لمن ستنتصر الحكومة المقبلة..؟
بعد أن أعادت الطبقة السياسية المهيمنة على مقاليد أمور عراق ما بعد “التغيير” إنتاج نفسها في الدورة الرابعة للانتخابات النيابية، وفقا لخارطة الطريق والتشريعات والمعايير التي وضعتها بعد زوال النظام المباد؛ شرعت بترميم وإنعاش هذا النظام السياسي عبر تقديم شيء من التنازلات والترقيعات الشكلية، من دون المس بجوهره المستند الى أساس مكين من المصالح الفئوية والقبلية والأسرية والجماعات والعقائد الرثة، البعيدة كل البعد عما شغل بال واهتمام المجتمعات والأمم التي أكرمتها الأقدار بنعم الأمن والتقدم والازدهار. ماراثون لم تشهد مثله تجارب الشعوب والدول التي أكرمتها الاقدار بنعمة (الصناديق)، فبعد مرور أكثر من أربعة أشهر على إجراء الانتخابات؛ اتفقت غالبية الكتل الفائزة على تنصيب رؤساء لمجلس النواب (محمد الحلبوسي) والجمهورية (برهم صالح) ومجلس الوزراء (عادل عبد المهدي)، وبغض النظر عن طبيعة وحقيقة إمكانات هذه الشخصيات ومشاريعها الفعلية للمرحلة المقبلة، فإنها بشكل عام جاءت منسجمة ومشيئة القوى والمصالح والمؤسسات والإقطاعيات المهيمنة على المشهد السياسي والاقتصادي والقيمي الراهن. صحيح انها تبدو شكليا مختلفة عما جرى في الدورات البرلمانية السابقة، وبنحو خاص في المنصب الأشد تأثيرا في رسم مصائر البلد (رئاسة الوزراء) حيث تحررت من هيمنة الحزب الذي تلقفها منذ العام 2005 الى لحظة تكليف السيد عادل عبدالمهدي بتشكيل الحكومة المقبلة؛ إلا أن ذلك سيحتاج الى الكثير من الشروط والمناخات والاصطفافات والإرادة والملاكات والقرارات (غير المتوفرة حالياً) كي يتحول الى مشروع انعطافة جدية في المشهد العراقي الراكد والبائس.
المكلف الجديد بالمسؤولية التنفيذية الاولى في البلد، يكرر دائما موضوع استقالته الجاهزة بوصفها حلا سبق أن جربه في مواقع حكومية سابقة، ولن يتوانى بإشهارها مجدداً بوجه الكتل والجماعات التي ستحاول إعاقته في تحقيق أهدافه وخططه، وهنا سنكون بمواجهة خيارين لا ثالث لهما؛ إما استقالة مبكرة عبر احتكاكات جدية لـ (خططه) مع الشبكات الاخطبوطية الراسخة لقوى الفساد والجريمة المنظمة والمصالح الإقليمية المتنفذة في البلد، أو استمراره في إدارة حكومته الى موعد الانتخابات المقبلة بعد ان تتكيف (خططه) والمصالح الفئوية لتلك الشبكات والجماعات والكتل المتنفذة حكومياً وشعبياً. ولنفترض جدلا ان رئيس الحكومة الجديد سيختار معاونيه واعضاء فريقه الحكومي بحرية ووفقا للمعايير المهنية المجربة، وسيمر ذلك من دون اية اعتراضات أو اعاقات من كتل (الاخوة- الاعداء) في البرلمان والسلطات الاخرى، وستنطلق الكابينة الجديدة لتنفيذ خططها على تضاريس واقع مدجج بكل ما هو متنافر وقيم الامن والاستقرار والاعمار واعادة البناء، لا خارج سلطة الدولة وحسب بل داخل مؤسساتها المنخورة والمثقلة بكل ماهو طارد للإصلاح والتغيير وملاكاته الكفوءة والشجاعة. النتيجة واضحة وهي من دون شك في غير صالح تلك الكابينة الافتراضية، التي ستترعبل بعد اول حماقة ترتكبها بحق القوافل التي ارتضت بها كحل عابر ومؤقت لمرحلة ما بعد هزيمة داعش العسكرية.
الحكومات القوية والقادرة على النهوض بمشاريع واقعية، لا يمكن ان تظهر من دون أن يسبقها بوادر تعافي في حياة المجتمع وحطام الدول، وهذا ما دحضته التقارير الدولية المهتمة بحال واحوال بلد تتدافع حشوده على دروب البؤس والفشل. الشروط والمناخات واهتمامات “اولي الامر” وقوارض حقبة الفتح الديمقراطي المبين كفيلة بتحويل أفضل الكابينات الى شذر مذر.
جمال جصاني
“الصباح الجديد”