق التاريخ، ويتسق مع الإمكانية والطموح، فما تعرضت له العراق في مراحل متفرقة لم يكن إلا نوعاً بغيضاً من هدر الإمكانية.
ولقد كان التعايش في العراق، على مر أيام التاريخ، الحل وكلمة السر وصمام الأمان، فلا بد من تكريس المواطنة وتغليبها على كل ما عداها، وعلى كل من عاداها، حيث الوطن للجميع، وحيث هو فوق الأمزجة والطوائف والأطياف، وحيث العراق وطن حاضر وشديد الحضور، وليس وعد غيب أو فكرة مؤجلة.
ذلك المرجو للعراق وهو يقبل على مرحلته الجديدة، ومهم جداً وعي التجربة، والخروج بخلاصات مكونة لمشروع مستقبلي يترفع عن إرث المآسي والجراح والفرقة والفساد، ويرتفع بأجنحة الانتماء والإخلاص والتضحية والعمل في أفق من وعي القدرات.
نقلا عن “الخليج”