مخاطر تفخيخ المجتمع التونسي
حادث التفجير الانتحاري، الذي وقع قبل أيام في العاصمة تونس، نفذته شابة في الثلاثين من عمرها، مستهدفة به رجال الشرطة، مؤشر خطير تجب قراءته بشكل أكثر عمقاً؛ لأنه يكشف عدم قدرتنا على مواجهة التحديات التي تواجهنا، والتي تقود الكثير من عديمي الحيلة إلى الخيار الأسهل برأيهم؛ الأصعب بالنسبة للأنظمة، المتمثل في العمليات الانتحارية، كما رأينا في الهجوم الأخير؛ إذ فجّرت الشابة نفسها من دون أن تعرف الأسباب الحقيقية من وراء ذلك، لكنه دق ناقوس الخطر من تحوّل كبير في المجتمع التونسي المسالم.
طوّقت الشرطة مكان التفجير، الذي أدى إلى إصابة ما يقرب من 20 شرطياً ومدنياً، لكن الحكومة لم تتمكن من تطويق الأسباب التي دفعت هذه الفتاة إلى فعل ما فعلت، ومعالجة الظروف الاجتماعية التي صارت تدفع خيرة شباب البلد، إلى اللجوء إلى العنف في معالجة أزماتهم الناتجة عن البطالة، فيسمح ذلك للتنظيمات الإرهابية بالتقاطهم وتوظيفهم ضد أهداف مدنية وأمنية وعسكرية، فهذه الشابة خريجة جامعية منذ أربع سنوات، وتُعيل أسرة معظم أفرادها بلا عمل، وربما جرى توظيف غضبها باتجاه يهدف إلى ضرب الاستقرار في بلد خرج من موجة «الربيع العربي» بأقل الأضرار.
الفاجعة في تونس كانت كبيرة، هكذا وصف الرئيس الباجي قايد السبسي ما حدث، والذي اعتبره موجهاً للدولة ولهيبتها وسلطتها، قائلاً: إن «الإرهاب ما زال قائماً في قلب العاصمة، ظننا أننا انتهينا من مكافحته، لكنه ظهر من جديد».
لا شك أن العملية الأخيرة هزّت تونس بمختلف أطيافها ومكوناتها السياسية والاجتماعية، وبدت دعوة الرئيس السبسي إلى ما سماها «استخلاص العبر» و«فهم الأسباب» التي أدت إلى ذلك منطقية؛ لأنها تبحث عن إجابات على أسئلة كثيرة تمور في المجتمع التونسي، عن الدوافع التي تؤدي بالشباب العاطل عن العمل، إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم.
بعد الحادثة الأخيرة تبدو مخاوف السلطات التونسية من استفحال ظاهرة الإرهاب مشروعة، فهي لم تكن الأولى التي تقع في البلاد؛ إذ سبقتها حوادث أكثر دموية.
ولعل الكثير يتذكر الاعتداء الذي استهدف سياحاً على متن حافلة قرب متحف باردو في مارس 2015، وأدى إلى مقتل 21 شخصاً، فيما فجر انتحاري نفسه في يونيو على شاطئ في مدينة سوسة، قتل فيه 38، تلاهما هجوم انتحاري استهدف حافلة للحرس الرئاسي في نوفمبر من العام نفسه، وأسفر عن مقتل 12 عنصر أمن، والهجومان الأخيران تبنّاهما تنظيم «داعش»، وخلال العام 2016 حاول عشرات الإرهابيين، الاستيلاء على مراكز أمنية في منطقة بن قردان قرب الحدود الليبية، من دون أن ينجحوا في ذلك.
لذلك بدت العملية الأخيرة بمثابة جرس إنذار للجميع، لمواجهة خطر ما يمكن اعتباره «تفخيخ المجتمع التونسي»، والمواجهة لن تكون إلا في وضع اليد على الجرح لوقف نزيفه إلى الأبد.
نقلا عن “الخليج”