تهيئة الحل في ليبيا
أكثر من عشر مبادرات أممية وأوروبية وإقليمية طُرحت خلال الأعوام الثلاثة الماضية،ومن المنتظر طرح أربع مبادرات أخرى مصرية وإيطالية وأوروبية وأمريكية ، للتوصل إلى حل للأزمة الليبية التي يحيط بها الجمود .
بالطبع استمرار حالة انسداد الآفاق أمام الحل السياسي،والمراوحة في المكان من دون تقدم،خطرهما أكبر من الحفاظ عليهما ، فهذه الحالة المشحونة أصلاً بالاحتقان لن توفر أمناً ،ولن تمنع احتمال تجدد القتال.
معظم هذه المبادرات القائمة والمنتظر طرحها تتناول الأزمة الليبية بشكل جزئي أو انتقائي ،في أحسن الأحوال،وكل هذه المبادرات تستهدف تحقيق غايات تقصر عن الحل الشامل.
فمبادرات دول الجوار تهدف إلى تأمين الحدود والمعابر حتى لا تكون مدخلًا لتهريب السلاح والمتفجرات والإرهابيين.ومبادرات الاتحاد الأوروبي تهدف إلى منع وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى سواحل جنوب أوروبا.
والمبادرات من دول أوروبية بعينها كإيطاليا وفرنسا تهدف في الأساس إلى تأمين المصالح الاقتصادية للدولتين الأوروبيتين المتشاطئتين على البحر الأبيض المتوسط، خاصة أن للبلدين شركات نفطية تعمل في الحقول الليبية،ولها استثمارات لا ترغب في أن تتبدد.وتنظر ألمانيا إلى منافع اقتصادية مستقبلية،ولا تخفي روسيا أنها ترغب في أن تزيد حصة شركاتها النفطية في ليبيا،وأن يكون لها وجود عسكري على شكل قاعدة بحرية في غرب المتوسط ،كما في سوريا شرق المتوسط.
وقد برزت الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب،مؤخراً لتطرح مبادرات جديدة في ليبيا ، ظاهرها تحقيق تسوية للأزمة،وفي باطنها تهدف إلى تأمين أكبر حصة من النفط الليبي لصالح الشركات الأمريكية .ما الذي بمقدور المبادرات الجديدة الأوروبية والإيطالية والأمريكية تحقيقه في ليبيا وعجزت عنه المبادرات السابقة،بل والاتفاقيات السابقة؟لن يتحقق أي شيء ما لم يتم تغيير الأساس الذي تنبني عليه هذه المبادرات والهدف منها.
فالبحث عن حلول جزئية وترضيات وتثبيت الوضع القائم لمنع انهياره باعتباره أفضل من التدهور والانزلاق في حرب أهلية وما يترتب عليها من أكلاف إنسانية واقتصادية وأعباء على الجوار والإقليم والعالم،لا تملك مقومات الاستمرار ، إذ ما دامت الأسباب التي أدت إلى الأزمة قائمة ،فهي أدعى إلى فتح الباب أمام المزيد من القلاقل والاضطرابات وتعقيد المشهد.
الحل الجذري والشامل والدائم للأزمة الليبية لا بد أن يترتب عليه حل كل الميليشيات والفصائل والتشكيلات المسلحة بمختلف دوافعها سواء كانت إيديولوجية أو مناطقية أو قبلية أو جهوية،ويستتبع ذلك رفع الغطاء السياسي الذي تعبر عنه هذه الميليشيات.ولا يخفى أن الكثير من الجماعات السياسية الليبية تتبنى هذه التشكيلات المسلحة لحراسة حصة سياسية واقتصادية مفترضة من الثروة والسلطة في البلد المنقسم على ذاته.
ولن يستقيم أمر العملية السياسية ما لم تتهيأ الأجواء سياسياً وأمنياً ،حتى يكون الحكم لصوت الشارع الليبي في صناديق الاقتراع،وليس صوت السلاح في الشارع.
“الخليج”